5 دقائق قراءة

نيران المعارضة تحرم مزارعي قرى “خط التماس” على تخوم عفرين من استثمار أراضيهم (خريطة)

بعد عملية "غصن الزيتون" العسكرية، سيطرت المعارضة على منطقة عفرين، باستثناء عدة قرى في ناحية شيراوا، دخلتها قوات النظام بعد انسحاب القوات الكردية. تحولت هذه القرى إلى "خط تماس" ما حرم المزارعين فيها من استثمار أراضيهم.


عفرين- على بعد مئات الأمتار من أرضه، الواقعة في ناحية شيراوا التابعة لعفرين في ريف حلب الشمالي، يقف أحمد مجيد، 70 عاماً، متحسراً لعدم قدرته من الوصول إليها منذ خمس سنوات. خلال هذه المدة حُرم من قطاف أشجار الزيتون، التي التهمت النيران بعضها على مرأى عينيه وهو عاجز عن إخمادها.

يعيش مجيد في قرية صوغانة (البصلية)، جنوبي مدينة عفرين، الواقعة تحت سيطرة النظام السوري، وقد تحولت مع أراضيها الزراعية، إلى خط تماس مع فصائل الجيش الوطني (المعارض) المدعوم من أنقرة المتمركز في منطقة عفرين، أو ما تعرف بـ”غصن الزيتون”.

بعد عملية “غصن الزيتون” العسكرية، التي أطلقتها تركيا بمشاركة فصائل المعارضة ضد وحدات حماية الشعب، في 20 كانون الثاني/ يناير 2018، سيطرت المعارضة على منطقة عفرين، باستثناء عدة قرى في ناحية شيراوا، وهي: صوغانة (البصلية)، عقيبة، الزيارة، الخربة، برج القاص، أبين، كلوته، باشمرا، زرناعيت، مياسة، والذوق الكبير، التي دخلتها قوات النظام بعد انسحاب القوات الكردية، في آذار/ مارس 2018 على خلفية العملية التركية.

قرى “خط التماس” على تخوم عفرين – 22 حزيران/يونيو 2023 (سوريا على طول)

شكلت هذه القرى خطاً فاصلاً بين مناطق النفوذ التركي في عفرين، وبلدتي نبل والزهراء في ريف حلب، ذات الغالبية الشيعية، الواقعتين تحت سيطرة النظام والميليشيات الإيرانية التابعة له، ما دفع الأهالي إلى الاعتقاد بوجود اتفاق سوري-تركي غير معلن، يقضي بتحويل قراهم إلى خط تماس لحماية البلدتين من هجمات المعارضة، كما قالت عدة مصادر مدنية لـ”سوريا على طول”.  

وتسببت “غصن الزيتون” بتوقف الطريق الرئيسي لقرية صوغانة، التي ينحدر منها مجيد، بعد أن كان حيوياً ومزدحماً، كونه عقدة وصل بين مدينتي حلب وعفرين. الطريق ذاته مر به الرئيس اللبناني السابق ميشال عون، عام 2010، عندما زار ضريح القديس مار مارون في قرية براد الأثرية التابعة لناحية شيراوا.

تتعرض هذه القرى، بين وقت آخر، لقصف مصدره فصائل المعارضة وتركيا، ما أدى إلى وقوع قتلى جرحى في صفوف المدنيين، وتدمير العديد من المنازل وإحراق أراض زراعية، تشكل لأصحابها مصدر رزق رئيسي.

صورة عامة لقرية صوغانة بريف عفرين ومن خلفها أراض زراعية تحولت إلى “خط تماس”، 16/ 04/ 2023، (سوزدار محمد/ سوريا على طول)

في منتصف نيسان/ أبريل الماضي، قضى مجيد مع عائلته “ليلة مرعبة في كهف قريب من المنزل”، بعد سقوط عدة قذائف على قرية صوغانة، ما أدى إلى “وقوع أضرار في بعض المنازل، ومغادرة العديد من السكان منازلهم مؤقتاً”، بحسب قوله.

أثناء حديثه لـ”سوريا على طول”، أشار مجيد بيده إلى قرية كيمار المجاورة، الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة من أنقرة، قائلاً: “من هناك جاءت القذائف. الحمد لله لم يصب أحد بأذى”، وأضاف: “هذا حالنا منذ أكثر من خمسة أعوام”. 

من جهته، فقد أحمد علي منلا، 43 عاماً، والده، وأصيبت أخته بجروح، جراء تعرض منزلهم في قرية عقيبة، الواقعة على بعد 2 كيلومتر من قرية صوغانة، في شباط/ فبراير 2020، كما قال لـ”سوريا على طول”.

دفع القصف المستمر، منذ خمس سنوات، العديد من العائلات إلى مغادرة منازلها إلى مدينة حلب أو مخيمات وقرى منطقة الشهباء في ريف حلب الشمالي، الواقعة تحت سيطرة النظام، أو إلى شمال شرق سوريا حيث سيطرة قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، التي تشكل وحدات الحماية قوتها الرئيسية.

لم يتبق في قرية صوغانة سوى 20 عائلة من أصل 150 عائلة كانت تسكنها، وهو رقم تقديري حصلت عليه “سوريا على طول” من أهل القرية. يحاولون المتمسكون بمنازلهم التعايش مع الظروف الراهنة، من بينهم عائلة مجيد، التي “صار القصف أمراً اعتيادياً” بالنسبة لها.

أراضٍ بور

بعد أن تحولت القرى المحاذية لمناطق سيطرة فصائل المعارضة المدعومة من أنقرة إلى خط تماس، حاول بعض أصحاب الأراضي الوصول إليها بهدف حراثتها وقطاف الزيتون، ولكنهم تعرضوا لإطلاق الرصاص ، بحسب كلام عدد من العائلات التي تحدثت لـ”سوريا على طول”.

ومنذ ذلك الوقت، حُرم هؤلاء، بما فيهم مجيد، من زراعة أراضيهم أو حراثتها، لتتحول إلى “أراض بور”. مصطلح الأراضي البور بحسب لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا (أسكوا): “هي الأراضي المزروعة التي لم تبذر لموسم نمو واحد أو أكثر، ولفترة لا تتخطى خمس سنوات”.

يملك أحمد مجيد أرضاً مساحتها هكتارين، كان يزرع فيها القمح والشعير والعدس، إضافة إلى 400 شجرة زيتون، وعدد من أشجار التين والعنب، التي زرعها هو والده قبل أكثر من 50 عاماً، “كانت الأرض على مدار أربعة عقود مصدر عيش العائلة الوحيد”، كما قال الرجل السبعيني.

احترقت العديد من أشجار الزيتون ومحاصيل القمح والشعير والعدس، أثناء عملية “غصن الزيتون”، كما “سرقت فصائل المعارضة 40 رأس غنم كانت ترعى بالقرب من القرية”، بحسب قوله.

قاطعته زوجته، زلوخ معمو، قائلة: “بكى عدة أيام حزناً على أغنامه، بعد أن وصلتنا أنباء أن عناصر فصائل المعارضة في كيمار ذبحوها لأكلها”.

يشاطر منلا المعاناة ذاتها مع مجيد، إذ يملك 200 شجرة زيتون وتين وعنب بالقرب من قرية باصلة، الواقعة تحت سيطرة المعارضة المدعومة من تركيا، لا يستطيع الوصول إليها “خشية إطلاق النار علي”، بحسب قوله.

كانت أرض منلا تنتج بين 20 و30 صفيحة (تنكة) زيت زيتون، سعة 16 لتراً، سنوياً، لكنه اليوم يعتمد على الزيت النباتي في الطعام ويكتفي بشراء “عبوات صغيرة من زيت الزيتون”، بحسب قوله.

تعد الزراعة وتربية المواشي من أهم مصادر الدخل الرئيسة في قرى “خط التماس” بمنطقة عفرين، التي تأثرت بعمليات القصف، ما أدى إلى تردي الأوضاع الاقتصادية للعائلات المتبقية في المنطقة، التي صارت تعتمد على مساعدات غذائية يقدمها الهلال الأحمر السوري شهرياً، قوامها: الرز، البرغل، والعدس، إضافة إلى بعض الأصناف الأخرى، أما بالنسبة للخضروات والفواكه واللحوم “غالبيتنا لا نستطيع شراءها”، وفقاً لمجيد.

يملك عبود بكري عبدو، 51 عاماً، وأشقائه الثلاثة، 15 هكتاراً بالقرب من قرية كبشين، الواقعة تحت سيطرة فصائل المعارضة، بينما تقع منازلهم في قرية الذوق الكبير، الواقعة تحت سيطرة النظام، لذلك لم يتمكنوا من الوصول إلى أرضهم أو زراعتها منذ سيطرة المعارضة، عام 2018، على المنطقة.

قبل سيطرة المعارضة، كانت أرض عبدو وأشقائه مزروعة بالقمح والشعير والعدس، ولكن “لم نتمكن من حصاد ذلك الموسم”، كما قال لـ”سوريا على طول” الرجل الذي ينحدر من قرية الذوق الكبير، متهماً الفصائل المدعومة من تركيا بـ”إضرام النيران في محاصيلنا”.

من منازلهم، يمكن لمجيد ومنلا وعبدو رؤية القرى الواقعة تحت النفوذ التركي والنقاط العسكرية للمعارضة، وتصل إليهم أصوات المساجد، وأحياناً صوت الباعة من هناك، فيما تمثل أراضيهم الزراعية خطاً فاصلاً بين المنطقتين.

بغصة قال مجيد: “نحن أهل الزيتون، صرنا نعدّ طعامنا بالزيت النباتي. يطلقون الرصاص علينا وكأنهم يقولون هذه ليست أرضكم”. وعلى أمل العودة، تمسك منلا بالبقاء في قريته، قائلاً “سيأتي يوم ونزرع أراضينا ونهتم بأشجارها”.

شارك هذا المقال