8 دقائق قراءة

سجناء في بيوتهم: الخوف يلازم السوريين بعد تجدد العنف ضدهم في لبنان

أثار مقتل مسؤول في حزب سياسي يميني متطرف في لبنان، الأسبوع الماضي، نسبه الجيش إلى عصابة سرقة سيارات سورية، موجة عنف وتهديدات ضد اللاجئين، ليعيد الكثير من السوريين إلى دائرة الخوف، وصلت حدّ عدم مغادرة منازلهم.


19 أبريل 2024

بيروت- في مساء 14 نيسان/ أبريل الحالي، كان عبد وجورج يراقبان غروب الشمس من شرفة منزلهما في بلدة برج حمود شرق بيروت، لليوم السابع على التوالي من دون مغادرة منزلهما، خوفاً من الخروج إلى الشارع حيث تتصاعد وتيرة العنف ضد السوريين، كما قال الشقيقان اللذان فرا من حمص إلى لبنان في عام 2015.

اندلعت شرارة العنف الأخير بعد مقتل باسكال سليمان، وهو مسؤول كبير في حزب القوات اللبنانية، حزب سياسي مسيحي يميني معارض للنظام السوري وحليفه اللبناني حزب الله. اختُطف سليمان وقُتل أثناء محاولة سرقة سيارته في السابع من نيسان/ أبريل على يد عصابة سورية، ومن ثم نقلت جثته إلى سوريا، كما جاء في  بيان الجيش اللبناني، بينما اعتبر حزب القوات اللبنانية مقتله “عملية اغتيال سياسي حتى إثبات العكس”. 

أجج مقتل سليمان رهاب الأجانب وجرائم الكراهية بحق السوريين في لبنان، البلد الذي كانت فيه المشاعر المعادية للاجئين في أوجها أصلاً. 

“كما لو أنك قيد الإقامة الجبرية. خروج السوريين من منازلهم بات مخيفاً جداً”، قال عبد، 43 عاماً، لـ”سوريا على طول”، وطلب الشقيقان التعريف باسميهما الأوليين فقط لأسباب أمنية.

عندما انتشرت معلومات عن تورط سوريين في مقتل سليمان، الأسبوع الماضي، خرج مؤيدو حزب القوات اللبنانية والأحزاب اليمينية الأخرى إلى الشوارع في جميع أنحاء لبنان، وهاجموا اللاجئين السوريين، وفقاً لمركز وصول لحقوق الإنسان، منظمة حقوقية مقرها بيروت وباريس. 

وفي الأيام التالية، تعرض عشرات السوريين للاعتداء والتهديد بالترحيل من قبل سكان لبنانيين من المناطق ذات الأغلبية المسيحية. وفي الوقت نفسه، شنت الشرطة والجيش اللبنانيان حملة على السوريين، وأغلقوا المحلات التجارية، وصادروا الدراجات النارية، وطردوا السوريين الذين لا يحملون وثائق إقامة بناءً على أوامر حكومية موجودة سابقاً. 

في 15 نيسان/ أبريل، أعلن محافظ محافظة لبنان الشمالي “حظر تجمعات النازحين السوريين”، على خطى البلديات التي فرضت أنظمة داخلية  تقيِّد حركة السوريين في أعقاب مقتل سليمان.

في مؤتمر صحفي أعقب اجتماعاً استثنائياً لمجلس الأمن المركزي في بيروت، في التاسع من نيسان/ أبريل،  قال وزير الداخلية في حكومة تصريف الأعمال اللبنانية، بسام مولوي”أكّدنا على القوات الأمنية التشدُّد في تطبيق القوانين على اللاجئين السوريين”، معتبراً أن “الوجود السوري غير مقبول ولا يتحمله لبنان، ونرى أن هناك الكثير من الجرائم يرتكبها سوريون”.

الهجمات والتهديدات 

في العاشر من نيسان/ أبريل، قرر عددٌ من الرجال اللبنانيين في برج حمود أخذ الأمور على عاتقهم الشخصي. ركبوا الدراجات النارية وأنذروا السوريين عبر مكبرات الصوت، وأعطوهم مهلة 48 ساعة لإخلاء منازلهم ومحلاتهم في الحي، وإلا سوف يواجهون عواقب عدم امتثالهم. رغم أن التهديدات لم تتجسد على أرض الواقع، إلا أن حالة خوف عامة وشديدة سادت في أوساط السوريين الموجودين في البلدة.

شاهد عبد مقاطع الفيديو المتداولة على وسائل التواصل الاجتماعي لسوريين يتعرضون للاعتداءات والإذلال علناً في الشارع، كما كان شاهداً على اعتداء “بأم عيني” على حد قوله.

في مساء الثامن من أبريل/ نيسان، أي يوم انتشار خبر مقتل سليمان، هاجم ستة شبان سورياً يمشي بمفرده بالقرب من المبنى الذي يسكنه عبد، مشيراً إلى أنهم استمروا في ضربه لمدة خمسة دقائق تقريباً.

أدان حزب القوات اللبنانية ما وصفه بـ” العنف الهمجي” ضد السوريين، وفي الوقت ذاته دعا اللاجئين السوريين إلى مغادرة البلاد. 

ويشتبه السوريون بتورط عناصر من جماعات تشبه عصابات جنود الرب في الهجمات على السوريين، وهي جماعة مسيحية متطرفة تسيّر دوريات في حي الأشرفية ذي الغالبية المسيحية، معقل حزب القوات اللبنانية.

عبد وشقيقه مسيحيان، وهذا أعطاهما شعوراً بأنهما في مأمنٍ نسبي من جيرانهم المسيحيين اللبنانيين، مقارنة بالسوريين المسلمين. ومع ذلك، عندما رأى عبد الاعتداء على سوري في الثامن من نيسان/ أبريل في شارع منزله، سارع إلى إطفاء الأضواء، خشية أن يلاحظه المعتدون أثناء مشاهدته لما يجري، ومن ثم يداهمون شقته في الطابق العلوي.

“رغم تطمينات [الجيران]، إلا أنك تبقى خائفاً”. حتى مراقبة غروب الشمس من الشرفة يشعر الشقيقان بالخوف، بحسب عبد قائلاً: “ربما لا يمكنك الخروج إلى الشرفة، لأنه إذا انزعج جارك منك، فقد يتسبب لك بمشكلة”.

ديانته المسيحية أعطت عابد وشقيقه شعوراً بأنهما في مأمن، إلى حد ما، من جيرانهم المسيحيين اللبنانيين، مقارنة ببعض أصدقائه السوريين المسلمين في بلدة برج حمود خلال موجة العنف الأخيرة ضد اللاجئين، عابد  14/ 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)  

ديانته المسيحية أعطت عبد وشقيقه شعوراً بأنهما في مأمن، إلى حد ما، من جيرانهم المسيحيين اللبنانيين، مقارنة ببعض أصدقائه السوريين المسلمين في بلدة برج حمود خلال موجة العنف الأخيرة ضد اللاجئين، 14/ 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

كبش فداء الأزمة الاقتصادية

قبل أسبوع من مقتل سليمان، كان الخطاب المعادي للسوريين متأججاً على “شكل حملات إعلامية، وتصريحات تحريضية يدلي بها السياسيون، وينعكس على شكل موجة استياء في الشارع”، بحسب ما  نشرت شبكة سينابس، منظمة بحثية مقرها لبنان على X (تويتر سابقا). 

يقيم حاليا في لبنان نحو 1.5 مليون لاجئ سوري وأكثر من أحد عشر ألف لاجئ من جنسيات أخرى. يستضيف البلد أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة للفرد و لكل كيلومتر مربع في العالم. 

منذ عام 2019، ترزح لبنان تحت أزمة اقتصادية حادة دفعت الكثير من الطبقة الوسطى إلى حافة الفقر، وأجج التفاوت الطبقي المتزايد الشعور بالنقمة والاستياء الموجه تحديداً نحو السوريين وقطاع المساعدات الذي يدعم اللاجئين، حيث صار المواطنون اللبنانيون ذوو الدخل المنخفض يزاحمون السوريين على الوظائف الشاقة التي كانوا لا يحبّذونها سابقاً. 

“إننا نشهد تحولاً محملاً بالرمزية يبتعد عن الحدود الواضحة لتقسيمات العمل”، كما جاء في تغريدة  سينابس على X الأسبوع الماضي. كان السوريون سابقاً “يشغلون فقط المناصب التي لا يريدها اللبنانيون”، بينما يُنظر الآن إلى السوريين على أنهم ينهلون من مصدرين، فهم يتعدّون على الموارد اللبنانية المتضائلة، وفي الوقت نفسه يتمتعون بالمساعدات الخارجية”.

وفي الوقت نفسه، يُحمِّل السياسيون اللبنانيون السوريين مسؤولية الأزمة الاقتصادية التي تضرب البلاد، لكن “تحويل اللاجئين السوريين إلى كبش فداء معيبٌ ويؤجج المشاعر المعادية، التي تجسدت بعمليات العنف ضد السوريين”، كما قال رمزي قيس، باحث في هيومن رايتس ووتش في لبنان، لـ”سوريا على طول”. 

وأضاف قيس: “وصلتنا عدة تقارير عن سوريين يعيشون في خوف، أو أنهم يتركون منازلهم بسبب التهديدات الموجهة ضد اللاجئين في أعقاب مقتل سليمان”.

أثناء تشييع سليمان، في 12 نيسان/ أبريل، أشار البطريرك الماروني بشاره الراعي إلى”الخطر” الذي يمثله اللاجئون السوريون في لبنان، قائلاً: “إن المجرمين لاجئون سوريون استقبلهم اللبنانيون”، نقلاً عن صحيفة “لوريان لو جور” اللبنانية الفرنسية.

وفي يوم التشييع، اعتدى مسلحون من أنصار حزب القوات اللبنانية وحزب الكتائب في الأشرفية وبرج حمود على لاجئين سوريين، ما أدى إلى نقل أحدهما إلى المستشفى، بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان.

مداهمة المنازل

في الوقت الذي تعرض بعض السوريين للاعتداءات في الشارع، كان آخرون غير آمنين داخل منازلهم. في ليلة التاسع من نيسان/ أبريل، اقتحمت مجموعة من أربعة شبان منزل حسين، البالغ من العمر 28 عاماً، في حي الجعيتاوي في الأشرفية.

لم يكن حسين في المنزل لحظة مداهمة منزله. سمع الجيران ضجيجاً مصدره شقة حسين، وعندما ذهبوا ليعرفوا السبب وجدوا المقتحمين داخله، كما قال لـ”سوريا على طول” شريطة ذكر اسمه الأول فقط.

عندما عاد إلى منزله مساءا، وجد “كل شيءٍ محطماً… كان الباب مفتوحاً، والزجاج المكسور على الأرض”، وثلاجته مرمية أرضاً، كما هربت هرّتان كان يعتني بهما عندما تمت مداهمة منزله.

يعيش حسين في حي جعيتاوي منذ فراره من سوريا في عام  2014، هو سوري “معروف” في المنطقة، ولهذا يعتقد أنَّ الرجال اقتحموا بيته. بعد الحادثة، نام الشاب ليلتين في مركز لتعليم اللغة، يدرس فيه الإنجليزية، خشية أن يتعرض لهجوم آخر.

تتركز الأحزاب السياسية المسيحية اليمينية، مثل حزب القوات اللبنانية والكتائب، في الأحياء اللبنانية ذات الغالبية المسيحية في شرق بيروت. وشهدت هذه المناطق الجزء الأكبر من الهجمات على السوريين منذ مقتل سليمان.

يفكر حسين جدياً بحزم حقائبه، ورمي الحياة التي بناها في حي الجعيتاوي على مر السنين وراء ظهره، والانتقال إلى حي الحمراء غرب بيروت.

“سيتم ترحيل معظم السوريين”

في الوقت الذي يواجه فيه السوريون العنف في الشوارع، تضاعف السلطات اللبنانية جهودها لترحيل اللاجئين. في الخامس من آذار/ مارس، أعلنت الحكومة عن “خارطة طريق لتنظيم وضع اللاجئين السوريين”، عبر تنظيم قافلة “عودة طوعية” قريباً، من ضمن تدابير أخرى تهدف إلى الحد من الوجود السوري في البلاد.  

في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، استأنفت الحكومة اللبنانية  ما أسمته خطة “العودة الطوعية”، التي تهدف إلى إعادة خمسة عشر ألف لاجئ سوري شهرياَ بذريعة أن سوريا آمنة للعودة. ومنذ ذلك الحين، شهد لبنان ارتفاعاً في أعداد اللاجئين السوريين المرحلين منه.

اقرأ أكثر: كابوس” الاعتقال والترحيل والاختفاء يلاحق مناهضي الأسد في لبنان

قال نجيب ميقاتي، رئيس وزراء لبنان في لقاء له مع البطريرك الماروني بشارة الراعي، في 13 نيسان/ أبريل أنه “سيتم ترحيل معظم السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية”، حالما يكون هناك اعتراف دولي بوجود مناطق آمنة في سوريا. يبدو أنَّ اقتراح الحكومة القبرصية لإعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم من خلال تعيين مناطق محددة داخل سوريا كمناطق آمنة يكتسب زخماً بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي.

في العام الماضي، وثق مركز وصول لحقوق الإنسان الاعتقال التعسفي لـ 1,080 سورياً وترحيل 763 آخرين. في عام 2022، تم ترحيل 154 سورياً فقط، و59 في عام 2021. كما وثق المركز كيفية تسليم الجيش اللبناني لاجئين معرضين لخطر الاضطهاد والتعذيب إلى السلطات السورية مباشرة. 

“على مدى سنوات، يتعرض السوريون في لبنان لممارسات تمييزية وانتهاكات خطيرة لحقوقهم وإجراءات قسرية تهدف إلى إجبارهم على العودة إلى سوريا، التي ما تزال غير آمنة”، بحسب قيس من “هيومن رايتس ووتش”. 

لا يملك الغالبية العظمى من السوريين في لبنان أوراق إقامة رسمية، وهذا مرده جزئياً إلى إجراءات التجديد الصارمة. كما أنّّ لبنان أمر مفوضية  الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بوقف تسجيل السوريين في عام 2015. 

وقال مسؤول في القوات اللبنانية لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته، أن “لبنان يختنق، ويجب معالجة أزمة السوريين الموجودين في لبنان بشكل مناسب”، معتبراً أن “لبنان ليس بلداً للاجئين وإنما بلد عبور”.

شدد المسؤول على ضرورة نقل اللاجئين السوريين في لبنان إلى مكان آخر، ونظراً إلى أن البلد ليس من الدول الموقعة على اتفاقية حماية اللاجئين لعام 1951، فهو “غير ملزم” بقبول المزيد من اللاجئين، بحسب المسؤول، مضيفاً “لقد رحب لبنان بملايين اللاجئين وحاول حمايتهم من الكوارث التي تحدث في سوريا، لكن لا يمكنهم البقاء هنا إلى الأبد”.

ومع أن لبنان ليس من الدول الموقعة على اتفاقية اللاجئين، إلا أنه مُلزم بالامتثال لمبدأ عدم الإعادة القسرية، بموجب القانون الدولي العرفي، الذي ينص على عدم إعادة أي شخص إلى دولة يواجه فيها خطر التعذيب أو الاضطهاد. كما تُحظر الإعادة القسرية  بموجب اتفاقية مناهضة التعذيب، التي وقع عليها لبنان. 

يخشى عابد أحياناً حتى الخروج إلى شرفته خشية حدوث مشكلة مع جيرانه في برج حمود،  14/ 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول) 

يخشى عبد أحياناً حتى الخروج إلى شرفته خشية حدوث مشكلة مع جيرانه في برج حمود،  14/ 04/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

“سجناء في البيت”

حدق عبد النظر بمدينة بيروت الشرقية من شرفته، مشيراً إلى منطقة في برج حمود، تعرف باسم النبع، حيث سمع “بجرّ مجموعة سوريين من الشوارع” وترحيلهم مساء 11 نيسان/ أبريل، ولم يتسن لـ”سوريا على طول” التحقق من الحادثة من مصدر مستقل.

من قبل موجة العنف التي أثارها مقتل سليمان، قلّل عبد وشقيقه تحركاتهما في بيروت خشية ترحيلهما، لأنه بإعادتهما إلى سوريا قد يتعرضان للاعتقال، كونهما مطلوبين للخدمة الاحتياطية. سبق أن اعتُقل شقيقه الأكبر جورج، 45 عاماً، في سوريا لمدة 15 يوماً لرفضه التجنيد. يقدم الشقيقان حالياً على تأشيرتي سفر على أمل الذهاب إلى فرنسا. 

في الوقت الحالي، يبقيهما خوف الترحيل والعنف المنتشر في الشوارع “سجناء” في البيت، قال عبد، وهو ملتفت إلى غروب الشمس. 

تم نشر هذا التقرير أصلاً في اللغة الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين

شارك هذا المقال