7 دقائق قراءة

في زيارة نادرة إلى الصين: الأسد يستجدي الأعطيات

زيارة بشار الأسد إلى الصين الأسبوع الماضي، هي الأولى منذ نحو عشرين عاماً، بهدف توطيد العلاقات بين البلدين على أمل زيادة الدعم المالي الذي قد لا يأتي.


25 سبتمبر 2023

بيروت- بموكب بهيج من الراقصين، استقبلت الصين بشار الأسد، يوم الخميس، في مدينة في مدينة هانغتشو، مركز الاقتصاد والتجارة الإلكترونية شرقي الصين، في زيارة هي الأولى منذ نحو عشرين عاماً، من شأنها أن تأخذ العلاقات بين البلدين إلى “مستوى جديد”، بحسب ما ذكرت وزارة الخارجية الصينية.

في اليوم التالي لوصوله، التقى الأسد بنظيره الصيني، شي جين بينغ، على هامش دورة الألعاب الآسيوية، حيث أعلن الرئيس الصيني إقامة “شراكة استراتيجية بين الصين وسوريا”، واصفاً إياها بـ”المعلم المهم في تاريخ العلاقات الثنائية”.

إلى جانب توثيق العلاقات الدبلوماسية، يأمل الأسد أن يحظى بالدعم المالي، لاسيما مع انهيار اقتصاد بلاده بعد أكثر من عقدٍ على الحرب، لذلك تعدّ زيارته “زيارة استجداء، وخطوة بسبب اليأس”كما وصفها ستيفن هايدمان، أستاذ العلوم السياسية المتخصص في سوريا، في حديثه لـ”سوريا على طول”.

في الربيع الماضي، تم الترحيب بعودة الأسد إلى جامعة الدول العربية، بعد اثني عشر عاماً من العزلة، لكن الدول المجاورة لسوريا، من قبيل الأردن، سئمت من انتظارها له للمضي في خارطة طريق متبادلة صيغت لأجل التطبيع، بما في ذلك الحد من تدفق المخدرات خارج البلاد.

وفي هذا الشهر علّقت لجنة الاتصال الوزارية العربية المعنية بسوريا اجتماعاتها حتى إشعار آخر. لذلك، توجه الأسد إلى الصين غير المتأثرة بتجارة المخدرات السورية، التي تدرّ ملايين الدولارات، وبالتالي لم تطالب بكين الأسد الإيفاء بما لا يرغب.

وبما أن روسيا وإيران، اللتان ساندتا الأسد، مشغولتان بالتصدي لمجموعة من المخاوف المحيطة ببلادهما والملفات الداخلية، أصبحت “الصين بمثابة شريان الحياة، والملاذ الأخير”، كما قال لـ”سوريا على طول”، جيسي ماركس، زميل غير مقيم في مركز ستيمسون ومقره واشنطن. 

وبعد اجتماعه مع شي، توجه الأسد إلى بكين، رفقة وزير خارجيته فيصل المقداد ووزير الاقتصاد والتجارة الخارجية محمد سامر الخليل ومستشارته الرئاسية وسفير سوريا لدى الصين، فيما غاب عن الوفد ممثلين عن قطاع الأعمال كأولئك المعنيين بغرف التجارة السورية، بحسب هايدرمان، في إشارة إلى أن الأسد سيغادر الصين على الأرجح بحفنةٍ من الوعود لا أكثر، قائلاً: “الأسد يبحث عن الأعطيات… وأظنه سيعود إلى بلاده صفر اليدين”.

ورقة ضغط تلوح بها الصين

تعتبر زيارة الأسد بالنسبة للصين خطوة رمزية، جزءاً من رؤيتها أن تؤدي دور الزعيم الاستباقي الحازم في الشرق الأوسط، والعمل كثقل موازن لنفوذ الولايات  المتحدة الأمريكية. 

“يضيف النظام السوري ورقة إلى قائمة الأوراق التي تستطيع الصين دائماً أن تلوح بها في وجه الغرب في ألعابهم الجيوسياسية”، من وجهة نظر الخبير الاقتصادي السوري، د.كرم شعار. كما تستخدم الولايات المتحدة الوضع السياسي الإشكالي في تايوان للضغط على الصين، “يمكن للصين الضغط على الغرب من خلال قدرتها على عرقلة أي فرص للتوصل إلى تسوية سياسية في سوريا”، كما أضاف في حديثه لـ”سوريا على طول”.

يجب النظر إلى الزيارة الأخيرة “في إطار المنافسة بين الولايات المتحدة والصين”، بحسب ماركس، معتبراً أنها “بمثابة تعزيز للسمعة، وليس اجتماعاً تكتيكياً أو استراتيجياً”.

خلال العام الماضي، جسدت الصين نفسها كوسيط للسلام في المنطقة، الدور الذي سعت الولايات المتحدة إلى شغله تاريخياً. في آذار/ مارس، توسطت الصين من أجل تقارب الخصمين القديمين: السعودية وإيران. وبعد شهر، أعلنت بكين عن استعدادها لتيسير محادثات السلام بين إسرائيل وفلسطين. وقد زار الرئيس الفلسطيني محمود عباس الصين في حزيران/ يونيو الماضي.

“تريد الصين أن يُنظر إليها على أنها القائد الرئيسي، والقوة العظمى التي يناط بها مسؤولية المساعدة في حل صراعات المنطقة”، برأي ماركس.

وتأتي زيارة الأسد للصين في أعقاب الإعلان عن مشروع تدعمه الولايات المتحدة، لبناء شبكة نقل تربط الهند بالشرق الأوسط وأوروبا، عبر المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والأردن وإسرائيل، وهي خطة تشكل منافسة جديدة ومباشرة لمبادرة الحزام والطريق الصينية، كما قال الباحث السوري السويسري جوزيف ضاهر لـ”سوريا على طول”.

في عام 2022، انضمت سوريا رسمياً إلى مبادرة الحزام والطريق، بعد أن جذبتها المشاريع التي قد تساعد البلاد في إعادة إعمار بنيتها التحتية المدمرة، التي تفوق تكلفتها 250 مليار دولار، وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة. لطالما كانت مدينتا طرطوس واللاذقية الساحليتين، تحت أنظار الصين، كونهما توفران منفذاً رئيسياً إلى البحر الأبيض المتوسط وأوروبا، مما يفتح ممراً مفيداً لمبادرة الحزام والطريق. 

في عام 2018، منحت الصين 800 محولة كهرباء للاذقية، في إطار استثمارها لإعادة تأهيل المدينة الساحلية. ولكن عدا عن الاستثمارات الصغيرة نسبياً، ظلت معظم وعود الصين بمشاريع الاستثمار المتعلقة بمبادرة الحزام والطريق حبراً على ورق، كما أشار ماركس.

وهذا يشبه ما حدث لدول أخرى في بلاد الشام، مثل الأردن ولبنان، إذ “تبخر”  التمويل الموعود ذات يوم بخصوص مبادرة الحزام والطريق الصينية؛ فالصين تستثمر في اقتصادات أكثر استدامة تعود عليها بمردود اقتصادي أعلى، مثل دول الخليج، وفقاً لماركس.

من جهته، اعتبر ضاهر أن “الاستثمار في سوريا ليس أولوية بالنسبة للصين”.

شركاء على المدى الطويل

لم تبدأ العلاقات الصينية-السورية بدخول دمشق في مبادرة الحزام والطريق وإنما سبقتها بكثير، فسوريا من أوائل دول الشرق الأوسط التي اعترفت بالحزب الشيوعي الصيني في عام 1956. وبعد الحرب الباردة، اقتربت سوريا من روسيا وكوريا الشمالية والصين، حين غطت القوات العسكرية الأمريكية معظم المنطقة، وفقا لورقة بحثية صادرة عن مركز السياسات وبحوث العمليات شارك فيها د.شعار.  

غير أن علاقة سوريا مع الصين بدأت بالازدهار بعد تولي بشار الأسد السلطة في عام 2000، كما تشير الورقة البحثية. وفي عام 2004، خلال فترة أخرى من العزلة الدبلوماسية، زار الأسد بكين والتقى بنظيره جين تاو، رئيس جمهورية الصين آنذاك، وهي الزيارة الرسمية الوحيدة للرئيس السوري حتى ما قبل الزيارة الأخيرة.

وخلال الزيارة، أسس الجانبان مجلس الأعمال السوري الصيني، الذي أكد على تعزيز التعاون في مجالات العلوم والزراعة والاتصالات والبترول ومهد الطريق لتطوير العلاقات التجارية الصينية السورية.

قبل اندلاع الثورة السورية في ربيع 2011، تعاقدت شركتا الاتصالات الصينيتان العملاقتان “زد تي إي” و”هاواوي” من أجل إجراء مشاريع في سوريا، وتجاوزت مبيعات السيارات الصينية عشرة آلاف عملية بيع سنوياً. وكانت الصين أحد أكبر المستثمرين في قطاع النفط السوري، حيث استثمرت ثلاث شركات صينية مملوكة للدولة ما مجموعه ثلاثة مليارات دولار.

خلال الحرب، وقفت بكين بهدوء وراء دمشق، وضمت صوتها إلى موسكو لتشكيل “كتلة تصويت موحدة” ضمن مجلس الأمن الدولي، من أجل دعم النظام السوري في المقام الأول. ويعزى ذلك إلى تصويت مجلس الأمن الدولي الذي أجاز القيام بعمل عسكري ضد الرئيس الليبي معمر القذافي، الذي رأته كل من الصين وروسيا كسابقةٍ خطيرة يمكن استخدامها ضد أي حكومة تتعامل مع الاضطرابات الداخلية، وحرص البلدان طوال العقد التالي على ألا يحدث ذلك لنظام الأسد.

واستخدمت الصين حق النقض (الفيتو) للاعتراض على عشرة قرارات لمجلس الأمن تتعلق بسوريا، وهو “تناقض صارخ”، لأنها لم تستخدم حقها في النقض سوى على ستة قرارات بشأن مسائل أخرى على مدى أكثر من 50 عاماً مضت على عضويتها في المجلس، كما غرد الشعار مؤخراً.

أرادت بكين أيضاً التأكد من أنها تحظى بدعم النظام لمساعدتها على الاستمرار في مراقبة أفراد الأقلية التركية المسلمة الموجودة في الصين، الأويغور، الذين فرَّ بعضهم إلى سوريا خلال الحرب وحملوا السلاح ضد نظام الأسد.

في بداية الحرب، نأت العديد من الشركات الصينية عن سوريا تجنباً للمخاطرة، وما لبثت أن عادت وفود الأعمال للتوافد مرة أخرى لمعرفة الأماكن التي يمكن الاستثمار فيها عندما استعاد النظام السيطرة على بعض المناطق، بحسب ماركس.

في عام 2017 ، التزمت الشركات الصينية بعقود لإعادة الإعمار، بقيمة إجمالية قدرها 2 مليار دولار. ولكن، كما غيرها من الوعود الأخرى المتعلقة بالاستثمار الصيني، ظلت معظم هذه العقود حبراً على ورق.   “المال موجود… لكن المسألة متى سيأتي الضوء الأخضر لمنحه”، أضاف ماركس.

فرص الاستثمار المحتملة

وعلى الرغم من أن الصين لا تزال  الشريك التجاري الأكبر لسوريا، إلا أن حجم هذه التجارة ضئيل بالنسبة لبكين مقارنة بصفقاتها الضخمة مع الشركاء الإقليميين الآخرين، لا سيما المملكة العربية السعودية وإيران. 

وفي حين انخفضت واردات الصين إلى سوريا بعد الثورة، إلا أنها لم تتأثر بقدر ما تأثرت الواردات من بعض البلدان الأخرى. وازداد الطلب على منتجات بكين ذات الأسعار المعقولة مع تزايد نسبة السوريين الواقعين في براثن الفقر.

في عام 2021 ، بلغت قيمة صادرات الصين  إلى سوريا، 482 مليون دولار، وكان الأرز أكبر صادراتها. فيما صدَّرت سوريا في ذاك العام ما يعادل 1.2 مليون دولار فقط إلى الصين، وهو مبلغ ضئيل بالنسبة للقوة الاقتصادية. 

وأشار ماركس إلى أن العديد من فرص الاستثمار المحتملة للصين في سوريا حجزتها إيران وروسيا مسبقاً. ومع ذلك، في ظل وجود “فجوات وفرص لإعادة الإعمار، يمكن للشركات الصينية التحرك”، على حد قوله.

قد تتجلى الفرص في البنية التحتية، لا سيما تطوير السكك الحديدية، وبناء الطرق السريعة، وتوسيع الموانئ والمطارات السورية، فضلا عن قطاع الطاقة، بحسب شعار. 

وعلى الرغم من أن معظم موارد النفط في البلاد تخضع الآن لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي يقودها الأكراد، ما يزال هناك مشاريع كافية داخل المناطق التي يسيطر عليها النظام، التي “يعتبر الاستثمار فيها منطقياً من حيث الجدوى بالنسبة لسوريا”.

في حزيران/ يونيو، عينت شركة الصين للبترول والكيماويات (سينوبك)، التي تملكها الدولة، مديراً جديداً لفرعها في سوريا، ما أثار شائعات حول احتمالية استعداد بكين لاستئناف العمل في القطاع بعد تعليق نشاطاتها لعقدٍ من الزمن، وفقا لصحيفة العرب اليومية التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها.

ويمكن أن تكون القطاعات الواعدة الأخرى في مجال الاتصالات السلكية واللاسلكية والتصنيع على نطاق واسع، بما في ذلك صناعة السيارات، بحسب ما أشار ماركس. وقد دخلت العلامات التجارية الصينية للسيارات، مثل جيلي وشانجان، في شراكة مع شركة مللوك وشركاه لجمع نماذج للسوق المحلية السورية في معملها لتصنيع السيارات بمحافظة حمص.

بيد أن البيئة غير المستقرة في سوريا قد تعني أن على الأسد قطع طريق طويل قبل أن يتمكن من الحصول على  شيء ذي أهمية من بكين. 

“إن الصين تشعر بالقلق إزاء احتمالات عودة استثماراتها في سوريا” بحسب هايدمان. وبناءً على ذلك،”لم تظهر بكين أي مؤشر على استعدادها لتقديم التزامات كبيرة من شأنها أن تؤهلها لتصبح مشاركاً مهماً في إعادة الإعمار”.

ومن الممكن التوقيع على مزيد من اتفاقيات الاستثمار المهمة خلال مؤتمر مبادرة الحزام والطريق في الصين، الشهر المقبل، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة للمبادرة، الذي يرجح أن تشارك سوريا فيه.

غير أن شعار ما يزال غير مقتنعاً بهذا، وخلص إلى القول “أشك في أن الصين ستستثمر في مثل هذا النظام الضعيف غير الكفؤ وغير القادر على استعادة السيطرة على البلاد بأكملها، أو حتى كسب ثقة الدول المجاورة له”.

 نُشِر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين.

شارك هذا المقال