5 دقائق قراءة

قوات سوريا الديمقراطية: صعود وسقوط على حساب حقوق الأكراد السوريين  

عمان- بنفس القدر من المفاجأة التي أثارها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التخلي عن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في شمال شرق سوريا؛ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مفسحاً المجال لانطلاق العملية العسكرية التركية "نبع السلام" يوم الأربعاء الماضي، كانت مفاجأة سرعة التجاء قيادات "قسد" التي يغلب عليها المكون الكردي إلى روسيا وحكومة دمشق للتوصل إلى تسوية تساهم في وقف الهجوم التركي.


16 أكتوبر 2019

عمان- بنفس القدر من المفاجأة التي أثارها قرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب، التخلي عن حلفاء الولايات المتحدة الأميركية في شمال شرق سوريا؛ قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مفسحاً المجال لانطلاق العملية العسكرية التركية “نبع السلام” يوم الأربعاء الماضي، كانت مفاجأة سرعة التجاء قيادات “قسد” التي يغلب عليها المكون الكردي إلى روسيا وحكومة دمشق للتوصل إلى تسوية تساهم في وقف الهجوم التركي.

هكذا، صارت النتيجة الأكثر احتمالاً للتطورات المتسارعة في شمال شرق سوريا هي نهاية مشروع “قسد” لتحقيق نوع من الحكم الذاتي، فيما تتهمها تركيا بأنها تنظيم إرهابي، وتدينها حكومة دمشق ومعارضيها على حد سواء بأنها ذات نزعة انفصالية تهدد وحدة الأراضي السورية. 

في ثنايا ذلك، يبدو الخطر الأكبر في أن تكون مآلات الصراع الحالي في شمال غرب سوريا هو وأد فرصة إنصاف الأكراد السوريين الذين عانوا عقوداً، ولاسيما منذ وصول حزب البعث إلى السلطة في سوريا العام 1963، من القمع والإقصاء، وحتى الإنكار التام لحقوق المواطنة لمئات الآلاف منهم، عقب تجريدهم من الجنسية السورية استناداً إلى إحصاء آب/أغسطس 1962. ولا يقلل من هذه المخاوف حقيقة أن “قسد” تضم عرباً وسرياناً وآشوريين أيضاً، وهي قبل ذلك لا تمثل أكراد سوريا جميعاً، بل مرّ تشكلها وتبلور مشروعها بكثير من الصدامات مع مكونات كردية سياسية على امتداد عمر الثورة السورية. 

فرصة الثورة السورية

جاء اندلاع التظاهرات الشعبية ضد حكم بشار الأسد في آذار/مارس 2011، عقب قرابة سبع سنوات على ما يُعرف بـ”الانتفاضة الكردية” التي انطلقت في 12 آذار/ مارس 2004، من مدينة القامشلي وامتدت إلى المدن والبلدات الكردية كافة، وصولاً إلى الأحياء الكردية في دمشق وحلب، وأسفرت خلال أقل من أسبوع، عن مقتل 30 شخصاً، إضافة إلى عشرات الجرحى ومئات المعتقلين، نتيجة قمع القوات والأجهزة الأمنية الحكومية وسط تكتيم إعلامي.

وتمثلت شرارة الانتفاضة بأحداث شغب في مباراة لكرة قدم بين فريق الجهاد من القامشلي وفريق الفتوة من دير الزور، يرجح أنها كانت مفتعلة، بحكم امتلاك المجموعات المهاجمة أسلحة بيضاء، وتعامل الأمن بالرصاص الحي مع الجمهور الكردي. وكان سبق ذلك حراكات شعبية وسياسية تطالب بتحسين أوضاع المنطقة كما الاعتراف بالحقوق الثقافية للشعب الكردي. 

وإذ انضم سريعاً الأكراد السوريون، الذين يمثلون ثاني أكبر قومية في البلاد، إلى الاحتجاجات، وكانت مدينة عامودا في محافظة الحسكة هي خامس نقطة تظاهر في سوريا قبل أن تتبعها باقي المدن الكردية، فقد حملت تظاهرات يوم الجمعة 20 أيار/مايو 2011 اسم “جمعة ازادي الحرية”. كما كان لاغتيال السياسي الكردي مشعل تمو في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2011، أثر في اتساع رقعة الاحتجاجات في الشارع الكردي.

لكن الثورة السورية التي مثلت فرصة لإنصاف المواطنين الأكراد بعد سنوات طويلة جداً من التنكيل، شكل فرصة مضادة لحزب الاتحاد الديمقراطي (PYD) الذي تأسس في العام 2003، ويعد الفرع السوري لحزب العمال الكردستاني (التركي) المدرج على قوائم الإرهاب الدولية، لكنه في الوقت ذاته قريب من نظام الحكم في سوريا الذي أتاح لزعيم الحزب عبدالله أوجلان، المعتقل في تركيا منذ العام 1999، حرية التنقل والعمل من خلال تدريب مقاتليه في معسكرات داخل الأراضي السورية وتحت إشراف ومراقبة الأجهزة الأمنية السورية.

فمع اندلاع الثورة السورية، أعلن حزب الاتحاد الديمقراطي عن تأسيسه جناحاً عسكرياً تحت مسمى “وحدات حماية الشعب” (YPG) بذريعة حماية المتظاهرين في المناطق الكردية، رغم اتهامها لاحقاً بمنع التظاهرات المناهضة لحكومة دمشق وقمعها في العديد من الأحيان،. علماً أن هذه الوحدات كانت موجودة منذ تأسيس الحزب، لكن على شكل خلايا سرية، يتمثل عملها في تجنيد شباب وشابات أكراد، وإرسالهم إلى الحزب الأم “العمال الكردستاني” في جبال تركيا، إلى جانب جمع تبرعات مالية أو ما تسمى باللغة الكردية ” Alîkare”، لدعم حزب العمال الكردستاني.

وقد بدت نقطة التحول في سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي على المناطق الكردية في سوريا مع سقوط أول قتيل في التظاهرات الكردية في 16 آذار/ مارس 2012 في حي المفتي بمدينة الحسكة، إذ خرج عشرات الآلاف في المدينة في اليوم التالي، لتشييع الضحية والتنديد بقتل المتظاهرين.

وبالنتيجة، انسحبت الأجهزة الأمنية السورية من المنطقة، ما سمح بسيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الذي بدأ، بدوره، بتوسيع جناحه العسكري “وحدات حماية الشعب” وتطويره وتزويده بأسلحة فردية وخفيفة كما متوسطة، وذلك عن طريق استقطاب الشباب الكرد. كما تم إنشاء جناح عسكري للمرأة حمل اسم “وحدات حماية المرأة” (YPJ) في العام 2012. 

وكان الحزب قد رفض الانضمام إلى المجلس الوطني الكردي الذي تشكل في تشرين الأول/أكتوبر 2011، وضم 11 حزباً كردياً سورياً، ارتفع عددها إلى 15حزباً قبل أن تعود إلى 13 حزباً حالياً.

وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2013، أعلن الحزب قيام “الإدارة الذاتية” لإدارة المنطقة التي تتألف من محافظة الحسكة، ومدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، ومنطقة عفرين غرب محافظة حلب.

وذلك نتيجة التقارب بين الحزب والحكومة، ولم يخلُ الأمر من حدوث تصادمات بين وحدات حماية الشعب والأجهزة الأمنية السورية في 2011، كنوع من تصادم النفوذ.

من وحدات الحماية إلى قوات سوريا الديمقراطية

مع تزايد قوة “تنظيم الدولة” (داعش) في شرق سوريا وغرب العراق تحديداً، وصولاً إلى إعلانه، في حزيران/يونيو 2014، ما سماها “دولة الخلافة” في تلك المناطق، تشكل “التحالف الدولي ضد داعش” في أيلول/سبتمبر من العام ذاته. وفيما اعتمد التحالف على قوات الجيش العراقي ومليشيات الحشد الشعبي لمواجهة “داعش” في العراق، مثلت وحدات الحماية التابعة لحزب الاتحاد الديمقراطي الحليف الرئيس في سوريا ضد التنظيم.

لكن إزاء كون وحدات حماية الشعب تتبع لحزب الاتحاد الديمقراطي التابع، بدوره، لحزب العمال الكردستاني المدرج على لوائح الإرهاب التركية والدولية، فقد تم اللجوء إلى تشكيل قوات سوريا الديمقراطية في تشرين الأول/ أكتوبر 2015، بحيث تضم بالإضافة إلى “وحدات الحماية”، فصائل عسكرية غير كردية.

وقد اعتمد الحزب على حلفائه التاريخيين من العشائر العربية، كعشيرة شمر، إحدى أقوى العشائر العربية في الجزيرة السورية، ممثلة بقوات الصناديد. وكذلك عشيرة الشرابية. إضافة إلى المجلس العسكري السرياني، وقوات سوتورو المسيحية، وفصائل أخرى من مختلف المدن والبلدات شرق سوريا.

وكان أبرز حليف عربي انضم إلى القوات في مرحلة لاحقة، هو عشيرة الشعيطات، إحدى أكبر عشائر دير الزور والتي تعرضت لمذبحة على يد “داعش”. كما انضم بعض الفصائل التي كانت مع المعارضة السورية، مثل جبهة ثوار سوريا، ولواء السلاجقة وكتيبة تركمان منبج. 

ومع النجاح في القضاء على “داعش” في آذار/مارس 2018، صارت “قسد” القوة الثانية بعد القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها على صعيد السيطرة على الأرض، بما نسبته حوالي 30% من الأراضي السورية، شملتها بما يسمى “الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا” إلى حين تقدم فصائل “الجيش الوطني السوري” بدعم تركي ضمن ما يسمى “عملية نبع السلام”، والتي دفعت “قسد” إلى السعي إلى تسوية مع روسيا ودمشق.

أي نهاية؟ 

عقب اجتماع لممثلين عن “قسد” مع مسؤولين روس في قاعدة حميميم الروسية في محافظة اللاذقية غرب سوريا، ومن دون الإعلان عن حضور أي وفد ممثل لحكومة دمشق، تم الإعلان عن اتفاق يسمح بعودة القوات والأجهزة الأمنية الحكومية إلى منطقة شرق الفرات ومنبج الخاضعة لسيطرة “قسد”. 

وفيما لم تعلن عن بنود الاتفاق بشكل رسمي، ذكر القيادي البارز في “الإدارة الذاتية” ألدار خليل، في لقاء مع الإعلام المحلي، أن خلاصة اجتماع حميميم هي اقتصار دور القوات الحكومية على الحدود، من دون المساس “في شكل الإدارات والأمن في المدن”.

في المقابل، تواردت أنباء على اشتراط روسيا ودمشق حل قوات “قسد” وإدماجها في الفيلق الخامس الذي شكلته وتشرف عليه موسكو، أسوة بمقاتلي فصائل المعارضة السورية التي كانت تنشط في مناطق مختلفة من سوريا ودخلت لاحقاً في ما يسمى “مصالحات” مع حكومة دمشق. وفيما يعني ذلك نهاية “قسد” ووحدات الحماية، لا يبدو هناك ضمانات أيضاً بشأن الاعتراف بحقوق المواطنين الأكراد في المنطقة، وإنهاء ممارسات البعث القمعية على امتداد العقود الماضية.

شارك هذا المقال