8 دقائق قراءة

شبهات التغيير الديموغرافي تظلل “مزة دمشق” وسط تكتم شديد على حقيقة ما يجري

يتكون حي المزة، الواقع في المنطقة الجنوبية الغربية من مدينة […]


21 يناير 2016

يتكون حي المزة، الواقع في المنطقة الجنوبية الغربية من مدينة دمشق، من أكثر من ستة أحياء. حيث تتواجد القواعد العسكرية والمنشآت التابعة للنظام السوري إلى الشمال والغرب منه، في حين يوجد مطار المزة العسكري إلى الجنوب منه.

ورغم سيطرة النظام على الحي بالكامل، إلا أن هناك تباينا في ولاء سكان الحي، حيث أن البعض منهم يوالي النظام، فيما يعد البعض الآخر منهم مواليا للثورة.

ويقطن أنصار النظام في الجزء الغربي من الحي، بينما تستقر عائلات الجنود العلويين فيما يسمى مزة 86.

ويعيش مسؤولو النظام وضباط الجيش ورجال الأمن ويعملون في الفلل والوزارات الحكومية والسفارات والمباني الشاهقة والمنشآت العسكرية المنتشرة في مزة الغربية.

وانحاز معظم سكان القسم الشرقي من المزة للمعارضة في الأيام الأولى للانتفاضة السورية، التي شهدت في وقت لاحق مواجهات بين قوات الثوار والنظام في عام 2012. وتعرف هذه المنطقة بين الدمشقيين بأنها منطقة عشوائيات وأحياء فقيرة.

ويعتبر حي المزة بساتين، الواقع شمال شرقي مطار المزة العسكري، أحد أحياء القسم الشرقي  من المزة.

وقال احد افراد مجلس التنسيق المحلي في مزة بساتين، والذي فضل عدم ذكر اسمه، لمراسل سوريا على طول معتصم جمال، أن عدد سكان الحي يقدر بـ125ألف نسمة، ويعد “نقطة دخول” إلى العاصمة من الريف الغربي.

في أيلول عام 2012، وبينما كان هناك مواجهات بين الثوار والنظام من أجل السيطرة على حي المزة، أصدرت الحكومة السورية المرسوم رقم 66، والذي يشكل إطارا لمشروع التخطيط الحضري خارج العاصمة.

ووفقا لما نشر على الموقع الرسمي لحزب البعث السوري في أيلول عام 2012، فإن الحكومة “ستعيد تطوير وتأهيل المناطق العشوائية” الواقعة جنوب شرق كفر سوسة وحي المزة (بما فيها مزة بساتين)، وكذلك الضواحي المجاورة لداريا ومناطق في حي القدم جنوبي دمشق. وجميع المناطق التي سبق ذكرها هي مناطق يسيطر عليها الثوار.

وفي حزيران عام 2015، دمرت قوات النظام عشرات المساكن وثلاثة مساجد في داريا، التي تحد مطار المزة العسكري من الجهة الشرقية والجنوب شرقية، وذلك لتحصين المنطقة ضد هجمات الثوار، وفقا لما ذكره موقع سوريا على طول.

وذكر موقع سوريا نت المعارض في 28 آب، أنه وفي وقت لاحق من ذلك الصيف، وسع عمال البناء، برفقة قوات أمن النظام، حملة الهدم والتدمير في منطقة المزة بساتين، شمال أحياء داريا المدمرة.

وذكر أحد ناشطي المجلس المحلي، أن حقيقة ما يحدث هو تظافر الجهود لإخراج موالي الثورة من المزة بساتين. وكان من المفترض أن تتقاضى الأسر التي أخرجت من منازلها رواتب شهرية أثناء مرحلة البناء، لكن في الواقع لم تحصل أي منها على أية مبلغ.

وأضاف الناشط “لا يملك السكان أية إمكانية للمقاومة أو الرفض، لأن ذلك سيقابله اعتقالات جماعية من قبل قوات النظام. وأن تتعرض للاعتقال في سوريا هو أمر بحد ذاته يعتبر نهاية للحياة”.

 ما الأسباب الحقيقية التي دفعت النظام للبدء بحملة تهديم المنازل في حي المزة بساتين، وما مدى صحة ما تتداوله أوساط إعلامية من أن الهدف هو إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة؟

تتلخص الأسباب الحقيقة لإقدام النظام على هذه الخطوة، كون حي المزة عموماً يقع جنوب غرب العاصمة، وهو بذلك يكون مدخل العاصمة من الريف الجنوبي الغربي الذي توجد به داريا وقربها المعضمية، وبعدهما قليلاً خان الشيح وهي مناطق خارجة عن سيطرة النظام.

كما تتداخل بساتين المزة مع بساتين داريا التي يعجز النظام عن دخولها منذ ثلاث سنوات، كما أن حي المزة عموماً يضم عشرات السفارات والوزارات الهامة كالعدل والخارجية ومبنى رئاسة الوزراء، وفيه يسكن الكثير من المسؤولين الكبار بالنظام وضباط الجيش والآمن، وفيه عدة أفرع للمخابرات أهمها إدارة الأمن السياسي وغيرها.

وكذلك، فإن النظام يعلم علم اليقين أن المزاج الشعبي لأهالي الحي عموماً معارض له، وهنا مربط الفرس، فأهميتها الجغرافية والعسكرية الآمنية خاصة مع وجود حاضنة شعبية مؤيدة للثورة، كل ذلك يشكل قلقاً للنظام من بساتين المزة التي خرجت فيها بالسابق عشرات المظاهرات واقتحمها الجيش ثلاث مرات، في شباط وحزيران وثم ارتكب فيها مجزرة في تموز كل ذلك سنة 2012.

يضاف إلى ذلك أن أكبر مظاهرة خرجت في دمشق خلال عمر الثورة كانت في المزة بتاريخ الثامن عشر من شباط سنة 2012. وقُدرت حينها بنحو خمسين ألف.

إذاً فالنظام يعلم أن الأهالي لن يساندوه في أي تحد كبير وخطير قد يواجه دمشق، وهو بالتالي يريد اقتلاع هؤلاء الناس وتفريقهم، وهذا باختصار. أضف إلى أن السفارة الإيرانية الحالية وواحدة أخرى أوسع يتم انشاؤها هي على بعد أمتار فقط من المنطقة التي تمردت وثارت على الأسد، والذي يريد أن يؤمن المنطقة تماماً من الجمهور المعارض له بهذا المشروع.

أما الجواب حول الشق الثاني من سؤالك، أعتقد أن كلامي يدل بوضوح تامعلى الكيفية التي ينظر فيها النظام للمنطقة، وبالتالي كيف يفكر لحل هذه المشكلة الخطيرة بالنسبة له. وللتنويه فإن الناس الذي يتم تشريدهم الآن هم من أهالي المنطقة ويملكون تلك الأراضي، على عكس سكان جبل الـ86 الذين ليسوا من أهل المنطقة، لأن تلك الأراضي هي لأهالي المزة لكن تم اغتصابها في الثمانينيات ومنحها حافظ الأسد للعلويين لكي تكون منطقة مؤيدة له، وهي الآن من أشهر عشوائيات دمشق، وتقع قرب المنطقة المنوي تهجير أهلها منها، ولكن النظام لم يُعد لها أي مخطط تنظيمي. وهذا دليل واضح أن المشروع ليس للتنظيم العمراني بقدر ما هو للتخلص من سكان المنطقة المعارضين وجلب غيرهم من المؤيدين، كذلك فإننا لاحظنا نشاطاً لتجار من الشيعة يحاولون شراء أراض في المنطقة التي سيهجر أهلها منها.

كيف تجري عملية هدم المنازل؟

تجري العملية من قبل موظفين في محافظة دمشق ترافقهم دوريات مخابرات من فرع الأمن العسكري 215، المشهور بكونه مسلخاً قُتل فيه آلاف المعتقلين، حيث يأتي العمال من المحافظة مع عشرات العناصر الأمنية المسلحة ليقوموا بقمع أي شخص يرفض عملية الهدم والتهجير.

وعد النظام أهالي المزة بتعويضهم جراء إخلاء منازلهم، ما مدى صحة هذا الكلام؟ و هل وفى بوعوده للناس؟

كانت الوعود التي جاءت هي أن يتم منح كل أسرة تملك منزلاً مبلغا وقدره ثلاثون ألف ليرة سورية شهريا ً(تقريبا مئة وخمسون دولار) ليقوموا باستئجار منزل في مكان آخر ريثما يتم إعمار المنطقة بعد خمس سنوات، وعندها يعود الناس للمنازل الجديدة، مع العلم أن هذا المبلغ قد لا يكفي لاستئجار غرفة في دمشق في ظل ارتفاع أسعار الإيجارات وندرة المنازل الفارغة جراء لجوء معظم الأهالي من المناطق الساخنة الى دمشق، لكن ذلك لم يتم حتى الآن، ولا نتوقع أن يتم، فالنظام يكذب كما تعرف حتى في النشرة الجوية، لكنه يريد تخدير الناس بأن حقهم محفوظ.

ومن المعلوم أن من يسعى لتشريدك من أجل موقفك السياسي، فإنه لن يمنحك مقابلاً لذلك، وهو بالأساس يريد عقابك لا رفع شأنك، وحتى الآن لم تقبض أي أسرة تم تشريدها ليرة سورية واحدة، كما جاءت وعود من النظام بتأمين سكن بديل يخرج إليه الأهالي عند إخلاء منازلهم وهاهو قد بدأ بهدم عدد من المنازل دون أي تعويض أو تأمين سكن بديل.

ما هو الوضع النفسي والمادي للناس الذين تهدمت بيوتهم؟ إلى أين لجؤوا وكيف يتدبرون أمرهم؟

بالتأكيد الكل يشعر بإحباط شديد أساسا جراء الحرب وغلاء الأسعار وكثرة الحواجز وابتزازها للناس، زاد ذلك التهجير الآن في ظل عدم وجود مساكن يمكن استئجارها في ظل ازمة السكن الحادة بدمشق، كون المدينة تشهد اختناقاً ضخماً جراء تدفق النازحين إليها من مناطق المعارك. لذلك كل الناس تشعر بقلق وتوتر شديد جداً فهم لا يعرفون الى أين سيذهبون خاصة أن الحرب في كل مكان كما تعرف، وقد أصيب بعض الأشخاص بأزمات قلبية.

أما الوضع المادي للسكان، فهم في أغلبهم من ذوي الدخل المتوسط، فهم ليسوا فقراء محتاجين أبدا، ولا أغنياء لدرجة الارتياح المادي الكبير. وهناك مشكلة هامة هو أن أغلب المهددين بالتهجير يعملون ويسكنون بذات المنطقة ما يعني انهم سيفقدون منازلهم وموارد رزقهم ومستقبلهم ومستقبل أبنائهم.

ألم يتدخل أحد الوسطاء، كوجهاء الحي، لإيقاف عمليات الهدم؟ وهل هناك محاولات قام بها سكان الحي للبقاء؟

تدخل بعض وجهاء الحي من الذين ليس لهم موقف سياسي واضح، أي مرضي عنهم تقريباً من الجميع، لكن بائت كل محاولاتهم بالفشل وطلبوا مقابلة بشار الأسد لكنه رفض. أما السكان فلا حول لهم ولا قوة ليقوموا بأي جهد جماعي، لأن أي محاولة لتنظيم عمل جماعي ستواجه باعتقال كل من يعمل بها، وأنت تعلم أن من يعتقل في سورية تنتهي حياته تقريباً، فمن سيجرؤ على تنفيذ حملة علنية لمعارضة المشروع سيقتل بكل تأكيد.

وهنا ننوه إلى أن بعض الشخصيات التي اعترضت على مواقع التواصل الاجتماعي بأسمائها الحقيقية وصلتها تهديدات بالقتل عن طريق الهاتف من قبل مجهولين غالباً هم من الأمن.

ما هو عدد سكان الحي بالضبط على علمكم؟ هل هناك نية لدى النظام أن يقوم بهدم الحي بأكمله؟

لا يوجد إحصائية من جهة رسمية موثوق بها، لكننا قمنا بعمل مسح تقريبي بجهود فردية ونقدر العدد بما لا يقل عن مئة وخمسة وعشرين ألف إنسان. وجميع المنطقة ستتعرض للهدم بحسب ما أعلن النظام بوضوح، لكن ربما ليست دفعة واحدة، فالنظام عادة يمرر مشاريعه الخبيثة بنفس طويل وأعصاب باردة يمتص من خلالها غضب السكان.

في سياق التغيير الديموغرافي لمنطقتكم، ما هي آراء السكان في هذا التغيير وهل يرون أن النظام يتبع سياسة الطائفية في التهجير؟

الغالبية العظمى من السكان مقتنعة تماماً بأنها سياسة حقيرة لتهجيرهم من مناطقهم الأصلية وتشتيتهم، وجلب آخرين من طوائف وملل أخرى مكانهم. وطبعا لا أخفيك بوجود بعض الأصوات التي لا ترى ذلك وتنظر للموضوع بأنه تنظيم حضاري، نحن كنشطاء في المنطقة، وأغلبنا أكاديميين، لا نرفض مشروع التنظيم، لكن توقيته مريب للغاية. وسردت لك بالسابق كيف ينظر النظام للموضوع، والنظام آخر ما يهمه التنظيم الحضاري، فهو نظام قمعي أمني عسكري آخر ما يفكر به الحضارة، فالمنطقة التي ينوي تنظيمها عمرها على هذا الحال أكثر من خمسين سنة لم يكن فيها حرب، فهل يعقل أن يأتي النظام في أوج المحنة والحرب يريد التنظيم، بالتأكيد هذا لا يدخل بعقل عاقل.

كانت حجة النظام في هدم المنازل أن منطقة المزة بساتين غير منظمة لذا تحتاج لتنظيم، لكن منطقة المزة 86 ذات الأغلبية العلوية أيضا منطقة غير منظمة، برأيكم لماذا النظام يريد تنظيم منطقة البساتين، ولم يذكر نهائيا منطقة الـ86؟

أجبت على هذا السؤال في سياق ردي على سؤالكم الأول، وللتأكيد فإن سكان المزة 86 معظمهم موظفون في المخابرات والجيش وميليشيات الدفاع الوطني وعصابات اللجان الشعبية التي تخطف وتقتل وتسرق دون أي رادع، لكن النظام يتركها كفرقة قمع إضافية للمعارضين له. هناك بعض الملاحظات السريعة التي أريدك أن تعرفها:

أولا: قَتَلَ النظام الكثير من أبناء الحي خلال عشرات التظاهرات السلمية التي خرجوا بها في سنتي 2011 و2012.

ثانيا: هناك المئات من أبناء الحي مختفون قسرياً في معتقلات الأسد منذ ثلاث سنوات وما بعد ذلك، وثق منهم ما يقارب الـ150 شخصا استشهدوا تحت التعذيب.

ثالثا: ارتكب النظام مجزرة مروعة في الحي، وذلك يوم الثاني والعشرين من تموز سنة 2012 وراح ضحيتها 25 شاباً أعدموا ميدانيا،ً وهم عزل أثناء اقتحام الجيش لمنازل المدنيين العزل، واعتقلت المخابرات في نفس اليوم مئات الشباب، بعضهم لا نعلم عنه شيئا حتى الآن.

رابعا: بساتين المزة التي شهدت كل هذه الأحداث محاصرة بـ13 حاجزاـ منذ اكثر من 3 سنوات، وتعتبر سجناً بكل معنى الكلمة.

خامسا: أهالي المزة عموماً خسروا بالسابق أكثر من 80% من أراضيهم منذ سبعينات وثمانينات القرن الماضي باستملاكات ظالمة، وتبقى لهم فقط هذه المنطقة التي هي ملكهم واسمها بساتين المزة وليس بساتين الرازي، بالإضافة للمزة القديمة الواقعة بين أوتستراد المزة وشارع الشيخ سعد.

سادسا: المنطقة بالإضافة لآلاف المنازل تحوي عدة مدارس وعشرات المصانع والمعامل والمحال التجارية والورشات الحرفية.

سابعا: النظام اصدر في أيلول سنة 2012 المرسوم 66 القاضي بهدم المنطقة وتهجير أهلها بحجة إعادة تأهليها خلال خمس سنوات، لكن التنظيم عموماً يقضم 40% من الأراضي فيما سماه أملاك عامة أي حدائق ومدارس وغيرها، ودور عبادة ومنها كنيسة، علما أن المزة كل سكانها 100% من المسلمين السنة.

شارك هذا المقال