4 دقائق قراءة

مسعف كان محتجزا بين ركام مستشفى في حلب: رأيت أناساً تلفظ أنفاسها الأخيرة ولم أستطع أن أقدم شيئاً لهم

كان تيسير طيبة، وهو مسعف في ريف حلب الغربي، جالساً […]


4 أغسطس 2016

كان تيسير طيبة، وهو مسعف في ريف حلب الغربي، جالساً في غرفة الإدارة في الطابق الأرضي لمستشفى كفر حمرة في 14 تموز، حين “بدأ أثاث المكتب يتساقط علينا” كما سرد المسعف لبهيرة زرير، مراسلة في سوريا على طول.

وكان طيبة في زيارة لمستشفى كفر حمرة، والذي يبعد نحو 10 كم شمال غرب حلب، برفقة مدير صحة حلب الحرة وكادر المستشفى حين أمطرتهم الغارات الجوية بالصواريخ الفراغية والعنقودية والبراميل المتفجرة وبدأت تتساقط على مبنى المستشفى.

وذكرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان أن الطيران الحربي الروسي قصف مستشفى كفر حمرةفي 14 تموز. كما ذكرت مصادر إخبارية محلية في اليوم ذاته أن الطائرات الحربية ألقت 25برميلاً متفجراً، و40صاروخاً فراغيا، وقنابل عنقودية و150صاروخا مدفعياً على المستشفى، مما أخرجه عن الخدمة، فيما لم يذكر الإعلام الحكومي الرسمي شيئاً عن هذا الهجوم.

 تيسير طيبة وهو يجري الإسعافات الأولية لرضيع. حقوق نشر الصورة لـ تيسير طيبة

ودمر القصف الطوابق الخمسة للمستشفى، مما أدى إلى مقتل ثمانية من المراجعين وإصابة ستة من المسعفين وفق ما قال طيبة.

واحتجز طيبة وهو أب لثلاثة أطفال داخل قبو المستشفى لساعتين بسبب الغارات المستمرة على المبنى وأمامه أناس تلفظ أنفاسها الآخيرة وهو مكتوف اليدين بعد أن دمرت معدات المستشفى.

ماذا كنت تفعل حين تم استهداف مستشفى كفر حمرة في ريف حلب الغربي؟

الساعة الواحد ظهراً تقريباً، عندما تم استهداف المستشفى في الغارة الأولى كنا نجلس في غرفة الإدارة بالطابق الأرضي للمستشفى، سمعنا صوت انفجار قوي جداً، وبدأ أثاث المكتب يتساقط علينا. علمنا أنها غارة من الطيران الحربي بعد أن سمعنا صوتها.

وماذا تصرفتم بعد الغارة؟

بعد الغارة توجهنا فوراً إلى الملجأ وفيه غرف العمليات وغرف منامة للمرضى، وبدأنا نقوم بإسعاف بعض الجرحى الذين أصيبوا بالغارة الأولى، وما إن بدأنا أغارت علينا الطائرة مرة ثانية وثالثة ورابعة حيث انطفأت الأنوار بالمستشفى نتيجة احتراق المولد الكهربائي، وبدأنا نتخبط ولم نعد نستطيع أن نفعل أي شيء، فأخذنا قراراً بإخلاء المستشفى وما إن بدأ قسم من الأشخاص بالخروج وإذ بطائرة ثانية تعود وتغير على المستشفى بأربع غارات متتالية أدت إلى دمار الطرف الشمالي للمستشفى، وأغلقت علينا أبواب المستشفى نتيجة الدمار والركام، وأصيب قسم كبير من طاقم المستشفى. قمنا بسحب المصابين إلى الملجأ ولم نستطع تقديم أي شيء لهم نتيجة الإرتباك والخوف وتدمير معظم معدات الإسعاف، حيث سقط أثناء القصف ثمانية شهداء مدنيين كانو مراجعين وأصيب ستة مسعفين من العاملين في المستشفى، جلسنا في الملجأ ننتظر مصيرنا وقد أصبحنا محاصرين وبدأت تنهال علينا حمم الطائرات وقذائف المدفعية والصواريخ لا نسمع سوى أصوات القصف وأصوات الركام فوقنا وبقينا على هذا الحال لساعتين ونصف إلى أن خرج أحد المسعفين إلى الطابق الأرضي وبدأ يصرخ أنه يوجد ثغرة خلفها القصف في أحد الجدران يمكننا الخروج منها فركضنا مسرعين ومعنا بعض المصابين إصابات خفيفة ويمكنهم الركض علما أن القصف مستمر، ولم يهدأ لدقيقة واحدة، وبدأنا بالخروج واحداً تلو الآخر وبقي المصابين بإصابات كبيرة ولا يستطيعون المشي والركض وهم مرضى مقيمين بالمستشفى منذ أيام.

بعد أن خرجتم عبر ثغرة في جدار الطابق الأرضي، إلى أين كانت وجهتكم؟

ما إن أصبحنا خارج المستشفى سقطت قذيفة صاروخية بيننا ونحن نركض. أصيب صديقي بجانبي فحملناه وركضنا إلى أقرب بناء جانب المستشفى ولحسن حظنا أيضا يوجد ملجأ بالمبنى، هرولنا إليه مسرعين واختبأنا فيه، وكان يوجد فيه مدنيين مرتبكين مثلنا وجلسنا نواسي بعضنا والقصف على المستشفى والغارات الجوية مستمرة وكأنها قامت القيامة بالقرب منا.

بقينا مختبئين حوالي الساعتين ولم يهدأ القصف. وبدأت القذائف تنهال على مبنى المدنيين الذي نحن مختبأين فيه فقررنا أن نذهب إلى مكان آخر حملنا المصاب وبدأنا نركض الى مكان آمن نوعا والقذائف تتساقط حولنا، الى إن وصلنا الى مستشفى ثاني مختص بالأطفال والنسائية والمستشفى في كفر حمرة أيضاً ولا يبعد كثيراً عن المستشفى اللذي تم تدميرة.

وضعنا المصاب واستلقينا لنأخذ قسطاً من الراحة وننظر إلى بعضنا البعض ماذا حل بنا وماذا سوف نفعل؟ إلى أن استطعنا أن نتواصل مع أصدقائنا حيث أرسلوا لنا السيارات وخرجنا من المنطقة. نعم لقد استطعنا أن نخرج بمعجزة إلهية ولم نستطع إخراج المصابين والجرحى والمرضى المقيمين بمستشفى كفر حمرة، إلا بعد خمس ساعات بسبب شدة القصف بعد أن جاءت فرق الدفاع المدني وأخرجوا من تبقى من مصابين وشهداء، وأثناء انتشال المصابين اصيب 5 اشخاص من الدفاع المدني والمسعفين نتيجة القصف المتواصل على المنطقة الذي دمر كل طوابق المستشفى، ولم يبق سوى الملجأ علماً أن المستشفى يتألف من خمسة طوابق مدعومة بالإسمنت المسلح.

كيف كان شعورك وأنت في القبو والركام يتساقط من فوقك ومن حولك الجرحى والقتلى؟

كنت خائفاً. ولولا وجود أناس معي لكنت شعرت بأني متت وكان الخوف والإرباك لا محال منه بسب الظلام الدامس والغبار التي كادت أن تقطع أنفاسنا، والإرباك الأكثر الذي حصل بيننا بسبب وجود جرحى ومصابين نتيجة القصف ولم نستطيع أن نقدم لهم شيئا. وقفت عاجزاً عن مساعدة مصاب كان بحاجتي وكنت أرى أناسا تلفظ أنفاسها الاخيرة أمامي ولم أستطع أن أقدم لهم شيئا.

بعد نجاتك من الموت بأعجوبة إلهية كما ذكرت، هل ستستمر في عملك؟

طبعاً نحن مستمرون بعملنا الإنساني لتقديم الخدمات الطبية وإسعاف الجرحى والمصابين جراء الحرب الدائرة في سورية رغم كل المخاطر التي تحدق بنا وتطاردنا أينما ذهبنا، ولكن هذا قدرنا ومستمرون إن شاء الله، ولن أترك عملي الذي أحبه. أشعر بالسعادة عندما أقدم المساعدة لأي مصاب لأني أخدم وطني وابنائه بعد تخاذل الجميع عن مساعدته.

هل تتقاضى راتبا في عملك كمسعف في المنظومة الإسعاف؟

نعم أتقاضى مبلغ 200 دولارا ولكن ليس دائماً، حسب ما يتوفر في صندوق المديرية، وكذلك معظم عناصر منظومة الاسعاف، ولكن منذ شهر تشرين الثاني في السنة الماضية إلى اليوم لم تقدم لنا مديرية الصحة أي راتب.

ماهو رأيك باستهداف النقاط الطبية كونك ضمن الكادر الطبي؟

استهداف المشافي والاطباء والنقاط الطبية وسيارات الاسعاف، تعتبر جريمة حرب وعلى منظمات حقوق الإنسان والمجتمع الدولي ومنظمة الصحة العالمية تحمل مسؤولياتهم تجاه هذا الموضوع.

 

ترجمة: فاطمة عاشور

 

شارك هذا المقال