12 دقائق قراءة

نصر الحريري: هيئة حكم انتقالية ما تزال الحل المنطقي للصراع في سوريا

"لا وجود لعملية سياسية، كونها تفتقد منذ البداية ركناً أساسياً"، لأن "النظام والدول التي تدعمه، مثل إيران وروسيا، لا يريدون الحل السياسي".


29 مارس 2020

عمّان – مع حلول الذكرى التاسعة للثورة السورية منتصف الشهر الحالي، ما تزال تراوح مكانها العملية السياسية التي يؤمل أن تنهي الحرب التي شنها النظام السوري على المطالبين بالحرية. وقد اقتصرت هذه العملية حالياً على مباحثات اللجنة الدستورية التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف بين النظام والمعارضة، والتي عقدت جولتها الثانية والأخيرة حتى الآن في أواخر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي.

في تلك الجولة التي لم تشهد فعلياً أي محادثات، أصر وفد النظام على مناقشة ما سماها “الركائز الوطنية”، ما بدا جلياً أنه ذريعة لإعاقة الاتفاق على جدول أعمال للمحادثات، وصولاً إلى إفشالها ككل، تماماً على نحو ما حصل في مفاوضات سابقة برعاية دولية منذ تبني قرار مجلس الأمن الدولي 2254 في كانون الأول/ديسمبر 2015.

في هذا السياق، يرى الدكتور نصر الحريري، رئيس هيئة التفاوض لقوى الثورة والمعارضة السورية، أنه “لا وجود لعملية سياسية، كونها تفتقد منذ البداية ركناً أساسياً”، لأن “النظام والدول التي تدعمه، مثل إيران وروسيا، لا يريدون الحل السياسي”. في المقابل، يرى الحريري في حوار أجراه معه الزميل وليد النوفل، أن الحل المنطقي القابل للتطبيق للصراع في سوريا، ما يزال يتمثل في “تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة”.

 

مؤخراً، صرّحت في لقاء تلفزيوني بأنه لم تكن هناك عملية سياسية في العامين 2014 و2016. وحالياً، فإن العملية السياسية متمثلة بمفاوضات اللجنة الدستورية، متوقفة. ما هي البدائل المطروحة والمتاحة أمامكم للتعامل مع هذا الواقع؟

نعم، لا توجد عملية سياسية، لأن لهذه أركان. ويجب أن يكون الركنان الأساسيان في سوريا مؤمنين بالحل السياسي، فيذهبان للعملية السياسية جادين بشأن التفاوض، ضمن جدول زمني معقول للوصول إلى الحل، مع مراعاة أمرين: الأول، مطالب الشعب السوري عموماً، والذي يفترض أن الطرفين السوريين يتحدثان باسمه. والثاني، المرجعيات الدولية؛ لأن القضية السورية قضية دولية، صدرت بشأنها قرارات عن مجلس الأمن الدولي وغيره من هيئات الأمم المتحدة، وانخرط فيها أربعة مبعوثين دوليين حتى اللحظة.

العملية السياسية فقدت منذ البداية ركناً أساسياً، لأن النظام والدول التي تدعمه، مثل إيران وروسيا، لا يريدون الحل السياسي. وهو ما يعني أن الشعب السوري سيستمر في استخدام حقه في التظاهر والاعتصام، وسيواصل توثيق الجرائم والانتهاكات التي ارتكبها النظام، للدفع باتجاه محاكمة أركانه في محكمة الجنايات الدولية.

إن أكثر أمر منطقي وقابل للتطبيق للوصول إلى حل هو بيان جنيف في 30 حزيران/يونيو 2015، والذي تم تبنيه بقرار مجلس الأمن الدولي 2254 في كانون الأول/ديسمبر من العام ذاته. إذ تحدث البيان/القرار عن تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية، ووضع دستور جديد، وإجراء انتخابات بإشراف الأمم المتحدة. إضافة إلى تحقيق باقي القضايا الإنسانية، لاسيما وقف استهداف المدنيين، والإفراج عن المعتقلين، وإدخال المساعدات للشعب السوري، والتي تمثل مبادئ فوق تفاوضية إنسانية بغض النظر عن مسار أي عملية سياسية يجب تحقيقها.

أما اللجنة الدستورية فهي طارئة (مستجدة) نشأت باقتراح روسي في محادثات أستانة. وقد رُفضت منذ البداية من قبل هيئة التفاوض طالما بقيت مستندة للمنظور الروسي. لاحقاً، تم قبول الانخراط فيها باعتبارها جزءاً من تطبيق القرار 2254 وبرعاية الأمم المتحدة. يضاف إلى ذلك قناعة المجتمع الدولي في ذلك الوقت بأنه لا بد من الذهاب إلى طاولة المفاوضات. 

كنا متأكدين من أن النظام لن يأتي إلى العملية السياسية حتى لو كان بدايتها اللجنة الدستورية. وبعد ستة أشهر من بدء اللجنة أعمالها لا يوجد تقدم ولو بمقدار مليمتر واحد. وقد رفض النظام والروس علناً إعطاء العملية مصداقية، وأن يجعلوها تتقدم إلى الأمام. إن العملية السياسية بصيغتها الحالية المفترضة لن تؤدي إلى حل، لأن النظام لا يريد حلاً سياسياً، وهو مستعد لقضاء عشرات السنين في مناقشة جدول أعمال اللجنة الدستورية من دون أن نصل إلى نتيجة. 

لذا يجب أن نعود إلى تشكيل هيئة حكم انتقالية كاملة الصلاحيات التنفيذية بمبادرة دولية جادة، وليس بالأسلوب الحالي الذي يتفرج فيه العالم على المذبحة المستمرة بحق الشعب السوري من دون أن يحرك ساكناً. 

هذه المبادرة الدولية يجب أن تضع الأمم المتحدة وأمينها العام، والمبعوث الدولي أمام مسؤوليتهم الرئيسة، وهي أن هناك تفويضاً بتطبيق قراري مجلس الأمن 2118 و2254 وبيان جنيف للبدء بعملية الانتقال السياسي في سوريا. بعكس ذلك، سنبقى أمام عملية سياسية معطلة، أمام إضاعة للوقت، واستمرار للمعاناة الإنسانية السورية، والفوضى وعدم الاستقرار داخل سوريا وفي الإقليم والعالم، كما استمرار مسألة الإرهاب ومسألة اللاجئين.

اليوم لا بد من وقفة جادة من المجتمع الدولي، عبر تحرك جماعي من أجل الذهاب باتجاه حل نهائي للمسألة السورية. وهذا الحل النهائي لا ينبغي فيه انتظار موافقة النظام، لأنه بعد تسع سنوات من الرفض والمماطلة والتعطيل لا يعقل توقع أن يرجع هذا النظام طوعاً إلى طاولة الحل السياسي.

لكن، هل تلحظ أي جدية لدى المجتمع الدولي في التعامل مع تعطيل العملية السياسية من قبل النظام السوري؟ 

للأسف الشديد، لا. المجتمع الدولي ما يزال يفتقد القيادة. التحالفات التي كانت تقف سابقاً بشكل جماعي ضد النظام أصابها التمزق، وأصبحت كل دولة أو مجموعة دول تقارب المسألة السورية بشكل منفرد، حسب مصالحها ومخاوفها.

مع ذلك، فإن الواقع ليس بهذه السوداوية تماماً. إذ ما تزال هناك قواسم مشتركة موجودة بين العديد من هذه الدول. فهي جميعها تتفق على وجوب تطبيق القرار 2254 وبيان جنيف، وجميعها متفق على أن هناك جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية ارتكبت وتنبغي مساءلة المجرمين. وأكثر هذه الدول اتخذ إجراءات عقابية ضد النظام، وأغلبها في حالة قطيعة دبلوماسية معه، وتربط إعادة الإعمار بالحل السياسي الانتقالي في سوريا.

أيضاً، هناك قسم من هذه الدول ما يزال موجوداً على الأراضي السورية، مثل تركيا التي شاركت مع الجيش الوطني السوري في معارك شمال غرب سوريا من أجل فرض منطقة آمنة وحماية المدنيين. وأيضاً الولايات المتحدة المتواجدة في شمال شرق سوريا. 

القواسم المشتركة ربما تكون كفيلة بعدم تمكن النظام من تحقيق النصر العسكري، لكن نحن بحاجة إلى ما هو أبعد من ذلك. فلابد أن ننطلق إلى جولة جديدة من تحرك جاد هدفه الحل الشامل النهائي الجذري للمسألة السورية، بتحقيق الانتقال السياسي ورحيل المجرمين عن السلطة في سوريا وعودة اللاجئين والبدء بإعادة الإعمار.

ماهو موقف الأمم المتحدة وتحديداً المبعوث الدولي غير بيدرسون من حالة الجمود التي يعانيها عمل اللجنة الدستورية؟

حين تولى السيد بيدرسون الملف السوري تبنى منهجية جيدة، دعمناه فيها، وتقوم على أنه لا بد من التطبيق الشامل للقرار 2254، أي إن الاكتفاء باللجنة الدستورية لن يوصل إلى نتيجة، ولا بد من النظر إلى القرار بالشكل الأوسع، بما يعني البدء بإجراءات بناء الثقة، وعلى رأسها [مناقشة] ملف المعتقلين، والشروع بالمرحلة الانتقالية وتفعيل باقي السلال الموجودة في القرار الأممي السابق.

الملاحظ الآن أن الأمم المتحدة عادت لتدخل نفس النفق الذي دخلته خلال فترة المبعوث الدولي السابق ستافان دي ميستورا، نتيجة رؤيته بأن التأثير الروسي كبير ومتزايد في المسألة السورية، ولا بد، بالتالي، من مجاراة روسيا والنظام ليكون بالمقدور تحقيق شيء ما، لا يشترط أن يكون كما نص عليه القرار 2254. لذلك، تشعر  اليوم بأن المبادرات الأممية انحصرت بموضوع اللجنة الدستورية، بحيث إنه إذا لم يتم إحراز تقدم في عملها، تكون العملية السياسية توقفت. 

بصراحة، ربما تكون الأمم المتحدة معذورة في ذلك. لأن المبعوث الدولي ليس بيده عصا سحرية، والأمم المتحدة تمثل، بشكل أو بآخر، إرادة دولها الأعضاء. وهناك انقسام في المجتمع الدولي بين دول تقف إلى جانب النظام وتدعمه دعماً حقيقياً، مثل روسيا وإيران والصين، ودول تقف نظرياً إلى جانب الشعب السوري وتقوم ببعض الإجراءات لمساعدته، لكن ليس بنفس القدر الذي تساعد به الدول المؤيدة للنظام هذا الأخير. 

رغم ذلك، أنا ألوم الأمم المتحدة لأنها تملك تفويضاً من مجلس الأمن بتطبيق قرارات دولية. وهذه القرارات يجب أن تطبق كلها، لا التركيز على الجزء الذي يريده النظام أو الروس. وعندما تصطدم الأمم المتحدة بعائق عدم الإنجاز أو عدم رغبة طرف ما في الوصول إلى حل، فإنه ينبغي أن تكون صادقة ونزيهة في موقفها؛ مع نفسها أولاً، ومع الشعب السوري ثانياً ومع العالم ثالثاً، فتتحدث بالأمور بمسمياتها.

اليوم مثلاً، نلاحظ أنه رغم كون النظام مسؤولاً عن أسوأ كارثة إنسانية منذ الحرب العالمية الثانية، ويعطل العملية السياسية منذ اللحظة الافتراضية لنشوئها، فإن خطاب الأمم المتحدة يتسم أحياناً بالغموض، من قبيل أن هناك جهات تقصف، وهناك قتلى ومهجرين في سوريا، في حين ينبغي أن تكون اللغة واضحة بأن هناك مروحيات وطائرات حربية للنظام تقتل المدنيين. ينبغي أن تكون هناك مواقف حاسمة من الأمم المتحدة.

أنا أقدر أن الوسيط الدولي عموماً ينبغي أن يتمتع بأعصاب باردة وأن يحاول المناورة. لكننا نتحدث عن معضلة صار عمرها تسع سنوات، تعاقب خلالها أربع مبعوثين دوليين؛ منهم من اتخذ مواقف جريئة مباشرة مثل كوفي عنان والأخضر الإبراهيمي، ومنهم من حاول بطريقة أو بأخرى إقناع الروس والإيرانيين والنظام بضرورة الحل السياسي، مثل دي ميستورا. تبني الاستراتيجية الأخيرة مجدداً ربما يوقعنا ويوقع الأمم المتحدة في الخطأ مرتين. 

هل تعتقد أن لروسيا وإيران مصلحة في تعطيل عمل اللجنة الدستورية حالياً؟ هل هناك فرق بين موقف الطرفين؟

اليوم، من يدير المعركة العسكرية والسياسية في سوريا بشكل كامل هي روسيا بالدرجة الأولى، وإيران بالدرجة الثانية، لأنهما تقومان بدورين تكامليين على الأرض؛ فالأولى تؤمن الغطاء الجوي والدعم العسكري المفتوح، فيما تقوم الثانية بنشر المرتزقة على الأرض. ومن ثم، فعندما نرى استعصاء في العملية السياسية، ينبغي القول إنه استعصاء تديره روسيا وإيران ثم النظام.

روسيا مصرة على اعتماد المنهجية العسكرية طريقاً وحيدة للوصول إلى الحل في سوريا، وإرساء مبدأ “المصالحة القسرية” الذي تؤمن به، وإعادة الشعب السوري إلى حظيرة الطاعة لنظام الأسد. أما الحديث عن العملية السياسية فهو فقط للمشاغلة أو التغطية على الجرائم التي تقوم بها روسيا على الأرض، ولها في ذلك مصالح خاصة داخل سوريا ومصالح تتعلق بتموضعها الإقليمي والدولي، وتتخذ من الملف السوري ورقة في هذا السبيل. 

أما إيران، فإنه من اللحظة صفر وحتى الآن ستبقى معطلة للعملية السياسية، لأنها صاحبة مشروع طائفي توسعي يعتمد على الفوضى بالدرجة الأولى، كونها المبرر الوحيد لبقائها في سوريا. وهي تتخذ من بشار الأسد وجيشه وأمنه ومؤسساته أدوات في سبيل تحقيق هذا المشروع الذي تسعى لتحقيقه ليس في سوريا فقط وإنما في المنطقة ككل.

ما هو تقييمك لموقف ما يسمى أصدقاء الشعب السوري من اللجنة الدستورية ومدى قدرتهم ورغبتهم في إحيائها؟

اليوم هناك حلفاء النظام الذين يؤمنون بالإستراتيجية العسكرية طريقاً وحيدة لدعم النظام. في المقابل، كان لدينا أصدقاء الشعب السوري، المؤمنون بالدبلوماسية طريقاً محتملة للحل في سوريا، وقد أوقفوا دعمهم لفصائل الجيش الحر.

أصدقاء الشعب السوري كانوا في يوم من الأيام يجلسون إلى طاولة واحدة من أجل اتباع منهجية داعمة للشعب ورادعة للنظام وحلفائه. لكن تطورت الأمور، فأصبحت كل دولة تقارب الملف السوري من وجهة نظرها. لاحقاً، تطورت الأمور أكثر حتى رأينا بعض هذه الدول وقد انشغلت ببعضها بعضاً، وحيدت النظام.

للأسف الشديد، المعسكر الذي وقف إلى جانب الشعب السوري افتقد القيادة. وتتحمل الإدارة الأميركية، وتحديداً إدارة الرئيس السابق باراك أوباما، المسؤولية الأساسية؛ إذ سكتت في بداية الثورة عن جرائم النظام، ووضعت خطوطاً حمراء ثم قبلت بتجاوزها من قبل النظام. وهي من فتح الباب لإيران في العراق وسوريا ودول أخرى، وسمحت للملف السوري بأن يصل إلى هذا الحجم من التعقيد وظهور “القاعدة” و”داعش”، وتوزع مناطق النفوذ وغيرها. سوء أو فشل الإدارة هذا، أكان مقصوداً أم غير مقصود، لم يؤثر فقط على الملف السوري، وإنما أثر على الدول التي كانت تجلس إلى طاولة “أصدقاء الشعب السوري”، كونها شعرت بعدم جدية الطرف الأميركي، واضطرت كل منها لأن تنكفئ على نفسها وعلى مصالحها وأن تقارب الملف السوري وفقاً لذلك.

لكن، وكما قلت، ما تزال هناك قواسم مشتركة تجمع بين عدد كبير من هذه الدول، وبالتالي ما تزال توجد فرصة كبيرة من أجل جمعها مجددا واعتماد منهجية للوصول بالملف السوري إلى الحل. وهذه المنهجية تتبنى العملية السياسية ككل؛ سواء من بوابة اللجنة الدستورية أو من البوابة الأصح والأشمل، أي هيئة الحكم الانتقالية. 

لقد احتفظت الدول الداعمة للمعارضة بأدوات الضغط الروتينية التقليدية من أجل إقناع أو إجبار روسيا على القدوم إلى طاولة المفاوضات، وأعني بذلك موضوع العقوبات، وإعادة الإعمار، وعدم التطبيع مع النظام حتى الوصول إلى الحل السياسي. لكن ثبت الآن أن هذه الأدوات، على أهميتها، لن تؤدي إلى النتيجة المطلوبة. فروسيا وإيران لا تكترثان برفع العقوبات وإعادة الإعمار. هما تعملان على المدى الطويل، وفق مبدأ “نحن نحرز التقدم العسكري على الأرض، وتلك الأمور تحل مع الوقت”.

ما تم خلال الأسابيع القليلة الماضية في منطقة شمال غرب سوريا، من ناحية محاولة الوصول إلى منطقة آمنة وحماية المدنيين ومنع موجة جديدة من التهجير ومنع النظام من السيطرة على هذه المناطق، ربما يفوق بأهميته أدوات الضغط الموجودة مع البعض. لكن إذا جمعنا كل هذه العوامل مع بعضها بمبادرة جدية من المجتمع الدولي، فإنه قد يكون لها فعل أقوى وأكبر تجاه النظام والروس والإيرانيين.

هل هناك علاقة بين موقف روسيا وإيران والنظام من عمل اللجنة الدستورية وبين موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة في 2021؟

الهدف الرئيس لروسيا وإيران والنظام هو تعطيل عمل اللجنة الدستورية التي هي جزء من القرار 2254. وعندما نقول إن النظام وحلفاءه يعطلون اللجنة، فإنهم فعلياَ يعطلون تطبيق القرار 2254كاملاً. 

الآن، يحضر النظام لانتخابات برلمانية غير شرعية، وانتخابات رئاسية العام المقبل. وستقول روسيا إن حكومة دمشق شرعية، أجرت انتخابات شرعية. وعند الحديث مع الروس عن اللجنة الدستورية يقولون: هي عملية طويلة، ومعقدة ومن دون جدول زمني ومن دون أي تدخلات خارجية، وينبغي أن تأخذ وقتاً طويل. أي تريد روسيا لهذا النظام أن يبقى.  

إن من سمح بقتل واعتقال وتهجير الشعب السوري، لن يكترث كثيراً بأن يشاهد نظام بشار الأسد يجري انتخابات. طبعاً هذه الانتخابات لن تكون شرعية، لا من وجهة نظر الشعب السوري الذي تم تهجير أكثر من نصفه، ولا من وجهة نظر أكثر الدول التي تأخذ موقفاً واضحاً من النظام. مع ذلك روسيا مستمرة في تنفيذ ما تريد، والمجتمع الدولي صامت للأسف الشديد. 

عطفاً على ما سبق، ذكرت أن شرط المشاركة في اللجنة الدستورية هو تطبيق القرار 2254 وضمنه تشكيل هيئة حكم انتقالية. لكن الآن، أصبح وارداً وبقوة انتخاب بشار الأسد مجدداً. فماذا كان الضامن لشرط مشاركتكم في اللجنة؟

كان الحديث وقتها أن اللجنة تتشكل وتباشر عملها استناداً إلى القرار 2254 وبيان جنيف وتحقيق الانتقال السياسي في سوريا. لكن لم تكن هناك ضمانات. 

مع ذلك، هناك برأيي ضمان عكسي، وهو أن ألا تنطلق اللجنة الدستورية وألا تؤدي إلى نتائج إلا إذا توافقت مع القرار 2254 وبيان جنيف. بمعنى أن تقوم قوى الثورة المعارضة بحرمان الروس والنظام وحلفائه من إحراز حل سياسي لا ينسجم مع بيان جنيف والقرار 2254.

في العديد من التصريحات، اعتبر بيدرسون أن مناقشة ملف المعتقلين هو إجراء لبناء الثقة. هل كانت الأمم المتحدة جادة في مناقشة هذا الملف، وماذا كان رد فعل النظام؟

برأيي لا يمكن التشكيك في نوايا السيد بيدرسون أو الأمم المتحدة. فالأخيرة وثقت وأصدرت العديد من التقارير التي تحمل النظام مسؤولية مباشرة عن مختلف الانتهاكات، ومنها ملف المعتقلين. وهي، بلا شك، تبذل جهداً كبيراً من أجل أن ترى نتائج في هذا الملف. 

لكن تم تسييس ملف المعتقلين وجعله مفردة يبتز بها نظام الأسد وحلفاؤه المجتمع السوري والمجتمع الدولي.

على سبيل المثال، النظام اليوم يحتفظ بالمعتقلين للانتقام من الشعب السوري بتعذيب هؤلاء والإساءة لهم، وهم يستشهدون تحت التعذيب. أيضاً، مثلما عطل هذا النظام هيئة الحكم الانتقالية واللجنة الدستورية، فإنه يعطل [التوصل إلى حل بشأن] ملف المعتقلين بحجة أنه هناك معتقلين عند الطرف الآخر [المعارضة]، وبحجة أنه يقاتل تنظيمات إرهابية، وأن المعتقلين يحاكمون وفقا للقانون. طبعاً هذا الكلام محض كذب وافتراء. لكن النظام ما كان ليقدم هذه الحجج الواهية لولا أنه رأى المجتمع الدولي غير جاد بالتعامل مع الملف السوري.

النظام وحلفاؤه لا يخشون العقاب، وهم، بالتالي، لن يوقفوا هكذا ممارسات. كما إنهم استخدموا هذا الملف لتحقيق مكاسب على الأرض؛ إذ كان جزء من مفردات اتفاقات المصالحة القسرية في بعض المناطق وقف سياسة الاعتقال وإطلاق سراح المعتقلين. وكل ذلك لم يحدث، بل العكس تماماً.

مع ذلك، هناك مساع مستمرة بشأن ملف المعتقلين. فقبل فترة، عقد في جنيف برعاية الأمم المتحدة، اجتماع لمجموعة [العمل] المعنية بالمعتقلين التي تشكلت في أستانة. كما تتواصل الفعاليات والنشاطات التي تلقي الضوء على ملف المعتقلين، من ندوات وورش عمل وجلسات استماع لشهادات ناجين وناجيات من الاعتقال. وأيضاً تستمر عمليات توثيق أسماء المعتقلين والتواصل مع المنظمات الدولية من أجل توثيق الانتهاكات وإيرادها في التقارير التي تصدر عن مجلس حقوق الإنسان أو اللجان التابعة للأمم المتحدة وغيرها.

وأود هنا تنبيه الأهالي بأن الوعود التي يطلقها النظام وحلفاؤه بهذا الشأن كاذبة، فسياسات الاعتقال مستمرة، سواء في المناطق التي أبرمت مصالحات قسرية أو بحق بعض من يعودون من الخارج. 

في إقليم مستقطب، كيف تصف علاقة هيئة التفاوض بأطراف، عربية وإقليمية لم تعد تخفي عداءها لبعضها؟ وكيف يمكن بناء رؤية موحدة للهيئة التي تتألف من مكونات دخلت هذا الاستقطاب أو تأثرت به؟

تتألف هيئة التفاوض من سبع مكونات، على رأسها الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، الذي له مقر في تركيا وآخر في مصر، وأيضاً هيئة التنسيق ومقرها دمشق، ومنصة القاهرة، بالإضافة لمنصة موسكو، والفصائل العسكرية. 

وعدا عن التعقيد الداخلي، فإن العالم اليوم منقسم ويعيش أزمة دولية. كما إن القيام بالمهمة التفاوضية نيابة أو باسم الشعب السوري، مسألة في غاية التعقيد، لاسيما في ظل الأزمة الإنسانية الكارثية التي يعيشها هذا الشعب، والتي عجزت إزاءها المنظمات الدولية والعديد من دول العالم، حتى صرنا اليوم نرى الشعب السوري لا يؤمن بأي ممثل ومؤسسة، ولا بأي دولة وصديق وشقيق.

على الرغم من ذلك، أستطيع القول إننا استطعنا مواجهة التحدي وتجاوزه إلى حد كبير، وذلك بأن نكون سوريين. فعندما نقارب أي مسألة تعترض الهيئة ننطلق من ثلاثة محددات: أننا سوريون حتى لو كنا مقيمين في أي دولة أخرى؛ وأن مرجعيتنا هي مطالب وأحلام الشعب السوري وثوابت الثورة السورية؛ والإلتزام بالمرجعيات الدولية، لأننا كمكونات دخلنا هيئة التفاوض لا لتنفيذ رغبة شخص معين أو مجموعة معينة، وإنما لتطبيق القرارين 2254 و2118؛ وكل ما اتفق مع ذلك نحن معه ولا يجوز أن نعترض عليه، وكل ما اختلف مع المرجعيات الدولية يحق لأي شخص قول لا بشأنه.

خلال هذه المسيرة لا شك وأننا مررنا بصعوبات متعددة، كنا في مواجهتها نقترب بآرائنا من جهة ما وربما نبتعد عن أخرى، لكن في النهاية كنا قادرين على اتخاذ قراراتنا بكل استقلالية ووطنية. كما إن للهيئة نظام ديمقراطي يحكم عملها، فكنا نلجأ إلى التصويت في القضايا والقرارات التي تستدعي ذلك. وبالتالي، لا يحق لأحد إدعاء أن قراراً ما غير قانوني أو غير ملزم بما أن لدينا ضوابط للعمل بينا. 

أما بشأن الدول التي تعاملنا معها، فقد كانت -وهذه حقيقة- تبعد المسألة السورية، إلى حد كبير ، عن الاستقطاب، وتحاول ألا تتدخل في شؤون الهيئة، كون الشعب السوري ليس بحاجة لمزيد من المصاعب والمشكلات. وإذا تحدثنا عن دولة المقر مثلاً، أي المملكة العربية السعودية، فهي قدمت الدعم اللوجستي للهيئة وضمنه المقر، وهي مؤمنة بالحل السياسي سبيلاً لتحقيق الحل النهائي والجذري في سوريا، ودعمت قرارات الهيئة ولم تسع إلى التدخل في عملها. هذا الواقع ينطبق أيضاً على بقية الدول التي تعاملنا معها.

شارك هذا المقال