5 دقائق قراءة

فصل موظفي القطاع العام السوري آخر القرارات المبذولة من أجل التجنيد الإجباري

كان أنس المحمد يعيش حياة طبيعية إلى أن تغير كل […]


12 ديسمبر 2017

كان أنس المحمد يعيش حياة طبيعية إلى أن تغير كل شيء الشهر الماضي، وكان المحمد البالغ من العمر 38 عاماً يقضي أيامه في تدريس طلاب ثانوية الصناعة في العاصمة دمشق ويعود إلى زوجته وطفليه في نهاية اليوم.

وفي أحد الأيام في أواخر تشرين الثاني تغير كل شيء، حيث خسر المحمد وظيفته كمدرس تجنباً لسوقه إلى الخدمة العسكرية الاحتياطية، ويختبئ اليوم في منزله دون الخروج منه خوفاً من اعتقاله عند أحد حواجز التفتيش المنتشرة في جميع أنحاء دمشق.

وكان المحمد قد أنهى الخدمة الإلزامية المطلوبة من كل شاب في سوريا عام 2008 وبعدها وجد عملاً، ولكن بعد اندلاع الحرب السورية تم استدعاء الشباب ممن هم في نفس فئته العمرية والذين أنهوا الخدمة الإلزامية إلى الخدمة الإحتياطية، لذلك بدأ المحمد منذ عام 2015 بدفع رشوة لأحد الموظفين في شعبة التجنيد في دمشق لإبقاء اسمه خارج قوائم المطلوبين للخدمة.

وفي أواخر تشرين الثاني، ذهب المحمد للعمل واستلم استدعاء للذهاب إلى مديرية التربية التعليم في دمشق، وهي الهيئة الإدارية لمعلمي المدارس العامة في المحافظة، وقالوا له أنه تم فصله من العمل ” لأنني تهربت من الالتحاق بخدمة الاحتياط وتخلفت عن أداء واجبي تجاه وطني وهو في حاجة إلي” بحسب قوله، وطلب المحمد عدم الكشف عن اسمه الحقيقي.

ويعتقد المحمد أنه لم يتم استدعاءه للاحتياط قبل الشهر الماضي، بسبب الرشاوي التي دفعها لموظف شعبة التجنيد، ولكن في الأيام التي أعقبت قرار رئيس الوزراء أصبح من الخطورة على موظف شعبة التجنيد الاستمرار بإزالة اسمه من قوائم المطلوبين للخدمة الاحتياطية، حسب اعتقاده.

جنود سوريين شرق دمشق، تشرين الثاني 2016، الصورة من Stringer/AFP.

وقال المحمد إن أربعة مدرسين آخرين خسروا وظائفهم في نفس اليوم الذي تم فصله، والآن يختبئ في منزله تجنباً للاعتقال على حواجز التفتيش والنظر بوضعه المقبل.

والقرار الصادر في تشرين الثاني يعتبر الأحدث من بين سلسلة الجهود التي تبذلها الحكومة السورية لاقتياد جميع الشبان الذين هم في سن الجيش للالتحاق بالجيش المسلح، حيث صدر هذا المرسوم، الذي ينطبق على موظفي القطاع العام في جميع أنحاء سوريا، لأول مرة في تشرين الأول 2016، لكن لم ينفذ على نطاق واسع في ذلك الوقت، ونتيجة لذلك أعاد خميس إصدار الأوامر الشهر الماضي.

وان النتائج المترتبة على القيام بفصل العاملين في القطاع العام المطلوبين للخدمة العسكرية ليست واضحة بشكل كامل إلى الآن، كما تحدثت سوريا على طول مع ثلاثة موظفين أكدوا أنهم خسروا وظائفهم نتيجة تلك القرارات.

وأضاف المحمد “أنهيت الخدمة الإلزامية عام 2008، وأنا معلم وليس لدي أية خبرة في القتال والحروب، وعند زجي في المعارك سأكون عبئاً أكثر من أن أفيد الوطن”.

يجب على جميع الذكور السوريين ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و 42 أن يخدموا 18 شهراً على الأقل من الخدمة الإلزامية، كما جاء في المادة 46 من دستور البلاد والتي أشير إليها على أنها “واجب مقدس”، كما يعفى أولئك الذين يدرسون في الجامعات والابن الوحيد في الأسرة، ويمكن استدعاء جميع الذين أتمو خدمتهم الإلزامية للاحتياط إلى أن يبلغوا سن الشيخوخة.

وخلال الحرب الأهلية، ووسط تقارير عن زج الجنود في النزاع المنهك على الخطوط الأمامية وابقائهم في الخدمة الإلزامية لمدة أطول بكثير من الوقت المطلوب، فر آلاف الشبان السوريين من البلاد أو بحثوا عن سبل أخرى لتجنب أداء الخدمة العسكرية.

وفي الوقت نفسه، فإن الخدمة الاحتياطية مطلوبة من جميع الرجال الذين هم في سن الخدمة العسكرية الذين أتموا خدمتهم الإلزامية.

وحاول كلاً من أنس محمد وطارق المالك وأحمد السيد، موظفون سابقون في القطاع العام في دمشق الذين تحدثت معهم سوريا على طول، أن يتجنبوا الالتحاق بالخدمة العسكرية الاحتياطية بطرقهم الخاصة من أجل الحفاظ على وظائفهم، حيث دفع المحمد والمالك رشوة لأحد الموظيف وأحد الضباط في شعبة التجنيد كما قام السيد بتأخير تخرجه من جامعته ومن ثم قام بالتقديم لدراسة الماجستير كمهندس بعد تخرجه.

وأكد الثلاثة أنه تم فصلهم من قبل مدراء العمل بعد التوجيهات التي أصدرت في تشرين الثاني، واليوم لم يبقى أمامهم حلول إلا البقاء والالتحاق بالجيش السوري أو محاولة القيام برحلة مكلفة وخطيرة إلى خارج سوريا.

وطرد طارق المالك ذو 35 ربيعاً من عمله كمهندس صوامع للحبوب في 22 تشرين الثاني، بعد يوم من صدور توجيهات رئيس الوزراء، وعندما سمع الأنباء تواصل مع ضابط شعبة التجنيد الذي كان بدفع له رشوة لإبعاد اسمه من قائمة الاحتياط فأجابه “أنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء هذه المرة أنه يتوجب علي أن أسلم نفسي للجيش”، حسبما ذكر المالك.

ومنذ فصله من العمل لم يخرج المالك من منزله، كما أنه أبقى هو وأسرته قرار فصله سراً ولم يخبروا أحداً من جيرانهم أو أقربائهم لأنهم يخشون أن يقوم أحداً ما بإبلاغ السلطات عنه.

وقال المالك لسوريا على طول ” كل مرة يطرق باب المنزل أتخيل أنه سيكون الأمن، تخيل العيش بوضع كهذا، فبعدما كان الشخص يعيش حياة طبيعية يأتي قرار يحول حياتك رأساً على عقب”.

 والتجنيد موجود في سوريا منذ عام 1946، ولكن بعد بدء الحرب أصبح تنفيذ الخدمة العسكرية الإلزامية مسألة ذات أهمية وطنية بالنسبة للحكومة السورية لقمع قوات المعارضة ودرء تنظيم الدولة.

واليوم توجد “الحواجز الطيارة” في جميع أنحاء سوريا، والتي أنشئت لالتقاط الشباب المتخلقين عن الخدمة الإلزامية، بالإضافة إلى حملات التوقيف العشوائية وتقتيش البيوت بحثاً عن المتخلقين عن الخدمة العسكرية.

نقطة تفتيش في دمشق، كانون الأول 2017، الصورة من صفحة الدفاع الوطني قطاع مدينة دمشق.

ومع ذلك، فإن وصف الخدمة العسكرية الإلزامية في سوريا على موقع وزارة الدفاع في البلاد يشيد بها كوسيلة “للتعرف على أصدقاء جدد” و “تصبح رجلاً حقيقياً قادر على إثبات ذاته”.

 لكن بالنسبة لبعض السوريني ممن هم في سن الدراسة، فإن الفشل المتكرر في امتحانات الجامعة أو عدم إكمال مادة دراسية أو مادتين لتجنب التخرج أفضل من خطر القتال والموت في صراع لانهاية له، و أحمد السيد واحداً منهم.

وقال السيد لسوريا على طول “الجيش بالنسبة للشباب الذين بقوا في سوريا لا مفر منه”.

وإلى أن صدرت قرارات 21 تشرين الثاني، كان أحمد السيد يعمل كمهندس مدني في مديرية محافظة دمشق وتخرج من كليته الربيع الماضي بعد أن قام بتأخر تخرجه عاماً كاملاً عن طريق عدم تقديم مادة دراسية واحدة، كما كان يأمل بالتقدم لدراسة الماجستير قيبل انتهاء تأجيله الدراسي بشهر واحد.

وصرح لسوريا على طول أنه ” لم أنصدم بقرار فصلي، لكن المشكلة الآن أنني أصبحت مطلوباً فوراً للجيش وأهلي يريدونني أن أسافر”.

وتجنب الخدمة العسكرية في سوريا مكلف مادياً، فالرجال الذين يريدون الهروب من الخدمة العسكرية يرشون الموظفين أو الضباط ليغضوا النظر عنهم أو منحهم إجازة متكررة، أو يدفعون للمهربين من أجل إخراجهم من البلاد.

وفي الوقت الحالي يبحث السيد عن مهرب لإخراجه من دمشق إلى تركيا، وهي رحلة مليئة بالمخاطر، كما ينتظر طارق شقيقه المقيم في الأردن ليرسل له المال الذي يحتاجه ليفعل الشيء نفسه.

وذكر المحمد أنه ينوي الإنضمام إلى قوات الدفاع الوطني، وهي منظمة شبه عسكرية تدعم الجيش السوري، وتفيد التقارير بأن قوات الدفاع الوطني تدفع رواتب أعلى وتوفر مزايا أكثر فائدة لمتطوعيها، و يبعد الذين ينضمون إلى جبهة الدفاع الوطني عن الخدمة في الجيش العربي السوري العادي.

وأضاف ” سأطوع مع الدفاع الوطني وسأحصل على راتب، أفضل من أن يتم اعتقالي على أحد الحواجز وتحويلي للمحكمة العسكرية”.

 

ترجمة : بتول حجار

شارك هذا المقال