5 دقائق قراءة

قرار محكمة العدل الدولية بوقف التعذيب في سوريا خطوة دون تطلعات المتمسكين بالعدالة

في ظل ما يجري في الشرق الأوسط، وفشل المجتمع الدولي، ورؤية الشعوب لحالة "الإفلات من العقاب"، لم يعد هناك ثقة بالمجتمع الدولي وتحقيق العدالة عبر مؤسسات الأمم المتحدة، كما عبر ناشطون سوريون، في أعقاب جلسة محكمة العدل الدولية.


16 نوفمبر 2023

نيويورك- طالبت محكمة العدل الدولية سوريا، اليوم الخميس، باتخاذ إجراءات لمنع التعذيب وغيره من أشكال المعاملة السيئة، كجزء من القضية التاريخية التي تقدمت بها كندا وهولندا في وقت سابق من هذا العام.

قرأت رئيسة المحكمة، جوان دونوجو، القرار الذي طالبت فيه سوريا بـ”اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها منع أفعال التعذيب وغيرها من المعاملة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة”، بما في ذلك التي ترتكبها القوات تحت “سيطرتها أو توجيهها أو تأثيرها”.

كذلك، أمرت المحكمة دمشق باتخاذ “تدابير فعالة لمنع الدمار، وضمان الحفاظ على أي دليل” يتعلق بالقضية، التي تركز على انتهاكات اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب.

كان هذين الأمرين أول نتيجة ملزمة في قضية تنظر فيها محكمة دولية، وفيها أدلة على ممارسة النظام السوري للتعذيب. ومع ذلك، لم تحقق ما كان يأمله الناجون السوريون وأفراد عائلات المختفين قسراً والمدافعين عن حقوق الإنسان، ولم تتضمن ستة إجراءات إضافية كانت طلبتها كندا وهولندا.

“من الجيد أنهم فرضوا التدابير وطلبوا من الحكومة السورية عدم تدمير الأدلة، لكن كنا نتوقع أكثر من ذلك”، قالت ياسمين مشعان، عضو مؤسس في رابطة عائلات قيصر، لـ”سوريا على طول”، معبرة عن خيبتها قائلة: “مازلنا بين خيبة أمل ومحاولة فهم الأمور”.

تقدمت كندا وهولندا بطلب لمحكمة العدل الدولية تلتمسان فيه محاسبة سوريا على انتهاك اتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب، التي انضمت إليها الدول الثلاث، وكذلك لوقف أي انتهاكات مستمرة، ومحاكمة الجناة، وتقديم “التعويض الكامل” للضحايا. محكمة العدل الدولية، هي أعلى هيئة قضائية في الأمم المتحدة، ومن صلاحياتها البت في النزاعات بين الدول وليس الجرائم التي يرتكبها الأفراد.

ويتعلق الأمر الصادر، أمس الخميس، بثمانية إجراءات مؤقتة طارئة طلبتها كندا وهولندا لوقف ومنع التعذيب وغيره من الانتهاكات أثناء سير القضية.

ومن بين الإجراءات، التي لم تصدرها محكمة العدل الدولية في جلسة الخميس، إلزام النظام السوري بوقف عمليات الاحتجاز غير المعلن والتوقيف التعسفي، وتوفير إمكانية الوصول إلى المعتقلين، وحماية المعلومات المتعلقة بأسباب وفاة المعتقلين والكشف عن مواقع الدفن لذويهم الأحياء. كما طلبت الدولتان -كندا وهولندا- من المحكمة إجبار سوريا على تقديم تقارير حول التزامها بالإجراءات كل ستة أشهر.

“في حدود إمكانياتها”

كان أحمد حلمي، ناشط سوري ناجٍ من التعذيب، ومؤسس مشارك في مبادرة تعافي الداعمة للمعتقلين السابقين، متواجداً داخل قاعة المحكمة في لاهاي، أمس الخميس، عندما أُذيع قرار المحكمة. وبعد وقت قصير عبر سعادته لـ”سوريا على طول”، قائلاً: “سعيد لأن المحكمة أقرت بضرورة القضية” عبر الإعلان عن الإجرائين الطارئين.

ومع ذلك “لم تكن اللغة مفصلة بما فيه الكفاية، ولم يكن هناك التزام بالتقارير”. كما “لم يُطلب اتخاذ أي تدابير لوقف الاختفاء القسري”، بحسب حلمي، واصفاً لغة المحكمة بـ”الفضفاضة”.

أما ياسمين مشعان، التي فقدت خمسة من إخوتها في سوريا، أربعة منهم قتلوا على يد النظام، أعربت عن قلقها بشأن اللغة المستخدمة في أوامر المحكمة، مستشهدة بجملة صدمتها، وهي: “يجب على الدولة السورية اتخاذ جميع التدابير في حدود إمكانياتها لوقف التعذيب”.

تخشى مشعان “أن يستغل النظام هذا ليقول: لقد نفذت الأحكام”، على شكل قانون مناهضة التعذيب الصادر عام 2022 وإلغاء المحاكم العسكرية مؤخراً، قائلة: “بصدق، هو أمر مخيف. نحن معتادون على ألاعيب النظام”.

ومع ذلك، أقرت محكمة العدل الدولية، من خلال بعض التدابير التي أعلنت عنها، بضرورة التصدي لظاهرة التعذيب في سوريا وخطر الضرر الذي قد يلحقه التعذيب داخل مرافق الاحتجاز الرسمية. استندت المحكمة في قرارها إلى تقارير صادرة عن لجنة التحقيق الدولية التابعة للأمم المتحدة بشأن سوريا، التي أشارت في تموز/ يوليو 2023  إلى أن التعذيب في سوريا “مستمر وواسع النطاق، ومنهجي، ويُنفذ ضمن إطار سياسة الحكومة”.

وثقت الشبكة السوري لحقوق الإنسان مقتل أكثر من 15 ألف سوري بسبب التعذيب على يد قوات النظام السوري منذ ربيع 2011، فضلاً عن استمرار اعتقال أو اختفاء أكثر من 155 ألف شخص.

وكما كان الحال في الجولة الأولى من جلسات الاستماع الشفهية، التي عقدت في العاشر من تشرين الأول/ أكتوبر، لم يحضر ممثلو الحكومة السورية جلسة الخميس في المحكمة بلاهاي. وبعد طلب تأجيل الإجراءات لمدة ثلاثة أشهر تقريباً، قدمت الدولة السورية رسالة منفصلة تعرض قضيتها بدلاً من المشاركة في المرافعات الشفهية.

أعربت دونوجو، الخميس، عن “أسف” المحكمة لقرار سوريا بعدم المشاركة، مشيرة إلى أن المسؤولين السوريين أبلغوا محكمة العدل الدولية في رسالتهم المرسلة في 13 تشرين الأول/ أكتوبر أن بلادهم عينت وكلاء لتمثيلها أمام المحكمة، وقد تؤدي هذه الخطوة إلى زيادة مشاركة دمشق في الإجراءات المقبلة.

من جهتها، لم تنشر وسائل الإعلام السورية التابعة للنظام أي تقارير عن القضية منذ 26 تموز/ يوليو، عندما وصف مصدر لم يذكر اسمه في وزارة الخارجية السورية اتهامات التعذيب الكندية الهولندية بأنها “معلومات مضللة وأكاذيب” متهماً البلدين بالنفاق.

ولم يتضح بعد كيف سيرد النظام السوري على الإجراءات التي أعلنت عنها محكمة العدل الدولية، ولم تعلق دمشق على قرار المحكمة حتى وقت نشر هذا التقرير.

“خطوة نحو العدالة”

جاء أمر المحكمة الدولية بوقف التعذيب على يد السلطات السورية بعد يوم واحد من إصدار فرنسا مذكرة توقيف دولية بحق بشار الأسد على خلفية استخدام أسلحة كيميائية محظورة ضد المدنيين في مدينة دوما وأجزاء أخرى من الغوطة الشرقية بريف دمشق في عام 2013.

“نأمل أن ترسل مذكرات الاعتقال رسالة عالية وواضحة إلى الناجين، وجميع المتضررين من الهجمات وغيرها من الجرائم الفظيعة في سوريا، مفادها أن العالم لم ينساهم وأن النضال من أجل العدالة سيستمر”، قالت عايدة سماني، كبيرة المستشارين القانونيين في منظمة المدافعين عن الحقوق المدنية، إحدى المنظمات المشاركة في القضية الجنائية، في بيان صحفي، الخميس.

صدرت أيضاً مذكرات توقيف عن الوحدة المتخصصة في محكمة باريس القضائية بحق ثلاثة مسؤولين سوريين كبار: ماهر الأسد شقيق بشار، وقائد اللواء الرابع في جيش النظام، وغسان عباس، مدير الفرع 450 في مركز الدراسات والبحوث العلمية السورية، وبسام الحسن، مستشار رئاسي ومنسق الاتصال مع المركز.

انضم بشار الأسد، بموجب مذكرة التوقيف الفرنسية، إلى مجموعة صغيرة من رؤساء الدول المطلوبين دولياً. أصدرت المحكمة الجنائية الدولية أمري اعتقال بحق كلٍ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس السوداني السابق عمر البشير.

لكن، وجود المذكرة بحد ذاتها لا يعني بالضرورة أن بشار الأسد لن يتمكن من السفر وحضور الاجتماعات الدولية. على سبيل المثال، زار عمر البشير الأردن بحرية لحضور قمة الجامعة العربية في عام 2017، على الرغم وجود مذكرة التوقيف بحقه. وقضت المحكمة الجنائية الدولية في أيار/ مايو 2019 بأن الأردن فشل في الوفاء بالتزاماته الدولية المتمثلة باعتقاله.

ذهب حلمي إلى أن الخطوة الفرنسية جزء من صورة أكبر، تتضمن أمر محكمة العدل الدولية بشأن التدابير المؤقتة المعلن عنها في جلسة الخميس، قائلاً: “بالأمس، كان لدينا مذكرة اعتقال بحق رئيس النظام السوري، مما يثبت المسؤولية الفردية. واليوم، تولت محكمة العدل الدولية ولايتها بشأن منع التعذيب، وهو ما يثبت أيضاً مسؤولية الدولة”.

“لذلك لدينا اليوم أدلة أقوى على الجرائم في سوريا، التي آمل أن تكون قفزة نحو العدالة أو خطوة نحو تحقيقها”، كما أضاف حلمي.

“أملي في الناس”

تبقى مسألة العدالة ومن أين تأتي، مسألة شائكة بالنسبة للناجين من التعذيب والمدافعين عن المعتقلين والمختفين قسراً في سوريا وعائلاتهم. فالبعض، الذين يراقبون الحرب الإسرائيلية المستمرة في غزة وتخلي المجتمع الدولي الواضح عن مسؤوليته في حماية المدنيين، تتضاءل آمالهم في المساءلة الدولية بسبب معرفتهم بالدور الذي تلعبه القوى السياسية.

“في ضوء ما يحدث في المنطقة، وفشل المجتمع الدولي والقانون والنظام الدوليين، وحالة الإفلات من العقاب التي نراها في المنطقة، فأنا لا أؤمن بالقانون الدولي بعد الآن”، قال حلمي، الذي علق آماله بالناس، قائلاً: “أملي في الناس أنفسهم. ما نشهده مؤخراً هو أن الدول لا تريد أن تفعل أي شيء، ولا تريد تحمل المسؤولية، ولا تريد أن تفعل الشيء الأخلاقي والصحيح، لكن الناس يفعلون ذلك”.

وتتفق مشعان في أن “الأمل” مرتبط بمواصلة الناس في نضالهم، أي السوريون أنفسهم، في الوقت الذي تذيلت سوريا قائمة أولويات الدول، معتبرة أن الشيء الوحيد الذي يجعلها تتحرك في كل الاتجاهات هي أن “إصرار العائلات ومنظمات المجتمع المدني السورية”.

ورغم أن مشوار العدالة “بطيء، لكن بالنسبة لنا كعائلات لا مجال للعودة”، بحسب مشعان، مشيرة إلى أن “المساءلة اكتسبت زخما”، وطالما أن هناك عائلات تطالب “فلا يمكن إيقافه. هذا أمر مؤكد”.

شارك هذا المقال