6 دقائق قراءة

“قنبلة موقوتة”: عجز إمكانات في مواجهة تزايد حالات فيروس كورونا شمال شرق سوريا

تفخر الإدارة الذاتية بشكلها اللامركزي للحكم؛ من خلال تفويض مجالس الأقاليم والمقاطعات والمدن المحلية بإدارة مناطقها. إلا أن هذا الشكل من الحكم قد يكون الأقل ملاءمة لمكافحة "كوفيد-19"


6 سبتمبر 2020

عمان- “هي قنبلة موقوتة! ربما نكون مدة شهر أبعد من دمشق من تفشي وباء كورونا”. هكذا وصف عامل إغاثة غربي، مشارك في جهود مكافحة وباء كورونا المستجد (كوفيد-19)، الوضع في مناطق شمال شرق سوريا مقارنة بمناطق سيطرة حكومة دمشق، والتي قد يصل عدد حالات الإصابة فيها بالوباء إلى مليوني حالة، وفقاً لبعض التقديرات

فمنذ 1 آب/أغسطس الماضي، ظهرت مؤشرات تفشي “كوفيد-19” في شمال شرق سوريا، حيث قفزت أعداد المصابين من 28 إلى 624 حالة، ما جعل عمال الإغاثة يجهدون لمحاولة احتواء الوباء. ومما أثار القلق، تسجيل أول حالة في مخيم الهول الذي يعاني كثافة سكانية عالية وشحاً في الموارد، في 29 آب/أغسطس. فوق ذلك، يرجح أن يكون عدد الحالات المسجلة أقل بكثير عن المستوى الحقيقي لتفشي “كوفيد-19” في المنطقة. 

إذ تتسم شمال شرق سوريا في كونها أدنى المناطق السورية على صعيد إجراء فحوصات الكشف عن الوباء، بمعدل 404 فحوصات فقط لكل مليون إنسان، حتى تاريخ 25 آب/أغسطس. في الوقت ذاته، سجلت المنطقة أعلى معدل نتائج موجبة (إصابة مؤكدة) قياساً لعدد الفحوصات؛ إذ بلغت نسبة الفحوصات التي تم إجراؤها حتى الآن وكانت نتائجها موجبة  30%، وفقاً للبيانات الأحدث الصادرة في 27 آب/ أغسطس، عن منتدى المنظمات غير الحكومية في شمال شرق سوريا (منتدى شمال شرق سوريا)، والتي تعمل لمكافحة الوباء.‏ وبحسب منظمة الصحة العالمية، يعد مؤشراً على تدن شديد في عدد الفحوصات ضمن فئة سكانية معينة، زيادة النتائج الموجبة للفحوصات عن نسبة 5%.

ففي مدينة القامشلي، على سبيل المثال، لا يمكن إجراء سوى 60 إلى 70 فحصاً في اليوم الواحد، نتيجة وجود مختبر واحد مؤهل لذلك، بحسب ما ذكر عامل الإغاثة لـ”سوريا على طول”، مشترطاً عدم ذكر اسمه كونه غير مصرح له بالحديث إلى الإعلام.

رغم ذلك، قد لا تكون قلة الفحوصات محور المشكلة في شمال شرق سوريا مقارنة بصعوبة تتبع المخالطين لمصابي كورونا “العدد الهائل من المخالطين” وانخفاض عدد فرق التتبع، كما ذكر منتدى شمال شرق سوريا.

بالإضافة إلى ذلك، لا تُطَبق التدابير الاحترازية بشكل موحد في جميع أنحاء المنطقة، ولا يلتزم الكثير من الأهالي بهذه الإجراءات، ما يزيد من تفاقم انتشار “كوفيد-19”. وكما قال عامل الإغاثة: “علينا افتراض أن هناك انتقال نشط للعدوى في جميع مناطق شمال شرق سوريا الآن. والعديد من هذه المناطق ليس فيها أي إجراءات لاحتواء تفشي المرض في هذه المرحلة”.

مشكلتا بنية الحكم والإمكانات الضرورية

تفخر الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا بشكلها اللامركزي للحكم؛ من خلال تفويض مجالس الأقاليم والمقاطعات والمدن المحلية بإدارة مناطقها. إلا أن هذا الشكل من الحكم قد يكون الأقل ملاءمة لمكافحة “كوفيد-19″، كونه يتطلب استجابة إدارية صارمة لفرض تدابير الصحة العامة. 

إذ “منذ تموز/يوليو، تم تفويض سلطة اتخاذ القرارات [المتعلقة بالصحة العامة] للهيئات المدنية والبلدية المحلية”، بحسب عامل الإغاثة، و”كانت النتيجة استجابة إدارية متباينة لـ”كوفيد -19”. موضحاً أنه كان هناك “إغلاق كلي صارم نسبياً” في محافظة الحسكة، بخلاف محافظة الرقة، على سبيل المثال.

كما أدى غياب التنسيق بين المقاطعات والمجالس المحلية في شمال شرق سوريا إلى إعاقة عمل مسؤولي الصحة العامة أيضاً. إذ مُنعت فرق الاستجابة السريعة المكلفة بجمع عينات فحوصات “كوفيد-19” وتتبع المخالطين في المنطقة ككل، من الدخول إلى مناطق معينة خاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية.

كذلك، على الرغم من الضوابط والقيود المفروضة على التنقل في محافظة الحسكة، ما يزال الدخول إلى المحافظة مستمراً من مناطق سيطرة النظام، والتي يتفشى فيها “كوفيد-19” بدرجة أخطر. فيما لم يتوقف مطار القامشلي الخاضع لسيطرة دمشق عن تسيير الرحلات الجوية من وإلى دمشق منذ ظهور الوباء. وبحسب موقع “نورث برس” الموالي للإدارة الذاتية، فإن نحو 3,500 شخص يسافرون من دمشق إلى القامشلي أسبوعياً.

صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي لسوريين يسافرون على متن طائرة من دمشق إلى القامشلي، 30/ 8/ 2020 (Mohamed Herdam)

وبالإضافة إلى طبيعة الحكم، أشار مسؤولو الصحة العامة إلى النقص الحاد في الإمكانات الطبية، بما يقوض جهود الاستجابة لأزمة “كوفيد-19”.

فحتى قبل الثورة السورية والحرب التي تلتها في العام 2011، كانت منطقة شمال شرق سوريا تمتلك الحد الأدنى من الإمكانات الطبية في البلاد. ولا شك أن هذه الإمكانات قد تدهورت أكثر بعد تسع سنوات من الحرب. ووفقاً لتقييم نشر في آذار/مارس الماضي، يوجد حالياً 22 سرير عناية مركزة فقط لأربعة ملايين شخص يقطنون شمال شرق البلاد. 

ورغم أنه منذ نشر التقييم حصل تحسن على صعيد توفر المستلزمات الطبية للتعامل مع مرضى “كوفيد -19″؛ إذ تم إنشاء مرافق جديدة، لكن يظل قائماً العجز في الإمكانات البشرية، والتي قد لا تقل أهمية للاستجابة للوباء. إذ لا يوجد عدد كافٍ من الأطباء في المنطقة، فضلاً عن أن العديد من هؤلاء الأطباء والكوادر الصحية لا يتلقون التدريب المناسب سواء بشأن عمليات التشخيص أو الإجراءات الوقائية. 

وبحسب عامل الإغاثة، فإن المتخصصين في القطاع الصحي أنفسهم يشكلون عدداً كبيراً من المصابين بوباء “كوفيد -19” في شمال شرق سوريا. ويرجع ذلك، جزئياً، إلى الاستخدام غير السليم لمعدات الحماية الشخصية وإجراءات الفرز الخاطئة للمرضى الذين تظهر لديهم أعراض مشابهة للإصابة بكورونا.

وتفاقمت مشكلة انتقال العدوى بشكل كبير في المنطقة نتيجة أن الأطباء في شمال شرق سوريا غالباً ما يعملون في أكثر من منشآة طبية في وقت واحد، بحيث قد يصل العدد أحياناً إلى أربع منشآت. وتعني إصابة أحدهم إمكانية نقل الوباء إلى عدة منشآت صحية، ونشر المرض بين مجموعات مختلفة من العاملين هناك.

وبالفعل، تم إغلاق ثماني منشآت طبية تديرها منظمات غير حكومية، كما توقفت 15 منشأة أخرى عن العمل جزئياً، نتيجة  انتشار العدوى بين عاملين فيها، وفقاً لتقرير منتدى شمال شرق سوريا الصادر في 27 آب/ أغسطس.

علاوة على ذلك، فإنه اعتباراً من 27 آب/أغسطس، تم عزل 27 حالة إصابة بفيروس كورونا فقط من إجمالي عدد الحالات البالغ آنذاك 478 حالة في مواقع الحجر الصحي أو المستشفيات. وهذا يزيد خطر تفشي العدوى؛ إذ بدلا من عزل المرضى، كان الأطباء يجرون لهم الفحص ومن ثم يرسلونهم إلى منازلهم لحين ظهور النتائج.

 كل ما سبق فاقمته قلة الإمدادات الطبية. فعلى عكس مناطق شمال غرب سوريا الخاضعة لسيطرة المعارضة، والأراضي الخاضعة للنظام، لا يوجد معبر حدودي يمكن للأمم المتحدة استخدامه للوصول مباشرة إلى مناطق شمال شرق سوريا.

وكان معبر اليعربية على الحدود السورية-العراقية بمثابة ممر يتم من خلاله إدخال مساعدات الأمم المتحدة إلى المنطقة، إلا أنه ومع انتهاء صلاحية قرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الذي كان يرخص استخدام المعبر، في كانون الثاني/يناير 2020، أصبح لا بد من إيصال جميع المساعدات من خلال دمشق وعبر الأراضي التي يسيطر عليها النظام، وهي مهمة يصعب تنسيقها.

يضاف إلى كل ما سبق معاناة مناطق شمال شرق سوريا شحاً شديداً في المياه خلال الفترة الماضية، بسبب وقف فصائل المعارضة السورية المدعومة من تركيا ضخ المياه من محطة علوك التي تشكل المصدر الرئيس لمياه الشرب في المنطقة.

الشهباء وحيدة في مواجهة كورونا

تعد الشهباء، بمحافظة حلب، إحدى مناطق تركز حالات الإصابة بـ”كوفيد-19″ ضمن الأراضي الخاضعة لسيطرة الإدارة الذاتية. وهي معزولة عن مناطق الأخيرة منذ سيطرة قوات المعارضة السورية المدعومة من تركيا، في العام 2018، على منطقة عفرين، ضمن عملية غصن الزيتون.

وحتى نشر هذا التقرير، سجلت الشهباء 44 حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، فيما يرجح أن يكون العدد الحقيقي أعلى من ذلك بكثير، كما ذكر متطوع في الهلال الأحمر الكردي، يعمل في المنطقة، لـ”سوريا على طول”. لافتاً إلى أن العديد من السكان تظهر عليهم أعراض المرض، لكنهم يخشون إجراء الفحص خوفاً من النتائج.

ويبلغ عدد سكان الشهباء 150 ألف نسمة، معظمهم نازحون من عفرين. وليس فيها سوى مستشفى واحد. كما تفتقر المنطقة لمعدات الوقاية الشخصية ومعدات التشخيص، وفقًا للمتطوع في الهلال الأحمر الكردي.

ويحتوي المستشفى على ستة أسرة في وحدة العناية المركزة، وثلاث غرف عمليات، وفق ما قال عامل إغاثة في المنطقة لـ”سوريا على طول”. فيما تم مؤخراً تدشين منشأة طبية مؤخراً في قرية حسايك، بها 26 سريراً ومجهزة خصيصاً لعلاج مصابي كورونا.

بالإضافة إلى ذلك، هناك ست عيادات ميدانية للطوارئ في جميع أنحاء المنطقة تابعة للهلال الأحمر الكردي. لكنها لا تضم إلا ممرضين وممرضات، وتفتقر إلى المعدات والأدوية.

وكان الهلال الأحمر الكردي قد أصدر بياناً الشهر الماضي ناشد فيه منظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر الدولي ومنظمات دولية أخرى، تقديم المساعدة للشهباء. لكن للوصول إلى المنطقة، يتعين على المنظمات المرور عبر عفرين، التي تعاني عدم استقرار. ولذلك لم تتمكن الأمم المتحدة من إرسال أي فريق تابع لها أو إمدادات إلى الشهباء، ولم يتبق للمنطقة سوى الاعتماد على المنظمات غير الحكومية العاملة هناك، وتأمين الرعاية الصحية في العيادات المتنقلة والعاملين في مجال الصحة المجتمعية.

كما تم اتخاذ تدابير وقائية من قبيل منع التجمعات الكبيرة وحظر التنقل بين النواحي. وسابقاً، تم فرض الحجر الصحي على قريتي أم حوش وأحراس بعد اكتشاف حالات كورونا هناك. علاوة على ذلك، تم توزيع نشرات توعوية، باللغتين العربية والكردية، تتضمن معلومات لمنع انتشار الفيروس. كما أذيعت هذه المعلومات أيضاً عبر مكبرات الصوت.

مع ذلك، ما يزال غير واضح مدى قدرة الأهالي على الالتزام بالإجراءات الاحترازية مع نقص الإمدادات الأساسية وسوء الظروف المعيشية لمخيمات النازحين هناك.

“كما لو أن معاناة النزوح وحدها لا تكفي، ليؤججها الخوف والرعب من الفيروس”، بحسب المتطوع في الهلال الأحمر الكردي. 

تم نشر أصل هذا التقرير باللغة الإنجليزية، وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال