3 دقائق قراءة

في زمن حكومة دمشق “الشاطرة”: الغذاء والتعليم كماليات تحتاج قروضاً

أعطى الاهتمام الإعلامي، المحتف أو الساخر، بقرار المؤسسة السورية للتجارة، مؤخراً، ببيع منتجاتها بـ"التقسيط" أو بـ"قرض"، انطباعاً غير صحيح بكونه قراراً غير مسبوق من قبل المؤسسة


6 أغسطس 2020

عمّان – أعطى الاهتمام الإعلامي، المحتف أو الساخر، بقرار المؤسسة السورية للتجارة، مؤخراً، ببيع منتجاتها بـ”التقسيط” أو بـ”قرض”، انطباعاً غير صحيح بكونه قراراً غير مسبوق من قبل المؤسسة. لكن القرار الصادر في 21 تموز/يوليو الماضي سبقه في الحقيقة قرار مماثل في 26 أيار/مايو 2018، بالبيع بالتقسيط للمواد الغذائية والمنظفات والألبسة والعصرونية (الوجبات الخفيفة) المتوفرة في صالات المؤسسة للعاملين في الدولة الدائمين والعقود السنوية، بمناسبة شهر رمضان ومن دون فوائد.

مع ذلك، يظل ثمة خلاف جوهري بين القرارين على صعيد دلالتهما خصوصاً. إذ يأتي قرار الشهر الماضي بعد توقف “السورية للتجارة” عن تقديم أي سلع مدعومة، أو حتى توفير أي من السلع الأساسية للمواطن السوري في الغالبية العظمى من فروعها، بحيث لا يتبقى من غاية للقرار إلا “زيادة المبيعات”، كما عبر عن ذلك صراحة مدير المؤسسة، أحمد نجم، في 22 تموز/يوليو الماضي. وهو ما يعني التحول إلى “تاجر شاطر”، كما طالب بشار الأسد المؤسسة قبل فترة وجيزة، ينافس بقية التجار على ما تبقى من أموال المواطن. 

أسبوعان من الكفاف

فيما بلغ سقف المبلغ المقسط بموجب قرار أيار/مايو 2018 خمسون ألف ليرة سورية، ارتفع السقف في القرار الأحدث إلى 150 ألف ليرة. لكن قيمة المبلغ الأول كان تعادل حوالي 113 دولاراً أميركياً (بحسب سعر الصرف البالغ حينها 440 ليرة للدولار)، فيما تقدر قيمة 150 ألف ليرة حالياً بحوالي 66 دولاراً (استناداً إلى سعر صرف 2,260 ليرة للدولار). 

أيضاً، كانت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك أعلنت، بداية تموز/يوليو الماضي، رفع أسعار مادتي السكر والأرز المدعومتين، واللتين توزعان عبر “البطاقة الذكية”، بطلب من “السورية للتجارة”، بحيث ارتفع سعر كيلو السكر “المدعوم” إلى 500 ليرة بدلاً من 350 ليرة، فيما ارتفع سعر كيلو الأرز من 400 إلى 600 ليرة.

وبررت “السورية للتجارة” طلب تعديل الأسعار بصدور قرار مصرف سورية المركزي الخاص باستكمال تمويل إجازات استيراد العقود المبرمة مع “السورية للتجارة”، قبل تاريخ 16 حزيران/يونيو الماضي، وفق سعر صرف الدولار الجديد البالغ 1,250 ليرة. ولتكون النتيجة أن أصبحت أسعار المواد المتوفرة في “السورية للتجارة” لا تختلف كثيراً عن أسعار المحال التجارية والأسواق الشعبية، كما ذكرت الصحافية المقيمة في دمشق، أمل الدمشقي (اسم مستعار)، لـ”سوريا على طول”، ناهيك عن “رداءة الكثير من المواد الغذائية لاسيما الخضار”.

وكانت صحيفة الوحدة الحكومية قد حملت بشدة على “السورية للتجارة” بعد يوم واحد من إعلانها البيع بالتقسيط، لأن “مؤسستنا المعول عليها، والتي حملت توصية خاصة من السيد رئيس الجمهورية بأن تكون تاجراً شاطراً، نسيت أن توفر في صالاتها أدنى الاحتياجات الاستهلاكية، فما يقال في الإعلام، وأمام كاميرات التلفزيون لا يمت إلى الواقع بصلة”. وأرفقت الصحيفة مع المقال الذي نشر على موقعها الإلكتروني صورة قالت إنها لمدخل صالة سلطان إبراهيم في مدينة جبلة باللاذقية، وقد علقت عليها لافتات اعتذر فيها القائمون على الصالة التابعة للمؤسسة السورية للتجارة عن توفر الأرز والسكر والدخان، وتساءلت الصحيفة: “فماذا بقي للمواطن كي يسأل عنه؟”. 

كذلك كانت قدرت صحيفة قاسيون التابعة لـ”حزب الإرادة الشعبية” الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية والمقيم حالياً في روسيا، قدري جميل، في نيسان/أبريل الماضي، تكاليف المعيشة لأسرة سورية من خمسة أشخاص تقطن في دمشق بحوالي 430 ألف ليرة شهرياً (190 دولاراً، بحسب سعر صرف 2,260 ليرة للدولار)، يذهب قرابة 230 ألف ليرة (101 دولاراً) لتغطية تكاليف الغذاء الضروري والمشروبات. وهو ما يعني أن الحد الأعلى للمبلغ المقسط من قبل “السورية للتجارة”، وهو 150 ألف ليرة، يكفي هكذا عائلة لتأمين الغذاء الضروري والمشروبات لمدة 19 يوماً فقط. علماً أن متوسط رواتب العاملين في الدولة يراوح عند 50 ألف ليرة (22 دولاراً). 

قرض للحصول على التعليم “المجاني”

في اليوم التالي لمبادرة “التقسيط”، ومع اقتراب بدء العام الدراسي في سوريا، أعلنت المؤسسة السورية للتجارة مبادرة أخرى، تتمثل في تخصيصها “قرضاً للباس المدرسي والقرطاسية”، وبحيث تتولى المؤسسة “تصنيع اللباس بأسعار أقل من السوق بحدود 40%”، كما جاء على لسان مدير المؤسسة، مؤكداً مرة أخرى أن الهدف هو من ذلك “هو زيادة المبيعات في صالات السورية للتجارة”، إضافة إلى “توفير أفضل السبل التي تتيح للمواطن الحصول على ما يحتاجه بسهولة”.

وللحصول على خدمة التقسيط/القرض، فإنه يتوجب على الجهات العامة، بحسب ما جاء في التعميم الصادر عن “السورية للتجارة”، إرسال قوائم بأسماء العاملين الدائمين والعاملين بعقود سنوية غير منتهية الراغبين بذلك، خلال فترة التقسيط، إضافة إلى الرقم الوطني، وتعهد من محاسب الإدارة وآمر الصرف بتسديد الأقساط في مواعيدها وعلى مسؤولياتهم.

وإذا كان يفترض أن يحصل الشخص على قرض لأجل بناء مشروع تجاري أو أشياء كمالية مرتفعة، وليس لشراء اللباس المدرسي والقرطاسية، كما علق كثيرون على قرار المؤسسة، فإن العائلة السورية المكونة من خمسة أفراد، تحتاج إلى ضعف السقف المحدد للتقسيط، أي 300 ألف ليرة شهريا، “لأجل أن تعيش حياة جيدة في دمشق”، كما أكدت الصحافية الدمشقي.

شارك هذا المقال