4 دقائق قراءة

على أنقاض “أحرار الشام”: “تحرير الشام” ترعى توحيد فصائل شمال غرب سوريا

وسيلة جديدة تستخدمها "تحرير الشام" للهيمنة على ما تبقى من فصائل المعارضة، كما التستر خلفها لتفادي الضربات الجوية التي تستهدفها، وصولاً إلى التماشي مع المطالبات الدولية والإقليمية بحل "الهيئة"


3 نوفمبر 2020

عمّان – في آخر تجليات الصراع الذي تقوده هيئة تحرير الشام ضد فصائل المعارضة شمال غرب سوريا، حاصرت اليوم قوات تابعة لـ”الهيئة” مقر عمليات حركة أحرار الشام في جبل الزاوية بريف إدلب، شمال غرب سوريا، في محاولة للضغط على قيادة “الحركة” وعناصرها للتسليم بـ”مبايعة” حسن صوفان الذي يحاول العودة إلى قيادة “أحرار الشام” مرة أخرى.

إذ منذ قرابة أسبوعين، تشهد “أحرار الشام”، أحد أكبر فصائل المعارضة شمال غرب سوريا، تصدعات داخلية ومحاولات انقلاب على قائدها العام جابر علي باشا، يقودها القائد العام السابق للحركة حسن صوفان، والقائد العسكري الحالي فيها عناد درويش (أبو المنذر).

ويأتي ذلك بالتزامن مع سعي “تحرير الشام” إلى الهيمنة على ما تبقى من فصائل للمعارضة في شمال غرب سوريا، وكذلك التستر بثوب جديد يحمل مسمى “المجلس العسكري” الذي يفترض تشكله من “الهيئة” وما تبقى من فصائل المعارضة في المنطقة.

غرفة عمليات متطورة

منذ أسابيع، تقود هيئة تحرير الشام مشاورات ومساع لأجل تشكيل “المجلس العسكري” الذي يفترض أن يجمعها مع فصائل المعارضة المتبقية ضمن “غرفة عمليات واحدة” قد تصبح لاحقاً جسماً عسكرياً موحداً،  وقد جاءت فكرة المجلس، كما قال رئيس المكتب السياسي في الجبهة الوطنية للتحرير، مروان نحاس، لـ”سوريا على طول”، من “توقعنا حدوث معارك مستقبلية [حملات عسكرية من القوات الحكومية السورية باتجاه مناطق المعارضة]، فكان الهدف بعد عدة اجتماعات أن نعيد الهيكلية العسكرية على الجبهات”. موضحاً أن سيتم، تبعاً لذلك، “تشكيل كتل عسكرية، تضم كل كتلة منها خمس نقاط رباط، يقودها فصيل معين”.

وبذلك، يعد “المجلس العسكري”، كما أضاف نحاس، إعادة هيكلة لغرفة “الفتح المبين” التي تضم هيئة تحرير الشام، والجبهة الوطنية للتحرير، وجيش العزة، بحيث يغدو المجلس “غرفة عمليات عالية التنسيق”.

لكن “المجلس العسكري” قد يبدو، برغم ذلك، وسيلة جديدة تستخدمها “تحرير الشام” للهيمنة على ما تبقى من فصائل المعارضة، كما التستر خلفها لتفادي الضربات الجوية التي تستهدفها، وصولاً إلى التماشي مع المطالبات الدولية والإقليمية بحل “الهيئة”. وهو ما يفسر حاجة الأخيرة إلى وجود تيارات تؤيد مشاريعها وآمالها ضمن الفصائل الأخرى الشريكة في المجلس العسكري المتوقع، من قبيل تيار حسن صوفان.

هيكلة “أحرار الشام”

في 20 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بدأت تطفو إلى السطح ملامح خلاف عميق داخل صفوف حركة أحرار الشام، مع إعلان القائد العسكري في “الحركة” عناد درويش (أبو المنذر) في بيان وقع عليه أيضاً العديد من القادة والمسؤولين العسكريين في “أحرار الشام”، ضرورة استبدال القائد الحالي للحركة جابر علي باشا بسلفه حسن صوفان.

رداً على ذلك، سارع باشا إلى إقالة أبو المنذر ونائبه وقادة الألوية الستة في الحركة. وهو ما دفع فريق “الانقلاب”، وفقاً للباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا، عبد الوهاب عاصي. إلى الاستعانة بهيئة تحرير الشام “من أجل فرض أمر واقع ميدانياً، عبر السيطرة على ثلاث مراكز قيادة للحركة”. 

كذلك، الفريق ذاته، كما أضاف عاصي لـ”سوريا على طول”، سعى إلى “محاولة الاستفادة من التواصل مع تركيا من أجل تشويه صورة قيادة أحرار الشام؛ من ناحية الزعم أن استمرارها سيؤدي إلى تعطيل مساعي أنقرة في توحيد القرار العسكري لمواجهة أي حملة محتملة شمال غرب البلاد”.

مع ذلك، فإن محاولات الانقلاب باءت بالفشل إلى الآن، وهو ما يؤيده الباحث عاصي، معللاً ذلك بـ”تجديد معظم القادة الميدانيين في الحركة الولاء لجابر علي باشا”، إضافة إلى “عدم قيام تركيا بأي دور حاسم لصالح أحد الطرفين، وكذلك الدعوة لحلول تنهي الخلاف وتحافظ على استقرار [حركة الشام] ووجودها”.

الجولاني في انقلاب “الحركة”

في أيار/مايو 2019، تولى جابر علي باشا قيادة “أحرار الشام” عقب إعلان صوفان استقالته لأسباب خاصة، بحسب ما أعلن حينها.

لكن قيادياً سابقاً في الحركة تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته، أكد أن “صوفان أُجبر على الاستقالة من قبل مجلس قيادة الحركة حينها، نتيجة فشله في قيادة الحركة”. مشيراً إلى وجود “تقاطع مصالح بين الجولاني وصوفان، التقت في المجلس العسكري الجديد الذي يجري التحضير له، وترفضه قيادة [أحرار الشام]”.

ومما يعزز هكذا اتهام تكليف ثلاثة أشخاص مهمة تشكيل المجلس العسكري، هم “أبو المنذر”، رأس الحربة في الانقلاب في “أحرار الشام”، وأبو الحسن 600، القيادي في هيئة تحرير الشام، والقيادي محمد حوران، ممثلاً عن فيلق الشام.

في هذا السياق، رأى الباحث عاصي أيضاً أن رغبة صوفان بالسيطرة على قيادة “أحرار الشام” تعود إلى “تفاهم ثنائي مع أبو محمد الجولاني، ينص على تقاسم السيطرة على قرار إدلب عسكرياً وسياسياً”، بحيث “تغدو تحرير الشام صاحبة النفوذ الأكبر في المجلس العسكري الذي يجري تشكيله في شمال غرب سوريا”، بينما يتولى صوفان رئاسة “هيئة سياسية” معنية بـ”تمثيل المنطقة، وتكون مخولة بإعادة تشكيل حكومة جديدة والتواصل مع المجتمع الدولي”.

لكن فرصة صوفان، كما أشار عاصي، “لا تبدو كبيرة في حال اللجوء إلى التحاكم بوساطة ورقابة طرف ثالث محلي”، ما يعني أنه “قد يستمر في سياسة فرض الأمر الواقع”. وهو ما يدلل عليه تنصيب صوفان نفسه قائداً عاماً لـ”الحركة”، يوم الأحد الماضي.

مقابل ذلك، قد تلجأ قيادة “أحرار الشام” الحالية، بحسب عاصي، إلى “تقديم تنازلات وضمانات لتعزيز الثقة والولاء بها على المستوى المحلي والإقليمي، إضافة إلى المبادرة لاتخاذ خطوات أكثر حسماً، أي بما يساهم في منع مساعي الانقلاب والحفاظ على مكانتها”.

وظل قائماً احتمال أن “يصل طرفا الخلاف لحلول غير مرضية لكليهما، من قبيل فرض المحاصصة أو فرض الانقسام أو التراجع”، برأي عاصي.

من هو حسن صوفان؟

ولد حسن صوفان العام 1979، في مدينة اللاذقية. وقد درس الاقتصاد في جامعة تشرين في مسقط رأسه، ثم أكمل دراسة العلوم الشرعية في جامعة الملك عبد العزيز في السعودية.

وقد اعتقل عدة مرات من قبل النظام السوري، كان آخرها في العام 2004، خلال حملة شنتها أجهزة دمشق الأمنية ضد المعارضين السياسيين، وليقضي صوفان 12 عاماً في سجن صيدنايا، حيث تولى إلى جانب سجناء آخرين، في العام 2008، مهمة التفاوض مع حكومة دمشق حينما اندلعت أحداث استعصاء سجن صيدنايا.

عقب خروجه من السجن بصفقة تبادل أسرى بين “أحرار الشام” ودمشق في كانون الأول/ديسمبر 2016، شغل صوفان منصب رئيس مجلس شورى “الحركة”، ثم عين في آب/أغسطس 2017، قائداً عاماً جديداً لها،

مع توليه القيادة، قال صوفان في تسجيل مصور له، إنه لن يسمح بتكرار حالة الضعف التي مرت بها “الحركة” بعد مقتل قادة الصف الأول فيها بعملية غامضة في أيلول/سبتمبر 2014. مضيفاً أن “الحركة منفتحة على مشروع وطني جامع، يجمع المكونات السياسية والعسكرية والمدنية”، وواعداً بما وصفه “نهضة جديدة للحركة”.

وفيما ظن أن صفحة صوفان طويت بإعلانه الاستقالة من قيادة “أحرار الشام” في 21 أيار/مايو 2019، فإنه يعود اليوم مثيراً الكثير من الشقاق داخل حركته على الأقل.

شارك هذا المقال