6 دقائق قراءة

نهاية البغدادي أم نهاية “داعش”؟ (خريطة تفاعلية)

مقتل البغدادي لا يؤثر بشكل كبير على التنظيم، لأنه يمتلك هيكلية بيروقراطية متماسكة


26 نوفمبر 2019

عمان – بالنسبة لكثيرين، فإن يوم إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، مقتل زعيم “تنظيم الدولة” (داعش) أبو بكر البغدادي، في 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، أعاد إلى الأذهان يوم إعلان ترامب ذاته نهاية التنظيم 22 آذار/ مارس الماضي.

إذ بعد إعلان هزيمته، أطلق “داعش” ما سماها “غزوة الثأر لولاية الشام”؛ وهي سلسلة من العمليات العسكرية التي استهدفت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في محافظات الرقة والحسكة ودير الزور، كما القوات الحكومية والمليشيات المتحالفة معها في البادية السورية خصوصاً. 

وحالياً، ورغم عدم إعلان التنظيم عن أي غزوة ثأراً لمقتل البغدادي في عملية عسكرية نفذتها وحدة خاصة من القوات الأميركية في بلدة باريشا بريف إدلب، فقد نفذ “داعش” عدداً من العمليات العسكرية على أجزاء كبيرة من الخريطة السورية، كما تظهر الخريطة أدناه.

نهاية البغدادي أم “داعش”؟

مع مقتل البغدادي، عقب خسارة “داعش” كامل الجغرافيا التي كان يسيطر عليها في سوريا والعراق، صار رأى همّ عناصر داعش “الوحيد الآن، هو النجاة بأنفسهم”، بحسب أحمد الخضر، مسؤول المكتب الإعلامي في قوات “مغاوير الثورة” العاملة في منطقة التنف (منطقة الـ55) شرق سوريا. مستنداً في ذلك إلى اعتماد التنظيم “بعد سقوط خلافته على حرب العصابات والتحرك بسرعة وسرية تامة. إذ لا يفضل المواجهة المباشرة والسيطرة على أي بقعة جغرافية يمكن أن تكون نهايته فيها”.

وفي حديثه إلى “سوريا على طول”، برر الخضر ارتفاع وتيرة عمليات التنظيم في سوريا إلى “ضعف المسيطرين على هذه المناطق عسكرياً وأمنياً، إلى جانب انتقام التنظيم لمقتل خليفته المزعوم”. و”الدليل على ذلك”، كما ذهب أن “أياً من عناصر داعش لا يفكر في الهجوم أو حتى الالتجاء [بشكل مستتر] إلى منطقة الـ55 الواقعة تحت سيطرة مغاوير الثورة والتحالف الدولي”.

رغم ذلك، لم يقلل المسؤول الإعلامي من خطورة التنظيم، نتيجة قدرته على “الحركة السريعة”، معتبراً أنه ما يزال “يشكل خطراً كبيراً لا يستهان به، ما يوجب الحذر دائماً”.

على النقيض من ذلك، ذهب الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية حسن أبو هنية، إلى أن “مقتل البغدادي لا يؤثر بشكل كبير على التنظيم، لأنه يمتلك هيكلية بيروقراطية متماسكة”. مستدلاً على ذلك، في حديث إلى “سوريا على طول”، بمقتل مجموعة من قادته السابقين في تنظيم الدولة في العراق الذي شكل العمود الفقري لـ”داعش”؛ لاسيما أبو مصعب الزرقاوي وأبو عمر البغدادي، ومؤخراً أبو بكر البغدادي. ذلك أن التنظيم لم يتأثر بمقتل أي من هؤلاء، أو ما يسمى “سياسة قطع الرؤوس”.

فوق ذلك، فإن مقتل البغدادي قد يفضي، بحسب أبو هنية، إلى “زيادة عدد عمليات التنظيم. أو قد يعلن عن غزوة الثأر لمقتل البغدادي”.

تماسك بنيوي

بمقتل البغدادي، خسر “داعش” “رمزاً لا أكثر”، برأي أبو هنية، فيما “القيادات الميدانية والعملياتية والإعلامية والشرعية للتنظيم ما تزال موجودة ومتراصة، وتعمل وفق هيكل متماسك”.

وكما أشار، فقد عمد البغدادي بعد خسارة “داعش” جيبه الأخير في الباغوز، إلى إعادة هيكلة التنظيم، و”وضع اللجنة المفوضة [التي تتولى إدارة “الولايات” بتعبير التنظيم] والعسكرية والأمنية والشرعية والإعلامية، ليكون هناك هيكل مترابط في جميع ولايات التنظيم، بما فيها ولايتا العراق وسوريا”. مضيفاً أنه “لذلك نشاهد أن مستوى العمليات بعد مقتل البغدادي لم تنقص بل زادت، وليس فقط في سوريا، بل في جميع [المناطق التي يعتبرها التنظيم ضمن] ولاياته”.

ولفت أبو هنية إلى دعوة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، في كلمة الافتتاح لاجتماع دول التحالف الدولي ضد داعش، في واشنطن منتصف الشهر الحالي، إلى “الاهتمام بمواصلة قطع أذرع التنظيم في جنوب غربي آسيا، ودول غرب أفريقيا والساحل”. فهذا التوسع، بحسب أبو هنية، لم يكن مرتبطاً بمقتل قائد التنظيم، بل حدث ويحدث قبل وبعد مقتل البغدادي.

مضيفاً أن “داعش”، تاريخياً، يعمل وفق “خطط موضوعة مسبقاً لا تتأثر بشيء، كما حدث بعد الباغوز. إذ أعلن التنظيم عن غزوات الاستنزاف والانتقام”. فالتنظيم “لا يعمل بشكل عشوائي، بل يملك مجموعة من الخطط السنوية التي وضعها البغدادي، مثل حصاد الأجناد، وهدم الأسوار، التي ينفذها ويلتزم بها”.

وإلى جانب الخطط، يملك التنظيم “هيكلية متراصة ومتماسكة من أعلى الولاية وحتى آخر مفرزة أو قاطع”، وفقاً لأبو هنية.

وهو ما أكده أيضاً المحلل العسكري والاستراتيجي، العقيد أحمد حمادة، معتبراً في حديث إلى “سوريا على طول” أن التنظيمات من مثل “داعش” تمتلك “تسلسلاً هرمياً وقيادات بديلة. [ومن ثم] فإن مقتل البغدادي والضربات الأخرى التي تلقاها التنظيم تربكه، لكن من الممكن أن يستعيد تماسكه، بحيث لن ينهي استئصال البغدادي التنظيم”.

الاستفادة من الفرص

منذ تشكيل نواته في العراق العام 2006، قبل أن يغير زعيمه أبو بكر البغدادي اسمه وولايته المكانية في نيسان/ أبريل 2013، ليحمل اسم “تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام” ويمتد نشاطه إلى شرق سوريا، امتلك التنظيم خبرة طويلة في التعامل والتكيف مع الظروف القائمة والمستجدات الحاصلة.

ومع التطورات الأخيرة في شمال شرق سوريا، نتيجة العملية العسكرية التركية “نبع السلام” ضد “قسد”، وتخبط إدارة الرئيس ترامب بشأن تواجد القوات الأميركية في سوريا، أصبحت المنطقة في حالة من “الفراغ” العسكري، وبما يشكل فرصة سانحة لـ”داعش” لتنفيذ عملياته. ذلك أنه “إذا وجد التنظيم نوعاً من الفراغات والامكانية لتنفيذ عملياته، فإنه سيفعل ذلك. فالتنظيم ينتهز وينتظر هذه الفرص. هو لا يخلقها بل يستثمرها”، وفقاً لأبو هنية.

كما أصبح “داعش” يركز على ما يسمى “حرب الاستنزاف والعصابات” أو “استراتيجية إسقاط المدن مؤقتاً”، عبر مجموعة من الهجمات الواسعة والمحدودة، ومن ثم الانسحاب، من دون أي هدف “بالسيطرة على الأرض. ذلك أن التنظيم ليس في عجلة من أمره، بل يركز على العمل بشكل بطيء”.

وعلى مدار السنوات الماضية، شكلت “قسد” واحدة من أبرز القوى على الأرض لمحاربة التنظيم. إذ اعتمد التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة على هذه القوات في التصدي للتنظيم ووجوده شمال وشرق سوريا. إلا العملية العسكرية التركية “عطلت البرامج الموضوعة مسبقاً بشكل أو بآخر”، برأي أبو هنية.

ففي حال انسحاب القوات الأميركية، ستكون الجهود الدولية في محاربة التنظيم “قد توقفت”، فيما قد تبقى “الجهود المحلية التي يقوم بها النظام [السوري] وروسيا وتركيا وغيرهم. إلا أن هؤلاء لديهم أولويات مختلفة، في الوقت الذي يملك فيه التنظيم خبرة طويلة في التموضع داخل ثنايا هذه الخلافات لاسيما مع الخلافات الحاصلة على آلية تنفيذ اتفاقيات المنطقة الآمنة بين الروس والأميركيين والأتراك”، وفقاً لأبو هنية.

موضحاً أن “المعضلة الأساسية الآن هي أن النظام والروس والإيرانيين ليست أولويتهم التصدي للتنظيم، بل التعامل مع إدلب بشكل أكبر. وبالتالي، إذا انسحب الأميركيون سيكون هناك فراغ أمني، ولا يمكن لقوات “قسد” وحدها من دون مساعدات من التحالف التصدي للتنظيم”. 

في السياق أيضاً، اعتبر العقيد حمادة أن “داعش” “مخترق من كل الجهات، ويمكن استغلاله لصالح “قسد” أو النظام لخلق الفوضى والعبث الأمني”. مضيفاً أن قيادة التنظيم الجديدة لم توقف عملياتها، و”تريد القول إن مقتل البغدادي لم ينهِ عملياتنا”. ومن ثم، فإن التنظيم “قد يغير تكتيك عمله وشكله”.

هل يعود “داعش”؟

نتيجة التكتيكات الجديدة التي يستخدمها “داعش” اليوم في مواجهة خصومه، فإنه “لا يمكن للحروب التقليدية أن تنجح في القضاء عليه. إذ يحتاج [هذا الأمر] إلى تكتيكات مغايرة ومعلومات استخباراتية، والاعتماد على قدرة الطيران والدرونز [طائرات من دون طيار]. وهذا غير متوفر لدي بقية القوى الموجودة في سوريا”، وفقاً لأبو هنية. مضيفاً أن “أحد تقارير [وزارة الدفاع الأميركية] البنتاغون حذر من أن التنظيم قادر على العودة خلال عام إذا انسحبت الولايات المتحدة، الأمر الذي جعل ترامب يتأنى في خفض عدد القوات الأميركية”. 

وبعد أيام من مقتل البغدادي، أعلن التنظيم تعيين أبو إبراهيم الهاشمي القرشي خلفاً له، من دون أي معلومات عن شخصية الزعيم الجديد. إلا أن الرئيس ترامب قال في تغريدة له على موقع تويتر: “لدى داعش قائد جديد، نحن نعرف بالضبط من هو”.

مع ذلك، ذهب العقيد حمادة إلى أن “القرشي لا يختلف عن البغدادي، في قيادة التنظيم”. مبرراً ذلك بأن “داعش لا يقوم على شخص واحد، بل هناك تسلسل هرمي”.

فوق ذلك، رأى أبو هنية أنه “على الرغم من قوة البنية التنظيمية لـ”داعش”، فإن الزعيم قد يطبع التنظيم بطابعه”. موضحاً بأن “أبو بكر البغدادي كان في التنظيم أقرب إلى الجانب الشرعي، وبالتالي كان زعيماً رمزياً. أما القائد الجديد أبو إبراهيم الهاشمي -والذي لا توجد حتى الآن معلومات دقيقة عنه، لا من التنظيم ولا من الاستخبارات العالمية- فإذا كان هو فعلاً عبد الله قرداش (أبو عمر التركماني) مسؤول ديوان الأمن، فذلك يعني بلا شك أن التنظيم سيكون أكثر عنفاً وأكثر شراسة في القتال”.

وختم أبو هنية بالقول: “حالياً كل العمليات في سوريا تركز على الصحراء ومحدودة في بقية المناطق. لكن على المدى البعيد، يمكن أن تتوسع في مناطق المصالحات [بين قوات الحكومة والمعارضة السوريتين] وإدلب وغيرها. فالتنظيم ليس في عجلة من أمره. وهو ما فعله في العراق بعد الانسحاب الأميركي في 2010 و2011، إذ لا يعمل بشكل عشوائي وإنما وفق خطة”.

 

شارك هذا المقال