6 دقائق قراءة

مهجرو الغوطة يحملون معاناتهم إلى الشمال بسبب إدارة المعارضة “المجزأة”

مسؤول حكومي تركي يزور المجلس المحلي مدينة الباب في شباط. […]


6 سبتمبر 2018

مسؤول حكومي تركي يزور المجلس المحلي مدينة الباب في شباط. الصورة من المجلس المحلي لمدينة الباب.

 

بعد النزوح من الغوطة الشرقية في وقت سابق من هذا العام ومع طفل رضيع حديث الولادة، كان من الضروري أن يصدر حازم السليم بياناً عائلياً وأوراقاً ثبوتية لأولاده بالترتيب أثناء التعامل مع سلطات المعارضة المحلية في منطقة سكنه الجديد في ريف حلب الشمالي.

وأثناء وقوفه في الطابور مع سوريين آخرين وصلوا مؤخراً من الغوطة الشرقية، قدم رجل كان يقف أمام السليم وثائقه للموظفة “وأخبرته بكل برودة أعصاب هذا غير معترف فيه هنا ولايفيدك بشيء” ومزقت الأوراق ورمتها في سلة المهملات، على حد قوله.

وعندما جاء دوره أخيراً، حرص السليم على اختيار موظف آخر كبير السن كان يبدو أنه “أكثر رحمة”، قائلاً  “كنت أخشى أن يتلف الورقة”.

وعلى الرغم من أن السليم بذل قصارى جهده، إلا أنه قُوبل بنفس الرفض وقال له الموظف “هذا من الغوطة ما معترف فيه هنا”.

وكانت مؤسسات المجالس المحلية التي أنشئت في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، بعد بداية الانتفاضة والنزاع الذي تلا ذلك، سواء في شمال غرب سوريا أو في ضواحي دمشق الشرقية، تعمل تحت مظلة الحكومة المؤقتة للمعارضة، وقال النازحون السوريون أن المجالس المحلية في مناطق شمال حلب ترفض الآن الاعتراف بعقود الزواج وشهادات الميلاد وغيرها من الوثائق المدنية الصادرة من الغوطة الشرقية.

وعدم التنسيق هذا لم يوضّح وجود معارضة مفتتة فحسب، بل أضطر أيضاً آلاف النازحين من الغوطة الشرقية على إعادة اثبات زواجهم وتسجيل أولادهم من جديد.

“من المفترض أن تتبع المجالس المحلية لنفس الجهة”.

وكان محمد العثمان، وهو أيضاً من الغوطة الشرقية، تعرض لنفس الموقف مع المجالس المحلية بعد أن شرد إلى الشمال، عندما وصل العثمان إلى مدينة جرابلس في ريف حلب، على متن حافلات الإجلاء الحكومية السورية في وقت سابق من هذا العام، كانت زوجته حاملاً، وأخبره المجلس المحلي في جرابلس أن ليس لديه مكتب سجل مدني، ولذلك عندما ولد ابنه قبل شهرين كان على العثمان أن يسافر حوالي 80 كيلومترًا إلى الجنوب الغربي إلى مدينة الباب لكي يسجل مولوده الجديد في دفتر العائلة، وصادف العثمان هناك نفس المشكلة حيث لم يتم التعرف على أي من أوراقه.

وأضاف “أخبروني بضرورة تأكيد عقد الزواج من جديد وأحصل على أوراق جديدة صادرة منهم”.

لذا عاد العثمان إلى جرابلس، وأحضر زوجته وشاهدين إلى مبنى المحكمة المحلي في مدينة الباب من أجل إعادة تسجيل زواجهما، واستناداً إلى عقد الزواج الجديد هذا يستطيع أن يحصل على أوراق جديدة لنفسه ولابنته البالغة من العمر عامين وبعدها فقط يمكنه تسجيل ابنه الجديد.

وقال العثمان لسوريا على طول أن “المجالس المحلية [في الغوطة الشرقية] من المفترض أن تنتمي إلى نفس الجهة التي تنتمي لها المجالس المحلية في الشمال”.

ومنذ السنوات الأولى من الصراع السوري، ظهرت المجالس المحلية ونظم الحكم في المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، وتولوا مسؤولية الإدارة والخدمات بالإضافة إلى الوثائق المدنية مثل شهادات الزواج والولادة والوفاة في غياب السلطات الحكومية السورية.

وإن انهيار تلك المؤسسات التي تديرها المعارضة، بعد أن أعادت الحكومة السورية سيطرتها على غالبية البلاد، خلف فوضى في الوضع المدني وشرّد المجالس المحلية المتمركزة في المناطق التي كانت تحت سيطرة المعارضة بالإضافة إلى السكان الذين خدمتهم في السابق.

وفي الغوطة الشرقية، التي استعادت القوات الموالية للحكومة السيطرة عليها في وقت سابق من هذا العام بعد أشهر من القصف المكثف، أصبحت جميع شهادات الزواج والولادة والوفاة التي أصدرتها المجالس المحلية المعارضة خلال السنوات الخمس الأخيرة غير صالحة في يوم وليلة.

وكانت الحكومة السورية في ذلك الوقت قد خيرت المقاتلين والمدنيين في الغوطة الشرقية بين الاستسلام أو النزوح القسري إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في شمال غرب سوريا، واختار حوالي 66 ألف مقاتلاً ومدنياً من الغوطة الشرقية النزوح.

ولكن الآن يبدو أن ما يصل إلى 20 ألف شخصاً من الغوطة الشرقية الذي تم إجلاؤهم إلى المناطق الواقعة تحت سيطرة القوات التركية في شمال حلب يجدون أنفسهم في وضع مماثل لأولئك الذين اختاروا البقاء والعيش في ظل الحكومة.

“خلل” في النظام

يُعد السجل المدني أمراً بالغ الأهمية في تحديد الهوية القانونية للشخص، فضلاً عن الحصول على حقوقه المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية، كما يمكن أن يكون له أهمية في مكان النزوح، وبالنسبة إلى السوريين الذين نزحوا إلى شمال سوريا خلال سلسلة من الهجمات العسكرية الواسعة واتفاقيات المصالحة التي فرضتها الحكومة السورية على المناطق الواقعة تحت سيطرة المعارضة في السابق، فإن عدم وجود وثائق معترف بها يعني حرمانهم من الحصول على المساعدات الإنسانية التي هم في أمس الحاجة إليها.

ولم تظهر التناقضات بين المجالس في مناطق مختلفة من البلاد فحسب، بل حتى داخل مناطق شمال سوريا الواقعة تحت سيطرة المعارضة، وفقاً لما قاله النازحين السوريين ومسؤولي المجلس المحلي.

وقال إياد عبد العزيز، الرئيس السابق لمجلس دوما المحلي ، أن المسؤولين في المجلس “فوجئوا” عندما عرفوا أن السلطات في شمال حلب لا تعترف بالوثائق الصادرة عن الغوطة.

وفي الوقت نفسه لم يواجه المجلس المحلي لبلدة عربين، وهي بلدة أخرى في جيب الغوطة الشرقية الذي كان تحت سيطرة المعارضة، والمتمركز حالياً في إدلب، أي مشاكل تتعلق بالاعتراف بالوثائق التي أصدرها.

ووفقاً لما قاله أنس الجمل عضو المجلس، يعمل مجلس عربين المحلي بالتعاون مع المجالس المحلية الموجودة في المنطقة واستمر في إصدار الوثائق المدنية من مراكزهم الثلاثة في جميع أنحاء مدينة إدلب والمناطق الريفية.

ورغم أن إدلب وشمال حلب يقعان تحت سلطة الحكومة السورية المؤقتة، فإن وجود تركيا في شمال حلب لعب دوراً محورياً في تشكيل السياسة المحلية للمنطقة، حيث أن القوات التي تدعمها تركيا دحرت تنظيم الدولة إلى خارج المنطقة، في أوائل 2017، من خلال حملة عسكرية كبيرة تعرف باسم عملية درع الفرات.

وأشار مصدر من مجلس محافظة ريف دمشق، الذي كان يعمل سابقاً في الغوطة الشرقية، إلى أن وجود تركيا هو السبب وراء عدم اعتراف المجالس المحلية في الشمال بالوثائق المدنية الصادرة من الغوطة الشرقية، وطلب المصدر عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية القضية.

وقال المصدر أن ” كل مجلس محلي في مناطق درع الفرات يشكل دولة لوحده، ويعمل بقوانينه الخاصة”.

وأضاف “هم يتبعون للحكومة السورية المؤقتة، ولكن من الناحية العملية للأسف فهم يتلقون توجيهاتهم مباشرة من تركيا”.

من جانبه ذكر عبد العزيز أن السلطات التركية أكدت أن “أي وثيقة تصدرها مجالسنا، يجب أن يتم الاعتراف بها” وقالوا إنهم “سيعالجون القضية”.

واعترف محمد فارس، مدير المكتب القانوني في المجلس المحلي لمدينة الباب أيضا بـ”الخلل” في النظام، موضحاً أنه يتم اتخاذ “الإجراءات بشكل مرتبط بالوثائق الصادرة عن الحكومة السورية المؤقتة”، وأضاف أن مشكلات الوثائق نشأت بسبب “بعض حالات التزوير بغرض الحصول على المساعدات الإغاثية”.

وبينما تسعى السلطات المحلية لحل المشكلة، يكافح المدنيون بسبب تلك الفوضى، وبالنسبة للسليم، فإن عدم الاعتراف لا يعني فقط مواجهة البيروقراطية المحبطة التي تدور حوله إنما أيضا التأثير على مستقبل عائلته.

وتم قبول السليم في إحدى الجامعات في تركيا، وطلبت منه الجهة المانحة بياناً عائلياً – وهي وثيقة تشبه دفتر العائلة تتضمن قائمة بالأسماء والتفاصيل الشخصية لجميع أفراد الأسرة – بحيث يمكن السلطات على الحدود التركية السماح للسالم وعائلته بالعبور.

في البداية، بدا الأمر بسيطاً، طلبت إدارة الجامعة بياناً عائلياً من الغوطة الشرقية، وتم إخباره بأنهم “يعترفون به”.  

إلا أن المشكلة هي أن ابنه – الذي ولد بعد وصولهم إلى شمال حلب – لم يكن مدرجاً في بيان العائلة، ولأن المجلس لم يعترف بالأوراق بكل الأحوال، رفضوا تحديث الأوراق وإضافة اسمه، وبذلك يتعين على السليم بدء عملية جديدة تماماً للتقدم بطلب للحصول على بيان عائلي جديد، وتسجيل زواجه مرة أخرى ومن ثم تسجيل ابنه.

وقال السليم “لم أستطع الانتظار ليحدث كل هذا، فينبغي أن أحصل عليها من أجل الجامعة”.

في النهاية، تخلى السليم ببساطة عن محاولته، حيث يشعر الآن بالإحباط بسبب إدارة تتفكك بصورة متزايدة، تديرها المعارضة، ويفترض أنها هناك لمساعدته.

وختم السليم “جميع الدول تعترف بوثائقي، لكن إدارة الباب الموقرة لا تفعل ذلك”.

 

هذا التقرير هو جزء من تغطية سوريا على طول لأوضاع النازحين في سوريا، لمدة شهر كامل، بالتعاون مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض هناك. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

شارك هذا المقال