7 دقائق قراءة

مع خروج تنظيم الدولة من دير الزور، كيف يمكن لقبائل شرق سوريا أن تتخطى الدماء والنزاعات القديمة؟

قياديو قوات سوريا الديمقراطية يجتمعون مع زعماء عشائر دير الزور […]


10 سبتمبر 2018

قياديو قوات سوريا الديمقراطية يجتمعون مع زعماء عشائر دير الزور في ١٥ آب. تصوير: قوات سويا من الجبهة.

 

تم القضاء على تنظيم الدولة بشكل كامل تقريباً، في صحراء محافظة دير الزور شرقي سوريا، وطرده من البلدات الريفية الهادئة التي كان يسيطر عليها والممتدة على طول نهر الفرات.

وبعد هجومين عسكريين كبيرين في العام الماضي – أحدهما من قبل الحكومة السورية وحلفائها، والآخر من قبل قوات سوريا الديمقراطية ذات الغالبية الكردية المدعومة من جانب الولايات المتحدة والتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة – اقتصر ما تبقى من “خلافة” التنظيم في سوريا على منطقة صحراوية فارغة والقليل من القرى المحاصرة بالقرب من الحدود العراقية.

وبينما تغيرت ألوان خريطة معركة دير الزور بشكل كبير منذ الهزيمة شبه الكاملة للتنظيم، تركت المجموعة المتشددة وراءها آثاراً اجتماعية عميقة من المحتمل أن تدوم لعدد من السنوات قادمة.

وقسم التنظيم العشائر المحلية وسيطر عليها لسنوات، حيث عقد تحالفات مع بعضها بينما ارتكب المجازر بحق عشائر أخرى، واليوم يواجه رجال العشائر في المنطقة الآثار التي خلفها التنظيم، وبالنسبة للبعض، هذا يعني العدد المتزايد من جرائم القتل والانتقام والنزاعات العائلية حيث تسعى العشائر المحلية للانتقام من انتهاكات حقوق الإنسان المرتكبة في ظل التنظيم.

ويتسبب العنف العشائري بخطر زعزعة الاستقرار في شرق سوريا لسنوات قادمة، حتى لو أصبحت خطوط القتال خامدة هناك، بحسب ما قاله الدكتور حيان دخان، باحث سوري، متخصص في دراسة العلاقة بين الدولة والقبائل البدوية في سورية منذ أواخر الفترة العثمانية الى مرحلة الحرب، وحاصل على شهادة الدكتوراه من مركز دراسات سوريا في جامعة سانت أندروز في اسكوتلندا.

وقال دخان لمراسلة سوريا على طول، مادلين إدواردز “عندما انهار التنظيم كانت هناك مخاوف من عدم وجود سلطات حاكمة في دير الزور. إن غياب سلطة الدولة يمكن أن يؤدي إلى نزاعات قبلية”.

وتحدث الدخان مع سوريا على طول في العام الماضي، قبل سقوط التنظيم في دير الزور، حول مخاوف استمرار العنف القبلي حتى بعد هزيمة المجموعة.

واليوم، يخشى دخان من أن يتم تنفيذ النمط التقليدي للعدالة في النظام العشائري في المحافظة نظراَ لكمّ الدماء التي أريقت خلال السنوات العديدة الماضية من الحرب.

وقال دخان “عندما أفكر في المجازر واسعة النطاق التي وقعت أثناء الحرب، أخشى أن تتعامل العدالة القبلية التقليدية مع مواقف لم تعالجها من قبل”.

في المرة الماضية التي تحدثنا فيها، قلت إن أحد مخاوفك الرئيسية هو احتمال حدوث نزاعات داخل العشائر بعد انسحاب التنظيم من دير الزور، كنوع من تسوية الحسابات بين القبائل. والآن بعد أن اختفى التنظيم من معظم مناطق دير الزور، هل نشهد تحقق أي من هذه المخاوف؟

عندما انهار التنظيم كانت هناك مخاوف من عدم وجود سلطات حاكمة في دير الزور، إن غياب سلطة الدولة يمكن أن يؤدي إلى نزاعات قبلية.

إننا نشهد بالفعل إلى حد ما بعض الاغتيالات، وبعض النزاعات بين العائلات في دير الزور، والتي لم تتصاعد إلى نطاق أوسع. بالطبع، كان هناك الكثير من الخلافات العائلية خلال الحرب على مدى السنوات القليلة الماضية حيث قررت عائلات معينة [سن قانون انتقامي].

خلال الثورة التي تحولت إلى حرب، انقسمت القبائل إلى عشائر متنافسة وكانت العشائر مفككة كذلك، وهناك الكثير من النزاعات والخلافات الصغيرة على مستوى العائلة، لكن إذا انهارت السلطات الحاكمة في دير الزور، عندها يمكن أن نشهد صراعات واسعة النطاق تحدث في المنطقة.

كما يمكن أن تبدأ فكرة الثأر بالظهور في غياب أي سلطة حاكمة في دير الزور في المستقبل.

ما الذي ينبغي أن يحدث الآن لوقف هذه الأنواع من العقوبة؟

يجب أن نتذكر أنه لا زال هناك بعض الأشخاص الذين يتعاطفون مع التنظيم في دير الزور والرقة والعديد من الأجزاء الشرقية من البلاد، وأن هؤلاء الأشخاص يمكن أن يعملوا كخلايا نائمة على المدى الطويل، لتمكين التنظيم من تعزيز وجوده مرة أخرى في الجزء الشرقي من سوريا.

هذا هو السبب في أن جزء من السؤال حول ما يمكن عمله لتحقيق الاستقرار في الجزء الشرقي من سوريا – بصرف النظر عن العرف أو القانون العشائري – أو حملة عسكرية على الأرض، هو أن يكون هناك حملة أيديولوجية كذلك.

يجب أن يكون هناك نوع من العمل المنظم، سواء في المناطق التي يسيطر عليها النظام أو في مناطق قوات سوريا الديمقراطية، التي تحاول تخليص الشباب مما تعرضوا له من غسيل لأدمغتهم لسنوات عديدة، بحيث يقتنعون أن ما عاشوه لفترة طويلة لا يمثل في الواقع الصورة الحقيقية للإسلام.

ذكرت سابقاً أن التنظيم نجح في نشر أيديولوجيته الدينية في دير الزور، إلى أي مدى نجح بذلك؟ هل ما زلنا نرى دليلاً على هذا اليوم؟

علينا أن نعترف بأن تنظيم الدولة يستخدم، إلى حد كبير، القوة وغيرها من الوسائل لتجنيد أفراد من العشائر للإيمان بمعتقداته، أو متابعته أو القتال إلى جانبه.

عندما أتحدث عن الأشخاص الذين تم غسل أدمغتهم، أتحدث عن أقلية صغيرة لا تزال موجودة في المجتمع، والتي قد تمكن في الواقع على المدى الطويل التنظيم من النهوض مرة أخرى.

لكن عدداً كبيراً من العشائر انحاز إلى تنظيم الدولة بناءً على أسباب براغماتية، ربما تحاول تجنب مصير مماثل لما واجهته عشيرة الشعيطات في دير الزور.

[في آب 2014، قمع التنظيم انتفاضة عشيرة الشعيطات بوحشية في قرية صغيرة جنوب شرق مدينة دير الزور، وجمع التنظيم أكثر من 700 شاب من قبيلة الشعيطات في الصحراء، وقاموا بتصوير أنفسهم وهم يقومون بقتل شباب قبيلة الشعيطات وإطلاق النار عليهم، ولا تزال تلك العملية أكبر عملية قتل جماعي موثقة ارتكبها تنظيم الدولة طوال تاريخه الدموي].

وإذا كنا نريد تحقيق الاستقرار على المدى الطويل، فإن وجود حرب أيديولوجية هو أمر مهم للغاية، ربما على نفس القدر من الأهمية مثل الحملة العسكرية ضد التنظيم نفسه.

ومن أجل تحقيق نوع من الاستقرار السياسي، سوف نحتاج إلى تحسين الوضع الاقتصادي، وخلق الفرص للمناطق التي ثارت ضد النظام في عام 2011 لأسباب اقتصادية. [التي تضررت قبل الحرب وتأثرت من قبل إزالة النظام الدعم على المنتجات الزراعية والعلفية للماشية، وإذا لم يتحسن الوضع الاقتصادي فمن الممكن أن تكون هذه المجتمعات مؤهلة للثورة ضد النظام [مرة أخرى].

ماذا عن المدى القصير؟ لقد ذكرت في وقت سابق أن العرف أو القانون القبلي التقليدي يمكن أن يكون أحد السبل لاستعادة السلام في ريف دير الزور، كيف يمكن أن يتم ذلك؟ هل يمكن أن يملأ أي نوع من الفراغ، لا سيما أن قوات سوريا الديمقراطية تبقى بعيدة من النزاعات القبلية؟

العرف هو قانون قبلي تقليدي موروث، مرّ من جيل إلى آخر عبر التاريخ. زعماء القبائل أو شيوخ العشائر لديهم نوع من المجلس يلتقون فيه ويحاولون مناقشة أي نزاعات تنشأ بين قبيلتهم وأي قبيلة أخرى، ومحاولة معرفة ما إذا كانت هناك أي [تقليد سابق] من تقاليدهم يمكن أن تحل المشكلة.

حتى قبل أن تبدأ الحرب إذا كان هناك، على سبيل المثال، جريمة شرف، فإن العرف كان هو العامل المهيمن في حل مثل هذه الجريمة.

لكن خذ بعين الاعتبار ما حدث لعشيرة الشعيطات في عام 2014، لقد كان شكلاً من أشكال الإبادة الجماعية، حيث أقدم التنظيم على قتل أكثر من 700 شخصاً من قرية واحدة، ثم قاموا بتشريد باقي أفراد العشيرة إلى خارج المناطق التي يسيطر عليها التنظيم.

لست متأكداً إذا كان هناك أي شيء في العرف يمكنه حل مثل هذه المشكلة.

هذا بسبب عدم وجود تقليد سابق في تقاليد العرف، فليس هناك شيء من الماضي أو من الأعراف التقليدية للمقارنة مع مستوى المجازر التي شهدناها على مدار الحرب؟

نعم بالضبط، أعتقد أن العرف يلعب دورًا، لكن دوره محدود عندما تفكر في المجازر واسعة النطاق التي وقعت خلال الحرب، أخشى أن يكون “العرف” يتعامل مع مواقف لم يتعامل معها من قبل، لذلك قد لا يكون العرف بمفرده كافياً لحل كل هذه المشاكل.

إذن ما الذي يجب أن تفعله قوات سوريا الديمقراطية الآن، في ريف دير الزور، إذا لم يكن العرف كافياً لحل هذه الجرائم التي ارتكبت في ظل تنظيم الدولة وكذلك النزاعات داخل القبيلة في زمن الحرب؟ هل نتوقع رؤية مشاركة قوات سوريا الديمقراطية في هذا الأمر؟

يجب عليهم ذلك، ولكن يجب القيام بذلك بطريقة خفية، ربما كانوا بحاجة لعقد اجتماعات مع زعماء القبائل، ويُنظر أحيانًا إلى قوات سوريا الديمقراطية باعتبارها قوة يسيطر عليها الأكراد وبالتالي لا تحتاج قوات سوريا الديمقراطية إلى المشاركة مباشرة في القضايا الداخلية، لأن ذلك قد يعطي انطباعًا للسكان المحليين بأنهم قوة احتلال، يمكنهم تنظيم مؤتمرات قبلية على نطاق أوسع في دير الزور، على سبيل المثال.

وأعتقد أن هناك طريقة أخرى غير رسمية، [يمكن] أن تستوعب عدداً كبيراً من القبائل من خلال توظيفهم في الخدمات العسكرية، أو الخدمات العامة الأخرى التي ستعمل في دير الزور.

على نطاق أوسع، لماذا يجب أن نولي اهتماماً للاستقرار القبلي في شرق سوريا؟

أولاً، يمكن أن تسمح النزاعات القبلية أو عدم الاستقرار القبلي لجماعات مثل “داعش” بالظهور مرة أخرى في هذا الجزء من البلاد، لأن تنظيم الدولة لعب باستمرار على الخلافات بين هذه القبائل واستخدم أسلوب فرق تسود من أجل السيطرة على هؤلاء السكان.

ثانياً، هذا جزء مهم من سوريا التي تسيطر على موارد كبيرة من النفط والغاز، وإذا أراد النظام أو قوات سوريا الديمقراطية استخدام هذه الموارد من أجل إعادة بناء البنية التحتية، فعندئذ لا يستطيعان فعل ذلك دون مشاركة المجتمعات المحلية التي تسكن مناطق وجود هذه الموارد.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول الإخبارية، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم في سوريا بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

شارك هذا المقال