4 دقائق قراءة

سكان درعا يتخوفون من تحول المراكز الخدمية الحكومية إلى “مفارز أمنية” 

عمان- في حادثة جديدة من شأنها تعميق الفجوة بين حكومة دمشق وأهالي محافظة درعا، جنوب سوريا، وثق ناشطون حقوقيون، في 7 أيلول/سبتمبر الحالي، اعتقال اثنين من شباب المدينة خلال تلقيهما العلاج في مستشفى درعا الوطني.


18 سبتمبر 2019

عامر الحوراني 

 

عمان- في حادثة جديدة من شأنها تعميق الفجوة بين حكومة دمشق وأهالي محافظة درعا، جنوب سوريا، وثق ناشطون حقوقيون، في 7 أيلول/سبتمبر الحالي، اعتقال اثنين من شباب المدينة خلال تلقيهما العلاج في مستشفى درعا الوطني.

اعتقال المريضين شبيب المسالمة وماهر الصياصنة لم يتم في درعا وإنما في دمشق، بعد نقلهما، بناء على كتاب طبي، من مستشفى درعا الوطني إلى مشافي العاصمة، بحسب ما ذكر لـ”سوريا على طول” مصدر ذو صلة قريبة بالمريضين المعتقلين.

بعد ضغوط من ما يعرف بـ”خلية الأزمة”، وهي مجموعة محلية شكلها وجهاء وقادة عسكريون سابقون ضمن فصائل المعارضة للتفاوض مع الحكومة ومتابعة شؤون المدنيين في محافظة درعا، “أفرج فرع الأمن السياسي في دمشق عن المسالمة، فيما بقي الصياصنة رهن الاعتقال”، بحسب ما صرّح لـ”سوريا على طول” عضو في “الخلية”، طالباً عدم الكشف عن اسمه.

شبيب المسالمة، كما أوضح المصدر القريب منه، “يعاني من إصابة حرب قديمة. وقد تم نقله إلى مستشفى [درعا الوطني] لإجراء عملية جراحية [متعلقة بتلك الإصابة]. ورغم إجراء العملية وتحسّن حالة [المسالمة]، فقد طلب الطبيب [المشرف] تحويله إلى دمشق، حيث تم اعتقاله هناك بعد مكوثه لأيام في مستشفيات العاصمة”.

أما ماهر الصياصنة، فقد أصيب بطلق ناري مجهول المصدر في 4 أيلول/سبتمبر الحالي، فتم إسعافه إلى مستشفى درعا الوطني، حيث أزيلت الرصاصة من جسده. ورغم تحسّن حالته، فقد “صدر كتاب طبي يقضي بنقله إلى مستشفى المواساة بدمشق، وجرى اعتقاله على أحد الحواجز العسكرية التابعة للقوات الحكومية على طريق دمشق-درعا”، بحسب المصدر الذي أشار إلى أن “الصياصنة أجرى تسوية لوضعه لدى مراكز التسوية في درعا، ويحمل بطاقة التسوية”.

مراكز خدميّة أم مفارز أمنيّة؟

اعتقال المسالمة والصياصنة قد يبدو حادثة غير مسبوقة من ناحية أنه تم بـ”غطاء طبي”، لاسيما مع تأكيد عضو خلية الأزمة تورط “أحد أطباء مستشفى درعا في تسليم المرضى من خلال تحويلهم إلى دمشق بالتنسيق مع الأمن السياسي ليسهل اعتقالهم هناك، وتجنب مواجهة غضب مباشر من السكان” في درعا.

وقد دفع ذلك أحد شخصيات درعا (البلد) إلى تحذير الأهالي من مراجعة مستشفى المدينة لأنه تحول “إلى مفرزة أمنية، وفخ لاعتقال المرضى”، على حد تعبيره في منشور على صفحته في موقع “فيسبوك”، قبل أن يسارع إلى حذفه.

رغم ذلك، تظل حادثة الاعتقال بـ”بغطاء طبي” جزءاً من ظاهرة أوسع تتمثل في استخدام حكومة دمشق المؤسسات الخدمية التي يراجعها المواطنون باعتبارها أماكن للتدقيق الأمني، ومن ثم الاعتقال، على نحو ما حدث في مدينة إزرع مؤخراً. 

إذ في 4 آب/أغسطس الماضي، أقدم الأمن الجنائي على اعتقال 15 مواطناً كانوا متواجدين في مركز الأحوال المدنية في إزرع، عقب تدقيق أمني على أسمائهم. وفيما تم الإفراج عن بعض هؤلاء المعتقلين، لا يزال مصير البقية غير معروف.

وإلى جانب إشارات الاستفهام التي تركتها الحادثة، حول ضلوع كوادر طبية بتسليم مطلوبين للقوات الحكومية، فإن “المراكز الخدمية [بما فيها الطبية] تعاملها سيء مع أهالي المناطق التي كانت خاضعة لسيطرة فصائل الجيش الحر بدرعا” بحسب قول عضو خلية الأزمة.

تسويات زائفة

بحسب بيانات حصلت عليها “سوريا على طول” من “مكتب التوثيق” في “تجمع أحرار حوران”، وهو هيئة محلية تقوم برصد الأحداث العسكرية والأمنية في الجنوب السوري، تم تسجيل اعتقال 20 مدنياً في محافظة درعا منذ مطلع آب/أغسطس الماضي وحتى 12 أيلول/سبتمبر الحالي، أثناء تواجدهم في مرافق خدمية حكومية.

وربما يكون “العدد الحقيقي أكبر مما تم توثيقه، كون المخاطر الأمنية وخوف المدنيين من الإدلاء بمعلومات لمراكز التوثيق يصعب من عملية الإحصاء”، كما قال عضو “مكتب التوثيق”، عقبة محمد، لـ”سوريا على طول”.

وأكد محمد بأن “عمليات الاعتقال تتم أثناء تواجد المراجعين في مراكز خدمية حكومية، لاستصدار وثائق أو إجراء معاملات قانونية”. لافتاً في الوقت ذاته إلى أن معظم من تم توثيق اعتقالهم هم “من حملة بطاقة التسوية”.

لذلك، فقد أحجم الشاب راضي العمر (20 عاماً)، من مدينة الشيخ مسكين بريف درعا، عن إصدار أوراقٍ رسمية بنفسه. كاشفاً لـ”سوريا على طول” عن أن أصدقاء له من المدينة، يحملون بطاقات تسوية، تم اقتيادهم إلى أفرع أمنية، عقب اعتقالهم أثناء تواجدهم في المجمع الحكومي بمدينة درعا لإجراء معاملات خاصة بهم.

وعدا عن خطورة مراجعة الدوائر الحكومية، فإن المعاملة قد تستغرق أياماً، إذا لم يتكئ المراجع “على واسطة، أو يدفع رشاوى للموظفين”، بحسب العمر.

ورغم التوصل إلى اتفاق تسوية في صيف 2018، يقضي بخروج رافضي التسويات والمصالحات، وتسليم سلاح الموقّعين عليها، مقابل دخول مؤسسات الحكومة السورية إلى الجنوب، وعودة الخدمات، فإن السياسة الأمنية المتبعة، والتي كانت بعكس ما اتفق عليه، “أجبرت المدنيين على التزام بيوتهم” بحسب العمر الذي لم يغادر قريته في ريف درعا الشمالي منذ أجرى تسوية. معتبراً أنها “لن تحميني من الاعتقال”.

وتفادياً للمخاطر الأمنية فقد لجأ إلى دفع “مبلغ مالي لأحد السماسرة في مركز الأحوال المدنية في درعا المدينة، قام بدوره بإصدار إخراج قيد لي”.

 

تم إنجاز هذا التقرير ضمن مشروع مؤسسة سوريا على طول “ربط المجتمعات من خلال التشارك المهني” والذي ينفذ بالشراكة مع برنامج “دايركت إيد” التابع للسفارة الأسترالية في عمان.

 

شارك هذا المقال