4 دقائق قراءة

ست عشرة غارة جوية إسرائيلية على مواقع المليشيات الإيرانية والقوات الحكومية بسوريا في 2020 (خريطة تفاعلية)

ثلثي الغارات الإسرائيلية التي تم شنها في سوريا هذا العام استهدفت مستودعات تحوي أسلحة إيرانية أو وصلت إليها شحنات أسلحة من إيران قبيل الغارات


18 سبتمبر 2020

عمان- عقب لحظات من سماع دوي أجهزة الإنذار التابعة للدفاعات الجوية السورية، فجر يوم 11 أيلول/سبتمبر الحالي، دمرت سلسلة من الغارات مبنيين يقعان ضمن مجمع من المنشآت الخرسانية غير محددة الهوية، جنوب مدينة حلب، شمال سوريا.

وقد استهدفت الضربات الجوية مجمع السفيرة العسكري. وهو مصنع ومستودع ذخائر، تستخدمه سوريا لإنتاج وتخزين الصواريخ الباليستية والأسلحة الكيماوية منذ العام 2001.

ومن المرجح أن الضربات الأخيرة -وهي الثانية التي تستهدف المجمع هذا العام- نفذتها إسرائيل التي انتهجت مؤخرا سياسة أكثر عدوانية تجاه سوريا “لإجبار [إيران] على الخروج من سوريا”، كما قال وزير الدفاع الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت، أواخر نيسان/ أبريل الماضي.

وعلى الرغم من تبني إسرائيل مبدأ عدم إعلان مسؤوليتها عن الغارات الجوية التي تنفذها، لحفظ ماء وجه المستهدفة مواقعهم، وثق “سوريا على طول” ما لا يقل عن 16 غارة منفصلة، يُرجح تنفيذها من قبل اسرائيل، على 23 موقعا مختلفاً في سوريا، خلال الفترة بين 1 كانون الثاني/يناير و15 أيلول/سبتمبر 2020. ولتحديد طريقة جمع البيانات، تم اعتماد تعريف الغارة الجوية على أنها عملية عسكرية تُنفذها طائرات. ومن ثم، يبقى وارداً قصف عدة أهداف بغارة جوية واحدة.

وتجب الإشارة إلى أن المُرجح أن يكون العدد الحقيقي للغارات الإسرائيلية أكثر بشكل كبير من تلك الموثقة، استناداً إلى تصريحات رئيس أركان الجيش الإسرائيلي المنتهية ولايته في كانون الثاني/ يناير 2019، غادي أيزنكوت. إذ زعم أن إسرائيل نفذت “آلاف الضربات الجوية” في سوريا خلال فترة ولايته من 2015 إلى 2019، من دون أن تتبناها. فضلاً عن أن مواقع الضربات ليست جميعها معلنة.

كذلك، تشير أرقام المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا، إلى أن عدد الضربات الجوية الإسرائيلية في العام الحالي أكثر مما تم إحصاؤه في هذا التقرير، وبحيث بلغت 30 ضربة حتى  12  أيلول/سبتمبر الحالي. لكن هناك عدة حالات، ذكرها المرصد، لا يمكن التحقق منها، أو ثبت عدم صحتها بعد تحليل صور الأقمار الصناعية لمناطق الضربات المزعومة.

ووقعت غالبية الغارات التي ذكرها “المرصد” ولم يكن ممكناً التحقق منها في محافظة دير الزور، وتحديدا قرب معبر البوكمال الحدودي مع العراق، والواقع تحت سيطرة المليشيات التي تدعمها إيران وحزب الله. وحتى إذا ما كانت تلك الضربات قد حدثت فعلياً، فإن من الممكن أن يكون مسؤولاً عنها قوات التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة أو الولايات المتحدة نفسها.

وتردد وسائل الإعلام الحكومية السورية باستمرار أن منظومات الدفاع الجوي تتصدى للغارات الإسرائيلية. وهو ما لا يعدو أن يكون، بنظر الكثيرين، أكثر من كلام أجوف. لاسيما وأنه في العامين الماضيين أخطأت أنظمة الدفاع الجوي السورية في اعتراض الصواريخ الإسرائيلية مرتين، وانتهى الحال بالصواريخ السورية في جزيرة قبرص وشمال الأردن.

غارات تستهدف أساساً مواقع الأسلحة الإيرانية

وفقاً للمعلومات التي أمكن جمعها هنا، فإن ثلثي الغارات الإسرائيلية التي تم شنها في سوريا هذا العام استهدفت مستودعات تحوي أسلحة إيرانية أو وصلت إليها شحنات أسلحة من إيران قبيل الغارات. وهو ما ينسجم والغايات المعلنة من قبل إسرائيل بشأن سوريا، لاسيما منع تموضع القوات الإيرانية أو إنشاء قواعد لها على الأراضي السورية بالقرب من الحدود الإسرائيلية، وتعطيل ما يسمى الجسر البري الذي يتم عبره نقل أسلحة إيرانية إلى حزب الله في لبنان.

ويُعرف مجمع السفيرة العسكري الذي قصفته إسرائيل للمرة الأولى في 4 أيار/مايو الماضي، ثم في 11 أيلول/سبتمبر، باحتوائه صواريخ “سكود” الباليستية، سوفيتية الصنع، لاسيما صاروخ “سكود-دي” الذي يبلغ مداه 700 كيلومتر، وبما يُمكنه من ضرب مدينة تل أبيب على ساحل المتوسط من حلب.

ويُزعم أن المجمع متورط في إنتاج الأسلحة الكيماوية التي تخشى إسرائيل وصولها إلى حزب الله. وفي هذا السياق، يبرز استهداف إسرائيل، بعد يوم واحد من الهجوم على “السفيرة”، مركز البحوث والدراسات العلمية بحلب، وهو منشأة أخرى تعرف بإنتاجها أسلحة كيماوية.

كذلك، قصفت إسرائيل محيط مطار دمشق مرتين هذا العام؛ الأولى في 13 شباط/فبراير، والثانية في 31 آب/ أغسطس. ويعتقد أن الغارتين استهدفتا منشآت لتخزين الأسلحة الإيرانية. لكن الغارة الأخيرة تحديداً ربما تنطوي على دلالة فيما يتعلق بسعي إسرائيل إلى ردع طهران عن تنفيذ تعهدها بتحديث منظومة الدفاع الجوي لدمشق.

وتركزت الغارات الجوية الإسرائيلية أيضاً في جنوب شرق دمشق، على تجمعات لحزب الله اللبناني، إضافة إلى استهداف مواقع للقوات الحكومية قرب هضبة الجولان المحتلة من إسرائيل. وجاء الهجوم في إحدى الحالات ردا على إطلاق النار عبر الحدود.

وسبق لإسرائيل أن صرحت بأنها لن تقبل بوجود المليشيات المدعومة من إيران أو حزب الله اللبناني ضمن مسافة 60 كيلومترا من حدودها. لكن منذ سيطرة دمشق على جنوب سوريا في تموز/يوليو 2018، دأبت المليشيات الإيرانية على تعزيز وجودها في تلك المنطقة. ووفقاً لدراسة للباحثة إليزابيث تشوركوف، نشرت في حزيران/يونيو 2019 ، فإن تقاعس روسيا والولايات المتحدة عن التصدي للوجود الإيراني جنوب سوريا دفع إسرائيل إلى تبني موقف أكثر عدوانية في سوريا.

نشر هذا التقرير أصلاً باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال