5 دقائق قراءة

“متلازمة الهرس” والسرطان: الزلزال يضرب القطاع الصحي في إدلب ويكشف عجزه

إلى جانب آلاف الجرحى والقتلى، كشف الزلزال عجز القطاع الطبي في إدلب، ووضعه أمام تحديات جديدة، خاصة مع تسجيل إصابات بـ"متلازمة الهرس"، وعدم قدرة مرضى السرطان على استئناف علاجهم في تركيا بعد إغلاق الأخيرة حدودها.


23 فبراير 2023

إدلب- كشف الزلزال، الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، في السادس من شباط/ فبراير الحالي،  عجز القطاع الطبي في محافظة إدلب وأجزاء من محافظتي حلب واللاذقية، الواقعة تحت سيطرة هيئة تحرير الشام، التي يقطنها أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون داخلياً، ووضع القائمين عليه أمام تحديات جديدة، زاد من حدّتها استمرار تركيا في إغلاق حدودها أمام الحالات المرضية.

نشرت إدارة معبر باب الهوى، اليوم الخميس، عبر مجموعات داخلية، تعميماً قالت فيه أن دخول المرضى السوريين إلى الجانب التركي ما زال متوقفاً، ما يعني حرمان العديد من المرضى، من قبيل مرضى السرطان، من استكمال علاجهم، كما في حالة ختام المصطفى (اسم مستعار)، 32 عاماً، المصابة بسرطان القولون.

حصلت المصطفى على خمس جلسات علاج بالأدوية الكيميائية في مشفى الدولة بمدينة أنطاكية جنوب تركيا، إحدى أكثر المدن التركية تضرراً من زلزال السادس من شباط/ فبراير، آخرها في مطلع كانون الثاني/ يناير 2023، وتنتظر إعادة فتح معبر باب الهوى أمام المرضى لاستكمال جلسات علاجها” قبل فوات الأوان”، كما قالت لـ”سوريا على طول”.

ومن التحديات التي واجهت القطاع الطبي في إدلب، إصابة العديد من العالقين تحت الأنقاض بمتلازمة “تناذر الهرس”، وحاجتهم لـ”غسيل الكلى”، إضافة إلى “نفاد المخزون الطبي، من الأدوية والمستهلكات الطبية، بشكل شبه كامل” بسبب أعداد المصابين، كما أوضح الدكتور زهير القراط، مدير صحة إدلب لـ”سوريا على طول”.

بلغ عدد الضحايا في عموم سوريا 3697 قتيلاً، و14814 جريحاً، منهم 2277 قتيلاً و12400 جريحاً في مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام، شمال غرب سوريا، ناهيك عن تعرض مئات الأبنية لدمار كلي أو جزئي. وبعد حدوث الزلزال المدمر، أبدت مديرية صحة إدلب، باعتبارها الجهة المسؤولة طبياً عن أكثر المناطق المتضررة من الزلزال في سوريا، عجزها عن الاستجابة الطبية اللازمة للكارثة.

ومما زاد الوضع سوءاً، عدم استجابة وكالات الأمم المتحدة، حتى اليوم الخامس من الكارثة، واكتفت بتقديم مساعدات طبية “بشكل خجول”، وفقاً للدكتور القراط، مشيراً إلى أن “المستهلكات الطبية اللازمة للعمليات الجراحة، وخاصة العظمية والعصبية، وكيتات [المواد اللازمة] غسيل الكلى، تمثل أكبر الاحتياجات، بالإضافة الى أدوية التخدير وتجهيزات العناية المركزة”.

ما هي متلازمة “الهرس”؟

تعتبر متلازمة الهرس (Crush Syndrome) من أكثر المضاعفات المرضية للناجين، الذين تم انتشالهم من تحت الأنقاض، نتيجة انحلال العضلات والتلف الشديد في أنسجتها، ما يؤدي إلى تسرب المواد السامة من داخل الخلايا العصبية إلى الدم، وما هذه السموم “أنزيم الميوغلوبين”، الذي قد يؤدي إلى قصور كلوي حاد، كما أوضح لـ”سوريا على طول”، الدكتور وسيم زكريا، رئيس المجلس العلمي للأمراض الباطنة في الهيئة السورية للاختصاصات الطبية، من مكان إقامته في ريف إدلب.

ومن المواد السامة الأخرى، التي تصيب الناجين من الزلزال “شاردة البوتاسيوم”، ويؤدي ارتفاع نسبتها بمستويات كبيرة إلى توقف القلب، وفقاً للدكتور زكريا.

تنتج متلازمة الهرس عن “انضغاط أعضاء الجسم والعضلات تحت الأشياء الثقيلة، كما في الزلزال، لأكثر من 4 ساعات متواصلة، وتزداد فرص الإصابة كلما طالت المدة الضغط”، بحسب الدكتور زكريا.

منذ حدوث الزلزال، شخّص الدكتور زكريا أكثر من 60 حالة قصور كلية حاد، من مجمل الإصابات التي وردت إلى مستشفى القدس، في مدينة الدانا شمال إدلب، 30 حالة منها تحتاج الى غسيل كلية إسعافي، كما قال، بحيب يبدأ علاج معظم المصابين “على يد طبيب الجراحة لمعالجة الكسور والجروح، بالتوازي مع تدخل طبيب الداخلية لمعالجة المشكلات المتعلقة بالكلية والشوارد”.

عادة، يتضمن علاج متلازمة “الهرس” تسريب السوائل الوريدية، حتى تساعد الجسم على التخلص من المواد السامة التي تسربت من الخلايا العضلية، وقد يشمل العلاج إجراء غسيل دموي للكلى (الديال الدموي)، وهو إجراء يقوم فيه جهاز كهربائي طبي بوظيفة الكلية، يضخ الدم خارج الجسم ويرشّحه، ثم يعيده إلى الجسم، بحسب الدكتور زكريا، لافتاً إلى أن بعض المرضى قد يخضعون إلى غسيل كلية دموي 3 مرات أسبوعياً.

لأول مرة، يشهد القطاع الطبي في شمال غرب سوريا، ضغطاً لهذا الحد، في عدد المراجعين لأجل غسيل الكلى، كما قال الدكتور زكريا، وأحياناً “يكون المريض على جهاز التنفس الاصطناعي، وبنفس الوقت يحتاج إلى جلسة غسيل كلية”. ناهيك عن أن “نقل المرضى إلى مراكز غسيل الكلى، خلال كارثة الزلزال، شكّل تحدياً أساسياً، لعدم جاهزية سيارات الإسعاف” بحسب الطبيب.

يتوفر في محافظة إدلب ثمانية مراكز لغسيل الكلى، كانت تؤمن احتياجاتها من المنظمات المحلية، “على شكل منح وهبات، وقسم منها عن طريق منظمة الصحة العالمية”، وفقاً للدكتور زهير القراط.

وفي إطار استجابتها الطارئة لتزايد أعداد المرضى بفعل الزلزال “اضطرت بعض المراكز إلى استعارة المواد من مراكز أخرى، كما فعل مركز ابن سينا لغسيل الكلية في مدينة إدلب”، كما أوضح طه طقيقة، مدير مركز ابن سينا لـ”سوريا على طول”.

حالياً، يعمل مركز ابن سينا على مدار 24 ساعة، لإجراء جلسات غسيل الكلى، بحسب طقيقة، متوقعاً أن يضطر المركز إلى إجراء “أكثر من 1800 جلسة غسيل شهرياً، مع استمرار تحويل حالات جديدة إلى المركز”.

قبل حدوث الزلزال، كان يخدم مركز ابن سينا 200 حالة غسيل كلى، ومنذ زلزال السادس من شباط/ فبراير الحالي، تم تحويل 25 حالة جديدة له، كما أوضح طقيقة، مشيراً إلى أن “بعض مرضى متلازمة الهرس قد يحتاجون إلى جلسة يومياً أو ثلاث جلسات أسبوعياً على أقل تقدير”.

تدعم منظمة الصحة العالمية مركز ابن سينا بـ1300 جلسة غسيل كلى شهرياً، وهو أقل من احتياج المركز بـ300 جلسة، وتقدم المواد كل ثلاثة أشهر، بحسب طقيقة، مشيراً إلى أن “مخزون المركز من الجلسات نفد لمدة شهرين قبل حدوث الزلزال”.

في بلد يعيش أكثر من 90% من سكانها تحت خط الفقر، لا يمكن لمريض الفشل الكلوي، الناتج عن الزلزال أو مضاعفات مرضية أخرى، تحمل تكاليف غسيل الكلية على نفقته الخاصة، إذ تبلغ تكلفة الجلسة الواحدة للمريض من 35 إلى 50 دولار أميركي، وفقاً لطقيقة، وهي “جلسات لا يمكن للمريض الاستغناء عنها طيلة حياته، كما لا يمكنه التأخر عن إجرائها في وقتها المحدد”.

ومع أعداد مرضى غسيل المتزايد بعد الزلزال، يجب “زيادة الدعم والاهتمام بمراكز غسيل الكلى”، كما شدد طقيقة، مشيراً إلى أن “كل مركز من مراكز إدلب المخصصة لغسيل الكلى استقبل 30 مريضاً إضافياً بعد حدوث الزلزال، كمعدل وسطي”.

مرضى السرطان إلى الواجهة

تسكن ختام المصطفى مع أطفالها الأربعة في مخيمات بلدة كللي، بريف إدلب الشمالي، وتحتاج إلى جلسات علاج كيميائية غير متوفرة في إدلب، لذلك كانت تتلقى العلاج في تركيا، وتنتقل إليها عبر معبر باب الهوى الحدودي.

منذ اليوم الأول للزلزال، أعلن معبر باب الهوى عن توقف استقبال الحالات المرضية من الجانب التركي، ما شكّل قلقاً وخطراً على حياة أصحاب الأمراض المزمنة، كما في حالة ختام، التي وجدت نفسها عاجزة عن استكمال علاجها وفق الكورس العلاجي الذي قرره الأطباء الأتراك، وتأمل الحصول على الجرعة السادسة، المقررة في مطلع آذار/ مارس المقبل.

يوجد في إدلب مركز واحد للمعالجة الكيميائية والمناعية لمرضى السرطان، وهو قسم من بناء مشفى إدلب المركزي “مشفى المحافظة”، ويوفر هذا القسم العلاج لستة أنواع سرطانية بشكل مجاني، لكنه لا يوفر العلاج الكيميائي أو الشعاعي أو المناعي “المكلف مادياً”، كما قال الدكتور أيهم جمو، رئيس القسم، وأخصّائي أورام الدم لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “الأزمة تضاعفت بسبب قلة عدد الأخصائيين بالأمراض السرطانية”.

منذ حدوث كارثة الزلزال، يعاني المركز من “ضغط شديد”، نتيجة “مراجعة مرضى الأورام، الذين كانوا يتلقون العلاج في المستشفيات التركية”، بحسب الدكتور جمو. خلق هؤلاء المرضى حالة من الإرباك، خاصة أن مركز إدلب “لا يوجد لديه السيرة المرضية للمرضى، ولا معلومات عن اسم الجرعة الكيميائية ونوعها وكميتها”، على حد قوله.

أمام تداعيات الزلزال على القطاع الطبي في كلا البلدين المتضررين -تركيا وسوريا- لا بد من إيجاد حلول سريعة لتأمين العلاج الكيميائي لمرضى السرطان، العالقين في الجانب السوري. ومن دون ذلك، “قد يعاني المرضى من انتكاسة حالتهم، ما يهدد حياتهم”، بحسب الدكتور جمو.

شارك هذا المقال