10 دقائق قراءة

“كابوس” الاعتقال والترحيل والاختفاء يلاحق مناهضي الأسد في لبنان

مع استمرار الترحيل الجماعي للسوريين من لبنان، يواجه العديد من الذين انخرطوا علناً في أنشطة مناهضة لنظام الأسد مخاطر مضاعفة.


9 فبراير 2024

طرابلس، بيروت- في مدينة طرابلس، شمال لبنان، يتلقى عبد الله عشرات الاتصالات تسأل عن حال قريبه ياسين العتر ومكانه، كما قال الشاب بصوت مخنوق وعينين حمراوتين كالدم، إذ بالكاد يغمض عينيه منذ 25 كانون الأول/ يناير، اليوم الذي علم سمع فيه بقرار ترحيل ياسين. 

على مدار الساعة، يحاول عبد الله (اسم مستعار) التواصل مع محامين وصحفيين ومنظمات عاملة في مجال حقوق الإنسان، للحيلولة دون ترحيل ياسين العتر إلى سوريا، لأنه “سيُقتل” هناك لا محالة. 

حالة ياسين واحدة من مئات حالات الترحيل، التي تستهدف السوريين في السنوات الآخيرة، إذ تكثف الحكومة اللبنانية مساعيها الرامية إلى دفع السوريين للخروج من البلاد طوعياً أو قسرياً. يستضيف لبنان حالياً نحو 1.5 مليون لاجئ سوري. 

في تشرين الأول/ أكتوبر 2022، استأنفت الحكومة اللبنانية ما تطلق عليه خطة “العودة الطوعية”، التي تهدف إلى إعادة 15 ألف لاجئ سوري شهرياً بذريعة أنَّ سوريا آمنة للعودة. ومن وقتها أعداد اللاجئين المرحلين إلى بلادهم في ارتفاع.

في العام الماضي، وثَّق مركز وصول لحقوق الإنسان (ACHR)، منظمة حقوقية مقرها في بيروت وباريس، اعتقال 1,080 سوري تعسفياً، وترحيل 763. وفي عام 2022، تم ترحيل 154 سورياً، و59 في عام 2021، بحسب أرقام المركز. 

“سوريا ليست آمنة للعودة”، قال لـ”سوريا على طول”، رمزي قيس، باحث في منظمة “هيومن رايتس ووتش” في لبنان. في عام 2023، تم اعتقال وتعذيب وتجنيد العديد من المُرَّحلين بمجرد عودتهم إلى سوريا، وثقتها هيومن رايتس ووتش.

في حين أنَّ جميع المُرَّحلين عرضة للمخاطر، إلا أنَّ الخطر الكبير يُحدق بأولئك الذين شاركوا علناً، مثل ياسين،  في أنشطة معارضة لنظام بشار الأسد. 

مع أن كل المرحلين قسراً عرضة للمخاطر، إلا أن الخطر الأكبر يحدق بالناشطين، أمثال ياسين العتر، 27 عاماً، الذين شاركوا علناً في أنشطة معارضة لنظام بشار الأسد.

عندما كان ياسين في عمر المراهقة، شارك في المظاهرات الشعبية الداعية للديمقراطية والمناهضة للنظام، التي خرجت في مدينة القصير بمحافظة حمص، وسط سوريا، كما شارك والده وأعمامه بنشاطات مختلفة مناهضة للنظام، ومنها تنسيق المظاهرات، والعمل مع وسائل إعلامية مختلفة لتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان ومساعدة الجرحى للحصول على المعالجة خارج سوريا. 

ردَّ النظام بوحشية على المظاهرات، فقتل مئات المتظاهرين في الأسابيع والأشهر الأولى للثورة قبل أن تتحول إلى حرب. اعتقلت قوات الأمن السورية وعذَّبت حتى الموت أحياناً أولئك الذين ساهموا بتنسيق حملات ضد النظام الحاكم. 

في عام 2011، اعتقلت قوات الأمن والد ياسين من منزله في القصير، ولم تسمع عائلته أي خبرٍ عنه منذ ذلك الحين، ولا يعلمون “إن كان حيتاً أو ميتاً”، كما قال عبد الله لـ”سوريا على طول”.

بعد عام من اعتقال أبيه، فرَّ ياسين من حمص مع والداته وأشقائه الستة إلى بلدة عرسال، و”إن عاد ياسين إلى سوريا، لن نراه ثانيةً”، قال عبد الله، مشدداً على أن “الأمر خطير جداً. سيعذبوه  ويؤذوه وقد يقتلوه”.

عبد الله (اسم مستعار)، يعرض صورة ياسين العتر، المهدد بالترحيل من لبنان، أثناء حديثه عن قريبه من مقهى في طرابلس، 31/ 01/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

عبد الله (اسم مستعار)، يعرض صورة ياسين العتر، المهدد بالترحيل من لبنان، أثناء حديثه عن قريبه من مقهى في طرابلس، 31/ 01/ 2024، (هانا ديفيس/ سوريا على طول)

قال أقارب عبد الله وجيران سابقون له في القصير أن عناصر من المخابرات السورية جاؤوا في 25 كانون الثاني/ يناير، لجمع معلومات عن نشاطات ياسين في لبنان، وهو ذات اليوم الذي صدر بحقه أمر الترحيل. كما سمع أيضاً أنَّ القوات الأمنية طالبت بعودة العائلة كلها إلى سوريا. 

احتُجِز ياسين في فرع الأمن العام بلبنان، منذ 19 كانون الأول/ ديسمبر، وكان بمقدوره التواصل مع عبد الله من حين إلى آخر. في الاتصال الآخير، أخبر ياسين عبد الله أنَّه سيبدأ إضراباً عن الطعام في التاسع من شباط/ فبراير، احتجاجاً على إعادته إلى سوريا. 

الالتفاف على قانون الترحيل

يرحل لبنان مئات السوريين قسرياً، وهناك حالات كثيرة مثل حالة ياسين، كما قال محمد صبلوح، محامي  ومدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين بطرابلس، وهو الموكل للدفاع عن ياسين أمام القضاء.

قال صبلوح من مكتبه لـ”سوريا على طول” أنه يسمع يومياً عن ترحيل عشرة سوريين تقريباً، “وأنا على يقين أن العديد من هذه الحالات لا يتم سماعها أو مراجعتها [قبل ترحيلها]”.

المحامي محمد صبلوح، مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين، في مكتبه بمدينة طرابلس شمال لبنان، 31/ 01/ 2024 (هانا ديفيس/سوريا على طول)

المحامي محمد صبلوح، مدير مركز حقوق السجين في نقابة المحامين، في مكتبه بمدينة طرابلس شمال لبنان، 31/ 01/ 2024 (هانا ديفيس/سوريا على طول)

في إحدى الحالات، أقدم الجيش اللبناني على ترحيل رأفت عبد القادر فالح،  33 عاماً، المنشق عن الجيش السوري، إلى بلاده في بداية كانون الثاني/ يناير، بحسب صبلوح، وتواصل والدا الشاب به لطلب المساعدة. يتعرض المنشقون عن الجيش السوري دائماً لخطر الاعتقال والاحتجاز والاختفاء القسري والتعذيب من قبل النظام السوري.

ينحدر رأفت من مدينة بصرى الشام في ريف درعا، أحد معاقل المعارضة سابقاً. في عام 2018، بعد أن استعادت دمشق السيطرة على المحافظة، استُدعي الشاب للتجنيد الإجباري، كما قال عمه لـ”سوريا على طول”.

سيق رأفت إلى الخدمة العسكرية، لكنه انشق، في عام 2019، بسبب الفظائع التي شهدها خلال الاقتتال العنيف بين الجيش السوري وفصائل المعارضة في ريف حلب، بحسب عمه، ومن ثم فرّ إلى لبنان رفقة زوجته وأطفاله.

في العاشر من كانون الثاني/ يناير، أوقف رأفت على حاجز المدفون، بين محافظتي جبيل والشمال اللبنانيتين، واعتقل على يد عناصر عسكرية لبنانية. في نهاية الشهر، سمع عم رأفت من قريب له في درعا أنَّ فرع الأمن العسكري (المخابرات العسكرية) كان يجمع معلومات عنه. وخلال الحديث، ذكر ضباط المخابرات للقريب أنَّه سيتم تسليم رأفت إلى السلطات السورية، على حد قوله.  

في التاسع والعاشر من كانون الثاني/ يناير، اعتقل الجيش اللبناني 15 لاجئاً سورياً على حاجز المدفون، وتم ترحيلهم إلى سوريا فوراً، عبر معبر وادي خالد الحدودي، بحسب مركز وصول لحقوق الإنسان . وأكد رجل لبناني كان يقود الميكروباص الذي نقل المعتقلين في العاشر من كانون الثاني/ يناير لصبلوح أنَّ رأفت كان من بينهم. ولم ترد أي أخبار عنه منذ ذلك الحين.

تقدَّم  صبلوح بطلب إبلاغ عن شخص مفقود وشكوى حول اعتقال رأفت من قبل الجيش اللبناني، لكن النائب العام تجاهل الشكوى وأخبره أن “مشغول”، بحسب المحامي الذي شدد على أنه “لا يحق للجيش اللبناني ترحيل الناس”، واصفاً ما يجري بـ”انتهاك القانون”.

يشكل ترحيل أي لاجئ سوري انتهاكاً لالتزامات لبنان كونه موقعاً على اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب. كما أنه يتعارض مع مبدأ عدم الإعادة القسرية في القانون الدولي، أو التزام الدولة بعدم إعادة الأشخاص قسراً إلى بلدان قد يواجهون فيها التعذيب أو الاضطهاد أو غيره من الأشكال أو الأذى الذي لا يمكن إصلاحه.

ويبدو أن عمليات الترحيل الفوري للسوريين، التي يقوم بها الجيش اللبناني، تنتهك أيضاً القانون اللبناني، الذي يقتضي أن تتم عمليات الترحيل من خلال سلطة قضائية، أو “في حالات استثنائية”، بقرار من المدير العام للأمن العام، وذلك بناءً على تقييم الظروف الفردية.

قال قيس، من “هيومن رايتس ووتش” لـ”سوريا على طول”، أنَّ حالات الترحيل الفوري، التي وثقتها المنظمة، تشمل سوريين انتهت صلاحية أوراق إقامتهم، ورُحِلوا دون قرار قضائي أو فرصة للطعن في أمر ترحيلهم.

منذ عام 2015، فرض لبنان لوائح تنظيمية للإقامة جعلت تجديد الإقامة “مهمة صعبة بطريقة لا يمكن تصورها”، وفقاً لقيس. بحسب مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فإن الغالبية العظمى، أو نحو 83 بالمئة، من اللاجئين السوريين في لبنان لا يملكون أوراق إقامة قانونية.

وكان رد القوات اللبنانية المسلحة على استفسارات “هيومن رايتس ووتش” حول مدى شرعية عمليات الترحيل المستعجَل من قبل الجيش، بأنها تنفذ قرار المجلس الأعلى للدفاع الصادر في نيسان/ أبريل 2019 القاضي بترحيل السوريين الذين دخلوا لبنان بشكل غير قانوني بعد ذلك التاريخ.

عمليات ترحيل “تعسفية”

بدأت مشكلة ياسين مع السلطات اللبنانية في عام 2017، عندما اعتقل بتهمة الإرهاب وحكم عليه بالسجن لمدة عشر سنوات، حينها في العشرين من عمره، ويعيش في عرسال، على الحدود الشمالية الشرقية للبنان مع سوريا.

كان الجيش اللبناني يداهم دورياً مخيمات اللاجئين في عرسال، واعتقل مئات السوريين أثناء بحثه عن مقاتلين ينتمون إلى مجموعات مسلحة مثل تنظيم الدولة (داعش) أو جبهة النصرة. وفي صيف عام 2014، اشتبك الجيش اللبناني وحزب الله مع مقاتلي تنظيم الدولة وجبهة النصرة في عرسال. وأسفرت الاشتباكات عن  مقتل 69 مدنياً ومقاتلاً وجندياً. 

ينفي عبد الله نفياً قاطعاً أن يكون ياسين متورط في الانخراط بأي جماعة مسلحة، قائلاً: “كان منشغلاً في الجانب الإنساني، وكان طالباً فتياً”. لم يتم اعتقال ياسين خلال إحدى المداهمات وإنما أثناء خضوعه لتشييك أمني أثناء سفره من عرسال إلى طرابلس.

اتُهِم العديد من السوريين خطأ بتهمة الإرهاب، بحسب صبلوح، لاسيما مع اختلاط المدنيين بالمقاتلين في البلدات الحدودية كمنطقة عرسال، وعدم بذل الجهد الكافي للتمييز بين الحالة والأخرى.  

بعد مرور سبع سنوات على عقوبته البالغة عشر سنوات، دفع ياسين 3,400 دولار مقابل إطلاق سراحه قبل انقضاء محكوميته، وكان ذلك في 19 كانون الثاني/ ديسمبر، ليُنقل بعدها إلى الأمن العام، حيث استلم أمر ترحيله بعد نحو شهر. 

يتعامل الأمن العام مع قضايا الترحيل “بطريقة تعسفية للغاية”، ومن دون مراجعة قضائية، بحسب صبلوح، مشيراً إلى أنه شهد حالات توقيع سوريين على قرار ترحيلهم قسراً. لم يُسمح للمحامي زيارة ياسين في الأمن العام، ولم يتسن لـ”سوريا على طول” التواصل مع ياسين بشكل مباشر. 

ولا تستطيع مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان، وهي الهيئة المسؤولة عن حماية اللاجئين ومساعدتهم والدفاع عنهم في البلد، أن تتدخل كثيراً في عمليات الترحيل. اتهم صبلوح كلاً من المفوضية و القضاة اللبنانيين، بـ”عدم التعامل بجدية مع قضايا الترحيل”.

من جهتها، قالت المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، ليزا أبو خالد، أنَّ الوكالة تتعامل مع تقارير الترحيل “بجدية كبيرة” وتدعو إلى احترام القانون الدولي وحماية اللاجئين من الإعادة القسرية، لافتة لـ”سوريا على طول” إلى أن المفوضية طرحت قضية الترحيل مع السلطات و”ستواصل طرحها”.

تنامي الخطر

في ظل التهديد المتزايد بالترحيل، أصبحت المخاطر تحدق بحياة المعارضين السوريين في لبنان، بشكل دائم، لا سيما أولئك الناشطين علناً.   

في عام 2019، أصدر المجلس الأعلى للدفاع عدة قرارات، تقضي بالترحيل الفوري للأشخاص الذين دخلوا لبنان بشكل غير نظامي، وقمع السوريين الذين يعملون من دون تصريح، ما زاد الضغط على اللاجئين السوريين في لبنان. وكانت النتيجة “مجموعة من اللوائح القسرية والممارسات المصممة خصيصاً  لضمان شعور اللاجئين في نهاية المطاف بأنه لا خيار لهم سوى العودة إلى سوريا”، بحسب تقرير صادر عن هيومن رايتس ووتش في عام 2023. 

أبو علي، كان له باع طويل في النشاط السياسي، غير أنه أوقف نشاطه كلياً، ويحاول التواري عن أنظار الحكومة اللبنانية، التي تضيق الخناق على السوريين. أثناء جلوسه في مقهى ببيروت، هذا الشهر، مرر الرجل الخمسيني يده على عنقه بحركة الذبح، قائلاً “سأُقتَل عندما أعود إلى سوريا”.

بسط أبو علي يديه ليُظهر أصابعه التي تعرضت جميعها للكسر أثناء تعذيبه في أحد السجون السورية، عام 2012، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أنه اعتقل خمس مرات بسبب نشاطه ضد نظام الأسد، مرتين قبل اندلاع ثورة آذار/ مارس 2011، وثلاث مرات بعدها.

في عام 2013، فرَّ أبو علي إلى لبنان من مدينة السلمية التابعة لمحافظة حماة. خلال سنواته الأولى في لبنان، تمكن أبو علي وأقرانه الناشطين من متابعة محادثاتهم حول الحكم المستقبلي في سوريا ومواصلة نشاطهم على وسائل التواصل الاجتماعي في بيروت، وكانوا يتمتعون بنوع من الحماية في ظل الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، الذي يترأسه وليد جنبلاط، وهو ناقد جريء للحكومة السورية، بحسب تعبيره. 

لكن منذ عام 2015 تقريباً، انقلبت موازين الأمور، وبدأت الضغوطات تنهال على السوريين في لبنان. فوجَّه علي جهوده إلى الدعم الإنساني.

كان الناشط هيثم، 28 عاماً، جالساً إلى جانب أبو علي في المقهى عندما قال لـ”سوريا على طول” أن إيجاد طريقة للتعامل مع موضوع تهديد الترحيل غيّر شكل حياته في لبنان. فهو يحاول أن يبقى قريباً من منزله، ويحرص أن لا يغامر بالذهاب إلى الأحياء الخطأ وألا يمر عبر نقاط التفتيش التابعة للجيش اللبناني، المنتشرة حول العاصمة بيروت.

في بداية الثورة السورية، عمل هيثم في دمشق مع وسائل إعلامية مناهضة للنظام، لذلك هو متيقن من أن مصيره الاعتقال حال إعادة قسراً إلى سوريا. حاول التسجيل بالمفوضية، في عام 2015، للحصول على حماية أكبر بسبب وضعه، لكن طلبه قوبل بالرفض، بحسب قوله.

يعيش هيثم الآن في حالة خوف وقلق مستمرين، قائلاً: “تخاف أن تمشي ليلاً، أن تخرج. نحن موتى [إن أمسك بنا]”.

“لبنان هو كابوس”

بالنسبة للكثير من السوريين في لبنان، أصبح الضغط لا يحتمل. قالت نعمة العلواني، 32 عاماً، التي كانت ناقدة جريئة للأسد أثناء عملها في الصحافة بمحافظة حمص، قبل أن تغادر إلى لبنان أنَّ العديد من الناشطين السوريين، غادروا لبنان مثلها. 

“اختفوا تقريباً… من الصعب جداً أن تتحدث عن الثورة السورية داخل لبنان”، قالت العلواني لـ”سوريا على طول”، من مكان إقامتها في فرنسا.

بسبب نشاطها الإعلامي، سُجنت نعمة في سوريا لمدة ثمانية أشهر، في الفترة بين تشرين الأول/ أكتوبر 2013 وحزيران/ يونيو 2014. بعد خروجها من السجن بشهر، غادرت البلاد، ومع أنها كانت تعلم أنه “من الصعب أن تكون ناشطاً في لبنان، لكن لم يكن لدينا خيار آخر”. 

وأضافت العلواني: “عندما بدأنا في سوريا لم نكن خائفين من النظام، لذلك لم نعد خائفين من أي أحد”. في طرابلس، واصلت عملها الصحفي، وكانت فاعلة على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بعد وصولها بعدة سنوات، بدأت تتلقى رسائل تهديد من عناصر حزب الله اللبناني، وهو ميليشيا حليفة لنظام الأسد.

بعد تلقي العلواني شتائم وإهانات جنسية وتهديدات بالقتل وطالت التهديدات عائلتها، شعرت بأنها مقيدة في لبنان، ما دفعها إلى إغلاق جميع حساباتها على وسائل التواصل الاجتماعي.

وأيضاً، واجهت العلواني مضايقات وتهديدات من الأمن العام اللبناني في كل مرة تذهب لتجديد إقامتها. والدتها لبنانية وهذا يمنحها إقامة سارية المفعول لمدة ثلاث سنوات، لكنها أعطيت بدلاً من ذلك إقامة لثمانية أشهر قابلة للتجديد، على حد قولها. بموجب القوانين اللبنانية، تنتقل الجنسية للأولاد من الأب، وهو قانون شائع في جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك سوريا.

في عام  2019، تلقت العلواني مساعدة من منظمة “مراسلون بلا حدود“، التي ساعدتها في الحصول على تأشيرة للسفر إلى فرنسا، البلد الذي وصلت إليه في عام 2021.

غادرت العلواني لبنان بأسرع ما يمكن، لأنه “كابوس بالنسبة لي”، كما قالت، وإذا عادت إلى سوريا فمصيرها “الموت” على حد تعبيرها “وهذا ينطبق على كل ناشط وصحفي [مناهض للأسد]”.

لاحظت العلواني أنّ العديد من زملائها الناشطين في لبنان توجهوا للتركيز على الأزمة الاقتصادية في سوريا وليس النشاط السياسي المناهض للأسد، وعزت ذلك إلى أنهم يفضلون النأي بالنفس عن المشاكل، ناهيك عن اختلاف أولويات الناس”.

“الوضع في لبنان يزداد صعوبة سنة بعد أخرى، ما يجعل تحمل الوضع أصعب على السوريين”، بحسب العلواني.

بانتظار الأخبار

عقد عبد الله، قريب ياسين، جميع آماله على الإعلام لنشر الوعي بقضية ترحيل ياسين والمساعدة في إطلاق سراحه. الاهتمام الإعلامي أحياناً هو الوسيلة الوحيدة لمنع حالات الترحيل، بحسب صبلوح، لكن مع مرور الأيام من دون سماع أخبار عن ياسين تتضاءل الآمال بإنقاذه.

في بادئ الأمر، حاول عبد الله إخفاء أخبار قرار ترحيل ياسين عن والدة الشاب، التي تعيش مع شقيقاته الأربع في طرابلس، ومتلهفة للقاء ابنها بعد إطلاق سراحه من السجن في كانون الثاني/ ديسمبر. 

ومع ذلك، تسربت إليها الأخبار: طنين إشعارات الفيسبوك ومنشورات وسائل التواصل الاجتماعي حول ياسين والخطر الوشيك الذي يواجهه، لتقف عاجزة عن فعل أي شيء سوى الصبر والترقب.

“والدته وشقيقاته جميعهن ينتظرن”، قال عبد الله. تنهدَّ متناولاً منديلاً يجفف دمعته. ليس هناك أي أخبار عن حالته حتى وقت النشر.

في اتصاله الأخير، قال ياسين لقريبه عبد الله أنه سيبدأ إضراباً عن الطعام في التاسع من شباط/ فبراير احتجاجاً على إعادته إلى سوريا. 

تم نشر هذا التقرير في الإنجليزية وترجمته إلى العربية سلام الأمين. 

شارك هذا المقال