4 دقائق قراءة

شرق الفرات: لا بديل عن “قسد” المتهمة باغتيالات وجهاء عشائر

"على الرغم من الخلاف الشديد مع "قسد" بسبب ممارساتها، فليس ثمة بديل حالي لها، مع محاولة النظام الدخول إلى المنطقة.


9 أغسطس 2020

عمّان – مثل التصاعد الأخير في الاغتيالات التي استهدفت شخصيات عربية عشائرية شرق سوريا، ذروة الانفلات الأمني الذي تعرفه تلك المنطقة الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها قيادات ومقاتلين أكراد، منذ الإعلان عن تطهيرها من “تنظيم الدولة” (داعش) في آذار/مارس 2019. 

فعقب اغتيال سليمان الكسار، الناطق الرسمي باسم عشيرة العقيدات، في 30 تموز/يوليو الماضي، وقع اغتيال علي سلمان الويس، أحد وجهاء عشيرة البقارة، في 1 آب/أغسطس الحالي. تلا ذلك بيومين استهداف مجهولين سيارة تقل وجهاء من عشيرة العقيدات أيضاً، والتي تعد إحدى أبرز العشائر العربية في محافظة دير الزور، ما أدى مقتل الشيخ مطشر الحمود، وإصابة الشيخ إبراهيم خليل الهفل.

على إثر ذلك، خرجت تظاهرات في عدة بلدات بريف دير الزور الشرقي، في 4 آب/أغسطس، حمّلت “قسد” مسؤولية ما يجري، باعتبارها المسؤولة على أمن المنطقة، ولترد الأخيرة بفض تظاهرة بلدة الشحيل بالقوة، ما أدى إلى إصابة خمسة مدنيين. كما فرضت “قسد” في اليوم التالي حظراً للتجول في البلدة (كما بلدة الحوايج). 

وبرر القيادي في مجلس دير الزور العسكري التابع لـ”قسد”، محمد السراح، استخدام العنف ضد تظاهرة الشحيل بأنها “خرجت عن السياق السلمي، وتحولت إلى تظاهرة مسلحة فجأة”، أدت إلى “مقتل أربعة وجرح 10 من قواتنا العسكرية”، كما قال لـ”سوريا على طول”. مضيفاً أن ذلك جاء نتيجة “هجوم من قبل مجهولين ملثمين بأسلحة رشاشات متوسطة وسلاح قناص على نقاط مجلس ديرالزور العسكري، طلبوا من القوات مغادرة النقاط”. وكانت وسائل إعلامية سورية معارضة ذكرت بأن متظاهرين سيطروا على مقار عسكرية تابعة لـ”قسد”. كما تعرض مقر عسكري لـ”قسد”، في بلدة ذيبان في ريف دير الزور الشرقي، لقصف بقذيفة هاون، بعد يوم من مقتل قيادي في “قسد” في البلدة ذاتها.

احتواء أم مزيد تصعيد؟

خلافاً لما ذكرته وسائل إعلام، نفى الناشط الإعلامي جاسم، المقيم في بلدة الشحيل، إصدار عشيرته العقيدات بياناً تمهل فيه “قسد” مدة شهر لتسليم قاتل الشيخ مطشر الحمود، أو مغادرة المنطقة. فيما كشف السراج عن أن الاجتماع بين ممثلين عن عشيرة العقيدات و”قسد” والتحالف الدولي في حقل العمر النفطي الذي يضم أحد المعسكرات الأميركية في المنطقة قد تمخض عن “الاتفاق على ضبط النفس وعدم العبث بأمن واستقرار المنطقة”. مضيفاً أن “قسد والتحالف قدما وعوداً بتقديم الأدلة وقتلة الشيخ مطشر، ولكن لم يتم تحديد المدة الزمنية”. 

وقد حاولت “سوريا على طول” الحصول على تعليق من الشيخ جميل رشيد الهفل، أحد مشايخ العقيدات الذين حضروا الاجتماع السابق، لكنه اعتذر عن التصريح.

بالتزامن، أطلقت “قسد” في 4 آب/أغسطس حملة “أمنية تستهدف خلايا داعش وكذلك خلايا تلك الجهات التي تحاول الاستفادة من هذه الأوضاع بغية القضاء على بؤرة الفتنة ولا سيما في بلدتي الشحيل والحوايج”، معتبرة أن البلدتين تعدان “معقلا لخلايا تنظيم داعش”، وبحيث تم اقتحامهما -إضافة إلى بلدة الجديد- من قبل “قسد” منتصف ليل 8 آب/أغسطس، بدعم من طيران التحالف الدولي.

وفيما امتنع السراج عن تحديد عدد المعتقلين نتيجة الحملة، قدر جاسم العدد بما “يزيد عن 24 معتقلاً منذ نهاية الشهر الماضي”. فيما “تم اعتقال 13 مدنياً خلال الثماني والأربعين ساعة الماضية [يومي الجمعة والسبت]”. واعتبر جاسم أن “قسد” تتذرع بمحاربة داعش لاعتقال مدنيين”، مستدلاً على ذلك بحادثة “اعتقال عضو بالمجلس المدني التابع لـ”قسد” بتهمة انتمائه لـ”داعش”، لكن أطلق سراحه في اليوم التالي”.

المستفيد: “قسد” أم النظام؟

وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، فإنه منذ ومنذ إعلان “قسد” هزيمتها “داعش” في آذار/مارس 2019 وحتى 6 آب/أغسطس الحالي، قتل 556 شخصاً على يد “خلايا مسلحة” في المناطق التي كانت تحت سيطرة التنظيم سابقاً. وقد أدى هذا الفلتان الأمني إلى نزاعات عشائرية في المنطقة، كما تجلى ذلك، مثلاً، في اقتتال بريف دير الزور الشرقي، في 4 آب/أغسطس الحالي، أودى بحياة شخصين وإصابة 11 آخرين، حول أمور مادية، بحسب الإعلام المحلي. لكن مصادر عدة أكدت لـ”سوريا على طول” وجود خلافات سابقة بين العشيرتين، بحيث لم يكن النزاع الأول بينهما، على خلفية ثارات قديمة.

ورأى جاسم أن “قسد” لها “مصلحة في تأجيج الخلافات بين العشائر لأجل بقائها في المنطقة”، متسائلاً عن “عدم تبني أي جهة إلى الآن مقتل الشيخ مطشر في الوقت الذي تبنى فيه “داعش” مقتل الشيوخ والوجهاء السابقين”. 

على الرغم من ذلك، أقر جاسم بأن “النظام وداعش والإيرانيين يتربصون بالمنطقة وسيحاولون بكل الطرق زرع الفتنة وإثارة البلبلة”، كاشفاً عن “عروض سابقة قدمت من الإيرانيين والنظام من خلال تقديم الأموال حتى نحارب قسد”. وهو ما يتفق ما شدد عليه السراج.

إذ فيما نفى “تورط “قسد” في عمليات الاغتيال” بحكم “العلاقة القوية التي تجمع بين “قسد والوجهاء”، اعتبر السراج أن “المستفيد مما يحدث هو النظام السوري والميليشيات الإيرانية التي تحاول كسب ولاءات العشائر لدخول المنطقة”. كما أن ثمة مصلحة لـ”داعش” أيضاً مما يجري، موضحاً أن التنظيم “أرسل مندوبين عنه إلى أبناء الشيخ ليخبرهم بإخلاء مسؤوليته من مقتل الشيخ مطشر، بهدف اثارة الفتن والشغب ودفع المنطقة إلى الهاوية”، وأن التنظيم يقوم بذلك “بالتعاون مع النظامين السوري والإيراني”، بحسب السراج.

في هذا السياق، وفي مقابل قيام عشائر بإصدار بيانات عقب اغتيال الشيخ مطشر الحمود، تعلن فيها الوقوف مع عشيرة العقيدات في مواجهة “قسد” والمطالبة بطرد الأخيرة من المنطقة، أبرزت وسائل إعلام تابعة لـ”قسد” بيانات عشائر موالية لها، مع الحديث أيضاً عن تشكيل النظام خلايا في المنطقة هدفها إثارة الفتنة، وتكليف الأمن السياسي باغتيال وجهاء عشائر في ريف دير الزور ومحافظة الحسكة.

بالنتيجة، فإنه “على الرغم من الخلاف الشديد مع “قسد” بسبب ممارساتها، فليس ثمة بديل حالي لها”، برأي جاسم، مع محاولة النظام الدخول إلى المنطقة.

وهو ما أيده الناشط الإعلامي عمر (اسم مستعار)، أحد أبناء عشيرة الشعيطات. إذ إن “عشيرة الشعيطات تنأى بنفسها عن الخلافات الجارية”، كما قال لـ”سوريا على طول”، كون “البديل حالياً هو النظام المجرم وأعوانه”، وعليه فإن “جميع العشائر في حيرة، ما يفسر عدم تصعيد العقيدات الذين سيخوضون مفاوضات للوصول إلى تفاهمات معينة لسد الطريق أمام النظام والإيرانيين”. مضيفاً أن”تصرفات “قسد” وسوء تدبيرها الإداري والاقتصادي والأمني يعقد الوصول إلى تفاهمات، [وليكون] الحل حالياً عند الأميركيين”.

شارك هذا المقال