6 دقائق قراءة

ما صحة إعادة نشر قوات أميركية في شمال شرق سوريا وما سرّ التوقيت؟

قالت مصادر مدنية وعسكرية تابعة لـ"قسد" أن القوات الأميركية عادت إلى الفرقة 17 شمال الرقة الرقة، ومطار الطبقة جنوب المحافظة، وتجّهز لعودتها إلى قاعدة "خراب عشك" شرق مدينة عين العرب (كوباني)، وهي مقر شركة لافارج الفرنسية سابقاً.


باريس- في خطوة مفاجئة، بدأت القوات الأميركية، بعد منتصف أيار/ مايو الحالي، إعادة نشر قواتها في عدة نقاط شمال شرق سوريا، بحسب ما ذكرت مصادر محلية لـ”سوريا على طول”، تزامناً مع التهديدات التركية بشن عملية عسكرية في شمال سوريا لاستكمال إنشاء المناطق الآمنة بمحاذاة حدودها الجنوبية.

وقالت مصادر مدنية وعسكرية تابعة لـ”قسد” أن القوات الأميركية عادت إلى الفرقة 17 شمال الرقة الرقة، ومطار الطبقة جنوب المحافظة، وتجّهز لعودتها إلى قاعدة “خراب عشك” شرق مدينة عين العرب (كوباني)، وهي مقر شركة لافارج الفرنسية سابقاً.

وتقع مدينة عين العرب (كوباني) ضمن بنك أهداف تركيا في عمليتها العسكرية المرتقبة، إلى جانب: تل رفعت ومنبج التابعتين لمحافظة حلب، وعين عيسى التابعة لمحافظة الرقة، وتل تمر التابعة لمحافظة الحسكة.

فيما قد يكون سبب نشر قوة أميركية في نقطة بمطار الطبقة، التي تتواجد فيها قوات روسية، والفرقة 17، تحسباً “لخلوّ المنطقة من قوات دولية ضامنة ما يتيح دخول أطراف أخرى مثل: تركيا، الميليشيات الإيرانية، أو خلايا لتنظيم داعش” في حال انسحاب القوات الروسية من المنطقة، كما قال الناطق باسم لواء الشمال الديمقراطي التابع لقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، محمود حبيب لـ”سوريا على طول”.

عبّرت واشنطن عن قلقها إزاء التهديدات التركية، محذرة أنقرة من شن أي عملية عسكرية جديدة في شمال شرق سوريا، واعتبرت أنه تصعيد يعرض أرواح العسكريين الأميركيين المنتشرين في المنطقة للخطر، إلا أنها لم تعلن عن أي معلومات بخصوص إعادة نشر قواتها في المناطق التي انسحبت منها عام 2019. 

لكن، محمود حبيب، أكد المعلومات الواردة عن إعادة نشر القوات الأميركية، معتبراً أنها “ضرورية في ظل التقارب التركي الروسي، الذي قد يفضي إلى تبادل مناطق النفوذ على الأراضي السورية”، وبذلك “تلجم القوات الأميركية الأطماع التركية”، بحسب وصفه.

في مطلع الشهر الحالي، أرسلت القوات الأميركية في سوريا وفوداً عسكرية إلى مدينة عين العرب (كوباني) في ريف حلب الشمالي، ومدينتي الرقة والطبقة، وعقدت عدة لقاءات مع المجالس العسكرية التابعة لـ”قسد”، ناقشت سياستها تجاه الملف السوري، بما في ذلك إعادة الانتشار في المناطق التي انسحبت منها، وفقاً لحبيب.

وانسحبت القوات الأميركية من قواعدها في كلّ من: قاعدة “خراب عشك”، شرق عين العرب (كوباني، ومدينة منبج، شمال شرق حلب، ومن الفرقة 17 شمال محافظة الرقة، ومن مطار الطبقة جنوب المحافظة، بعد إعلان الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب، سحب قواته من سوريا في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، فيما أبقت على تواجدها في كلّ من محافظة الحسكة، وريف دير الزور الشمالي، تحت سيطرة “قسد”.

وحاولت “سوريا على طول” التواصل مع المكتب الإعلامي لقوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب، التابعة للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، للتعليق على الأنباء الواردة عن إعادة نشر القوات الأميركية شمال شرق سوريا، لكنها لم تحصل على ردّ حتى لحظة نشر هذا التقرير.

عين العرب (كوباني) إلى الواجهة

أجرت القوات الأميركية زيارة ميدانية، بعد منتصف الشهر الحالي، إلى مقر شركة لافارج الفرنسية في “خراب عشك” شرق مدينة كوباني، التي كانت قاعدة أميركية قبل الانسحاب في عام 2019، لتباشر “آليات هندسية أعمال الصيانة بعد تلك الزيارة”، وفقاً لرئيس المنظمة الكردية لحقوق الإنسان في سوريا (DAD)، برادوست كمالي، المقيم في عين العرب (كوباني).

وقال كمالي لـ”سوريا على طول” في 22 أيار/ مايو الحالي، إن “أعمال الصيانة كانت خارج السور الشرقي للشركة”، على أن يكون المكان “مهبطاً للطيران العسكري، وليس مجرد نقطة عسكرية”، موضحاً أن “القاعدة لم تدخل الخدمة بعد”.

سيارتان تقفان عند مقر شركة لافارج الفرنسية في “خراب عشك” شرق عين العرب (كوباني)، 25/ 5/ 2022 (سوريا على طول)

وتتوقع مصادر مدنية من عين العرب (كوباني) تحدثت لـ”سوريا على طول” أن تنعكس عودة القوات الأميركية إلى المنطقة إيجاباً على المنطقة، بعد أن تدهورت الحياة اقتصادياً وأمنياً نتيجة الانسحاب الأميركي ودخول القوات الروسية إليها.

وقال كمالي إن “الحياة المعيشية فترة الوجود الأميركي كانت جيدة”، نتيجة لـ”شعور الناس بالارتياح، وممارسة أعمالهم من دون خوف”، إضافة إلى “حركة البناء ودور المنظمات الإنسانية آنذاك”، لكن دخول القوات الروسية أثّر على المنطقة من عدة جوانب، خاصة الاقتصادية والأمنية، حيث “توقفت حركة البناء، وغادرت المنظمات الدولية”، إضافة إلى “تعرض المنطقة للاستهداف من الجيش التركي”، بحسب قوله. 

وبعد أكثر من سنتين على “التأهب والاستنفار الدائمين”، خلقت أخبار عودة القاعدة الأميركية حالة من “الارتياح بين الناس أملاً بتحسّن المنطقة، ووضع حد للقصف التركي المتكرر” وفق كمالي.

وجاءت الخطوات الأميركية الأخيرة تنفيذاً لوعود إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن، الذي “أكد على لسان مسؤوليه بالحفاظ على قسد ودعماً لها في محاربة الإرهاب”، بحسب القيادي محمود حبيب، الذي أشار إلى أن الانتشار الأميركي سيكون جزئياً، ولكنه “تدارك لخطأ الإدارة الأميركية السابقة المتمثل بالانسحاب”.

ورغم عمل القوات الأميركية على تأهيل قاعدتها في “خراب عشك”، إلا أن القوات الروسية لم تغادر المنطقة، على عكس الأنباء الواردة بانسحاب قواتها بعد غزوها لأوكرانيا، كما قال برادوست كمالي، الذي نفى أي انسحاب للروس من عين العرب (كوباني) وريفها، وعين عيسى وريفها، مؤكداً “تسيير دورية مشتركة روسية- تركية بدءاً من قرية غريب على بعد 15 كيلومتراً شرق كوباني، إلى قرية بندرخان في ريف تل أبيض الغربي على الحدود السورية التركية”، في 23 أيار/ مايو الحالي.

صراع النفوذ

قبل منتصف أيار/ مايو الحالي، أعلنت الولايات المتحدة عن السماح ببعض الاستثمارات الأجنبية في شمال سوريا من دون أن تخضع لقانون العقوبات الأميركية، المعروف بقانون “قيصر”، بهدف دعم المناطق التي كانت تحت سيطرة تنظيم “داعش” سابقاً، التي تسيطر على معظمها قوات “قسد” حالياً.

وكشفت مساعدة وزير الخارجية الأميركية بالوكالة، فيكتوريا نولاند، في 11 أيار/ مايو الحالي، عن نية واشنطن إصدار رخصة عامة تحرر الشركات من قيود العقوبات الأمريكية، وأنها ستصدر رخصة عامة لتسهيل الاستثمار الاقتصادي الخاص في المناطق غير الخاضعة عن سيطرة النظام، و”المحررة” من تنظيم “داعش”، ما يعني أن القرار يشمل بعض مناطق سيطرة الجيش الوطني السوري (المعارض) المدعوم من تركيا، في ريف حلب الشمالي.

يشير هذا القرار، وتالياً الأنباء الواردة عن إعادة واشنطن نشر قواتها في شمال شرق سوريا، إلى سعي الولايات المتحدة الأميركية تعزيز وجودها في شمال شرق سوريا، خاصة بعد الغزو الروسي لأوكرانيا، وفق الكاتب والمحلل السياسي، نور الدين عمر، المقيم في مدينة القامشلي، معتبراً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن الخطوة الأميركية تأتي في سياق “الضغط على روسيا، ومحاولة ملئ الفراغ المحتمل بعد انسحاب قطاعات عسكرية روسية من سوريا إلى أوكرانيا”.

ومع تأكيده على أن قرار واشنطن وتحركاتها الأخيرة هي “للضغط على روسيا وإيران”، أشار عمر إلى أن قرار رفع العقوبات عن مناطق “قسد” يهدف إلى “منع استغلال الظروف المعيشية في مناطق الإدارة الذاتية من أي طرف”، ومن ذلك “عدم السماح لتنظيم داعش بتجنيد عناصر لهم في المنطقة مستغلين حاجة السكان”.

ورغم وجود تنسيق بين قوات “قسد” والقوات الروسية التي دخلت إلى المنطقة بعد عملية “نبع السلام” العسكرية التركية، التي أطلقتها في تشرين الأول/ أكتوبر 2019، واستمرار المباحثات على الصعيد السياسي بين وفود الإدارة الذاتية وموسكو، إلا أن “قوات سوريا الديمقراطية لا تزال الحليف الرئيس للولايات المتحدة الأميركية”، كما قال الباحث الروسي كبرييل سيمينوف، الخبير في مجلس الشؤون الدولية الروسية (RIAC).

وانتهت عملية “نبع السلام” باتفاق أمريكي- تركي قضى بوقف العملية العسكرية، وآخر روسي- تركي، سمح بنشر الشرطة العسكرية الروسية وحرس الحدود التابع للنظام على طول الحدود السورية، خارج المناطق التي سيطرت عليها أنقرة في العملية، وبعمق 30 كيلومتراً، لكن اليوم “لن تنزعج موسكو من أي استهداف تركي لقوات قسد”، وفقاً لسيمينوف، معتبراً أنه “ليس من مصلحة روسيا أن تتأثر علاقتها مع تركيا حالياً”.

وأضاف سيمينوف: “ستتعامل موسكو مع العملية العسكرية التركية المحتملة ضد قسد بتفهّم أكبر مما كانت عليه قبل بضعة أشهر، أي قبل بدء العملية العسكرية في أوكرانيا”.

ومع “جديّة التهديدات التركية على مناطق شمال وشرق سوريا” من جهة، وإمكانية “استغلال إيران والنظام السوري لأي فراغ قد يتركه الروس في شمال شرق سوريا، رجّح الباحث عمر أن “تعزز واشنطن وجودها بشكل أكبر في الفترة المقبلة بمناطق شمال وشرق سوريا”، وهو ما أكده القيادي محمود حبيب، معتبراً أن واشنطن ستقطع الطريق أمام دمشق وطهران، وستمنع “أي محاولة منهما لاختراق المنطقة كطرف جديد”، ورسالة إلى أنقرة “لعدم تغيير خطوط التماس الحالية”.

شارك هذا المقال