7 دقائق قراءة

في الذكرى السنوية لاتفاق المصالحة بجنوب دمشق “لا عفو ولا تسويات، والمطلوب بقي مطلوباً”

عمان- في أيار الماضي، كان أصدقاء رائد الخضراوي وجيرانه يصعدون إلى حافلات التهجير قاصدين الشمال السوري، بعد توقيع اتفاق مصالحة بين الحكومة السورية وروسيا من جهة، وفصائل المعارضة المحلية في جنوب دمشق من جهة أخرى.


12 مايو 2019

عمان- في أيار الماضي، كان أصدقاء حسن عادل وجيرانه يصعدون إلى حافلات التهجير قاصدين الشمال السوري، بعد توقيع اتفاق مصالحة بين الحكومة السورية وروسيا من جهة، وفصائل المعارضة المحلية في جنوب دمشق من جهة أخرى.

راودته نفسه أن يخرج معهم، ولكن بعد صراع داخلي قرّر البقاء، في محاولة لمنع تنفيذ مشروع “التغيير الديموغرافي”، وحفاظاً على هوية المنطقة بحسب تعبيره.

ويضمّ جنوب دمشق خليطاً سكانياً متنوعاً، فإلى جانب السكان الأصليين، يعيش في المنطقة فلسطينيو سوريا، ويعدّ مخيم اليرموك موطناً لهم، فضلاً عن النازحين من الجولان المحتل، وتجمعات سكانية من محافظة درعا جنوبي سوريا، ومن محافظات الشمال السوري.

وإلى الجنوب من مناطق نفوذ المعارضة السورية – سابقاً – تعدّ منطقة السيدة زينب مركزاً دينياً مهماً للشيعة، وتحولت خلال الحرب السورية إلى منطقة نفوذ للميليشيات الشيعية الإيرانية والعراقية، ومركزاً لانطلاق عملياتهم ضد بلدات جنوب دمشق.

ولعب حسن عادل، 45 عاماً، الذي رفض الكشف عن اسمه لمخاوف أمنية، من بلدة ببيلا، دوراً بارزاً في مفاوضات جنوب دمشق 2014، بعد حصار الحكومة السورية للمنطقة، ووفاة العشرات جوعاً، وانتهت المفاوضات بتوقيع هدنة تقضي بفكّ الحكومة السورية الحصار عن بلدات جنوب دمشق (ببيلا، يلدا، وبيت سحم)، وصمدت الهدنة حتى نيسان 2018، مع بعض الخروقات من وقت إلى آخر.

وفي نيسان 2018، شنت الحكومة السورية وحلفاؤها هجوم “ساعة الصفر” ضد تنظيم الدولة في مخيم اليرموك ومنطقة الحجر الأسود المجاورة، وبعد إنهاء وجود التنظيم، فرضت عملية إجلاء قسري ومصالحة على ثلاث بلدات متجاورة وخاضعة لسيطرة المعارضة – يلدا وببيلا وبيت سحم – في نفس الوقت تقريباً.

واستقل تسعة آلاف شخص على الأقل حافلات الإجلاء التابعة للحكومة السورية متجهين إلى شمالي غرب سوريا، وفضّل آخرون المصالحة مع حكومة دمشق، وتسوية أوضاعهم، وكان عادل واحداً منهم.

قوات الحكومة السورية أمام الحافلات في جنوب دمشق، حقوق الصورة لوكالة الأنباء الرسمية سانا

وعكست اتفاقية جنوب دمشق، التي تمت بوساطة روسية، ووافق عليها مفاوضو الحكومة والمعارضة، سلسلة من الاتفاقيات في مناطق سيطرة المعارضة في العاصمة وضواحيها.

واليوم، بعد مرور عام على سيطرة الحكومة السورية على جنوب دمشق يصف حسن عادل سياسة النظام بأنها تحولت من “صلح إلى انتقام” حيث غيرت الحكومة السورية الضباط المسؤولين عن المنطقة، وعادت عيون النظام “لكشف مواطن الضعف والأشخاص القابلين لأن يكونوا بداية التغيير” بحسب ما ذكر لسوريا على طول.

ومنذ دخول القوات الحكومية إلى جنوب دمشق – عقب اتفاق المصالحة – بدأت أذرعها الأمنية تتغلغل في المنطقة، ورافق ذلك تضييقاً أمنياً على الأهالي.

وفي آذار الماضي، أي بعد أشهر قضاها عادل في بلدة ببيلا تحت سيطرة الحكومة السورية، دفع مئات الدولارات لشبكة مهربين، وغادر المنطقة إلى شمالي سوريا بسبب المضايقات الأمنية بحقه.

وقال عادل لسوريا على طول “رُفعت بحقي تقارير أمنية إلى الأفرع الأمنية، وأصبحت مطلوباً لكل هذه الأفرع”، معتبراً أن البقاء بعد كل ذلك “انتحاراً”.

ويدفع السكان من بلدات جنوب دمشق، والتي كانت خاضعة لسيطرة المعارضة سابقاً، آلاف الدولارات للهروب شمالًا، وقال العديد من السوريين بمن فيهم ناشطين ومدنيين وصلوا إلى الشمال السوري، لسوريا على طول، في تقرير سابق، أن شبكات التهريب التي كانت تستخدم في السابق لتهريب المقاتلين الفارّين من الحصار، باتت تلبي احتياجات السوريين الذين يعيشون حالة من الفوضى عقب المصالحة، وعودة مناطقهم لسيطرة الحكومة.

وبعد مرور عام على سيطرة الحكومة السورية والأجهزة الأمنية يرى عادل أن الشيء الوحيد الذي تغير عليه قبل خروجه من جنوب دمشق “ذهاب أعداد كبيرة من الشباب إلى الجيش، وماتبقى كان وعوداً مكذوبة،  فلا عفو ولا تسويات، والمطلوب بقي مطلوباً”.

ويحاول آخرون التأقلم مع الواقع الجديد الذي فرض عليهم، فيدفع بعض الناس مبالغ مالية طائلة من أجل أن يزيل مسؤولو الحكومة والأجهزة الأمنية أسماءهم من قوائم الاحتجاز، ومن لا يستطيع دفع المال سيواجه “أشد أنواع التعذيب في المعتقل” بحسب قوله لسوريا على طول.

ومن جانبه، يحاول رامي السيد، مصوّر صحفي يعيش في مخيم دير بلوط، معرفة أخبار جنوب دمشق، عن طريق أصدقاء مقربين، فضّلوا البقاء في المنطقة، ولكن لا جديد.

وقال السيد لسوريا على طول، وهو مهجّر من مخيم اليرموك “انعدام الأمان، الاعتقالات، انتشار السلاح، وفوضى الدعاوى الكيدية… هذه أخبار المنطقة”، مشيراً إلى أن الأشخاص الذين وقفوا إلى جانب حكومة دمشق بتوقيع المصالحات في المنطقة “يقوم باعتقالهم”.

مخيم اليرموك بعد اتفاقيات المصالحات:

تقاسم أهالي جنوب دمشق الحصار الذي فرضته حكومة دمشق على مناطق نفوذ المعارضة السورية في يلدا وببيلا وبيت سحم من جهة، وعلى مخيم اليرموك من جهة أخرى، واشتركوا في مصير التهجير، ولكن باتفاقين مختلفين.

وفي الأول من أيار 2018، بدأت عمليات إجلاء مقاتلي هيئة تحرير الشام المحاصرين في مخيم اليرموك آنذاك، وسكان من أهالي المخيم، بموجب اتفاق يقضي بإجلاء دفعة من مخيم اليرموك، مقابل دفعة من بلدتي كفريا والفوعة، الواقعتين تحت سيطرة الحكومة السورية في الشمال السوري.

واليوم، تفرض الحكومة السورية “قيوداً قاسية” تمنع الفلسطينيين من الوصول إلى العاصمة دمشق.

وقال فايز أبو عيد، مسؤول قسم الإعلام في مجموعة العمل من أجل فلسطيني سوريا، وهي مجموعة حقوقية مقرها لندن، لسوريا على طول، أن الحكومة السورية حالياً، تفرض على الفلسطينيين الراغبين بالخروج من جنوب دمشق شروطاً “تستلزم موافقة الأجهزة الأمنية بعد تقديم أوراق وشهادة حسن سلوك من قبل موالين للنظام في المنطقة، بما فيهم طلبة الجامعات والمعاهد والمدارس الموجودة في العاصمة دمشق”.

ويبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في جنوب دمشق، اليوم، قرابة 5 آلاف، معظمهم من مهجري مخيم اليرموك “المنكوب” والذين ينتظرون عودتهم إلى منازلهم في المخيم، بحسب ما قال أبو عيد لسوريا على طول.

وأضاف أبو عيد “إن الفلسطينيين في بلدات جنوب دمشق يشكون من ارتفاع إيجارات المنازل، حيث تتراوح بين 25 و40 ألف ليرة سورية (50 إلى 80 دولار تقريباً)، وهي مبالغ من الصعب على اللاجئين الفلسطينيين تأمينها إلى جانب تكاليف المعيشة”.

وتشترط البلديات التابعة للحكومة السورية من نازحي مخيم اليرموك إلى بلدات جنوب دمشق عقوداً رسمية لإيجار المنازل التي يسكنون فيها، الأمر الذي يجعل تواجد النازحين بشكل قانوني صعباً، حيث “يسكن عدد كبير منهم في منازل مهجرين آخرين”.

وقالت مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا، يوم الأحد، أن الأجهزة الأمنية السورية اعتقلت عدداً من أبناء مخيم اليرموك النازحين إلى بلدات جنوب دمشق، رغم تسوية أوضاعهم مع القوات الروسية والحكومية.

وذكرت المجموعة أن سبب اعتقال البعض، تخلّفهم عن الخدمة الإلزامية العسكرية في جيش التحرير الفلسطيني.

وكانت الأجهزة الأمنية السورية، التابعة لفرع “فلسطين” اعتقلت منتصف الشهر الماضي منسق مؤسسة جفرا للإغاثة اللاجئ الفلسطيني “ياسر عمايري” وثلاثة من موظفي المؤسسة جنوب دمشق، بحسب ما ذكرت مجموعة العمل.

المهجّرون إلى الشمال وفوضى الوثائق

بعد موجات النزوح من ضواحي دمشق الشرقية والجنوبية إلى شمالي غربي سوريا، فوجئ المهجرون بسلسلة من التعقيدات بخصوص وثائق السجل المدني.

ورغم أن مؤسسات المجالس المحلية، التي أنشئت في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بداية الانتفاضة السورية، سواء في شمالي غرب سوريا أو ضواحي دمشق، تعمل تحت مظلة الحكومة السورية المؤقتة، التابعة للمعارضة، إلا أن نازحون سوريون قالوا لسوريا على طول، في تقرير سابق، أن المجالس المحلية في ريف حلب الشمالي ترفض الاعتراف بعقود الزواج وشهادات الميلاد، وغيرها من الوثائق المدنية الصادرة.

وكان ملف الوثائق المدنية لفلسطيني سوريا، في مناطق المعارضة السورية، شمالي سوريا، أكثر تعقيداً، لأن فلسطيني سوريا لهم وثائق خاصة تميزهم عن غيرهم.

ويندرج اللاجئون الفلسطينيون ضمن نظام توثيق وأحوال مدنية منفصل، منذ فترة طويلة قبل الثورة السورية في عام 2011 وما تلاها من صراع، أي أنهم عديمو الجنسية فعلياً، مما يعني أن الإجراءات الأساسية منذ نزوحهم شمالاً، أصبحت صعبة – إن لم تكن مستحيلة تقريباً-.

وعندما وصل اللاجئون الفلسطينيون إلى الشمال الغربي، كانوا لا يملكون سوى الوثائق الصادرة عن الأونروا والحكومة، ولم يكن لديهم أساساً أي مؤسسة لتسجيل إجراءات الأحوال المدنية خلال فترة الحصار.

وفي أواخر شباط الماضي، تأسس “مركز التوثيق للاجئين السوريين”، تحت سيطرة الحكومة السورية المؤقتة التابعة للمعارضة، التي توثق السجل المدني للسكان المحليين والنازحين السوريين الموجودين في المنطقة الشمالية الغربية، التي تسيطر عليها المعارضة.

ومنذ ذلك الوقت، بدأ فلسطينيو سوريا في شمالي غرب سوريا بالحصول على إجراءات التوثيق المدني، مما سمح لهم بتسجيل المواليد والوفيات والزواج لأول مرة منذ نزوحهم إلى الشمال في العام الماضي.

لست نادماً

وجد نازحو جنوب دمشق أنفسهم في مخيمات مزدحمة، بعد وصولهم إلى الشمال، مثل مخيم دير بلوط في ريف عفرين، حيث الخدمات السيئة جداً على الرغم من أنها تحت إدارة الحكومة التركية مباشرة.

وعانى سكان المخيم من صيف حارق وشتاء مرير مليء بالأمطار الغزيرة التي أغرقت الخيام، مع إلقاء اللوم وتوجيه العديد من الاتهامات الروتينية للسلطات التركية المسؤولة عن الخدمات في المخيم.

أطفال في مخيم دير بلوط بريف عفرين، تصوير رامي السيد

ومن خيمته في مخيم دير بلوط، لم يشعر رامي السيد، وهو ناشط إعلامي من جنوب دمشق، بالندم على النزوح إلى الشمال السوري.

وقال السيد لسوريا على طول “لست نادماً على خروجي، وأفضل العيش بخيمة على أن أعيش تحت حكم الأسد”.

“أنا شخص دخلت معتقلات النظام، ولي تجربة قاسية ومريرة بالمعتقل، ولست مستعداً أن أعيد التجربة”.

أما بالنسبة لآدم الشامي، 30 عاماً، وأب لطفلين، استوقفته الكثير من الذكريات في اللحظات التي سبقت قراره النهائي بحزم الحقائب للرحيل.

وأعطى الشامي لزوجته حرية تقرير مصيرها، إما البقاء في البلدة التي ولدت فيها، أو الرحيل معه إلى المجهول، ولكنها قررت مشاركته رحلة النزوح.

وكان خروج الشامي من “منطق أن تاريخ النظام السوري حافل بخيانة التعهدات التي قدمها برغم كل القوى الضامنة لها”، بحسب ما ذكر لسوريا على طول.

وقال الشامي لسوريا على طول ” لست نادماً… ولكن هناك شعور بالغربة والحنين”.

“أشعر بالشوق للأزقة التي حوصرنا فيها، والأقبية التي احتمينا فيها من القذائف والصواريخ، وكان شعورنا حينها بين ضحك وخوف”.

أما عز الدين الدمشقي، 25 عاماً، نازح من حي التضامن إلى مخيم دير بلوط بريف عفرين، يصف ما حدث معه قبل عام “كأنك اقتلعت شجرة من جذورها… لحد اللحظة ماني عارف أضرب جذوري بالأرض أو أذبل!”.

وكان الدمشقي خلال سنوات الحصار رساماً، يحاول أن يفعل أي شيء يبث الحياة في حي التضامن، ولكنه نزح إلى الشمال وترك عشرات الرسومات في مسقط رأسه.

وختم الدمشقي “أحن لقبر أبي، لبيتي، لرسماتي.. لكل شيء فيها”.

شارك هذا المقال