5 دقائق قراءة

هدم منازل في الرقة: إزالة مخالفات المخطط التنظيمي وتهم فساد واستغلال 

فيما نجح المحتجون في "منع البلدية من هدم المخالفات في المرّات السابقة"، كما قال سليم الجاسم، فقد نُفذ الهدم فجر 24 كانون الثاني/يناير، حين توجهت آليات البلدية إلى المنطقة رفقة قوة عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) -معززة بمدرعات عسكرية- اعتدت على عدد من قاطنيّ المنازل أثناء محاولتهم منع عمليات الهدم.


31 يناير 2021

عمان- “ألم يكن لديهم حلّ آخر غير هدم البيت؟”، تساءل سليم الجاسم (اسم مستعار) أحد المتضررين من حملة هدم منازل في حي الأندلس (شمال السكة) بمدينة الرقة، والتي نفذتها بلدية الشعب، التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، في 24 كانون الثاني/ يناير الحالي، في إطار إزالة مخالفات المخطط التنظيمي التوسعيّ الذي أقرّته البلدية مؤخراً.

وكان الجاسم قد نظم مع جيرانه في حي الأندلس عدة وقفات احتجاجية خلال الشهر الحالي لمنع تنفيذ قرار البلدية الذي يقضي بضمّ الحيّ للمخطط، خاصة و”أننا ما جمعنا ثمن بيوتنا إلا وعيوننا طلعت [بشق الأنفس]”، كما عبّر بلهجته الرقاوية لـ”سوريا على طول”.

وفيما نجح المحتجون في “منع البلدية من هدم المخالفات في المرّات السابقة”، كما أضاف، فقد نُفذ الهدم فجر 24 كانون الثاني/يناير، حين توجهت آليات البلدية إلى المنطقة رفقة قوة عسكرية تابعة لقوات سوريا الديمقراطية (قسد) -معززة بمدرعات عسكرية- اعتدت على عدد من قاطنيّ المنازل أثناء محاولتهم منع عمليات الهدم، بحسب الجاسم.

ويبلغ عدد البيوت التي يشملها قرار الهدم، وفقاً لأحد سكان حي الأندلس، والذي تحدث لـ”سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية، 96 منزلاً، إذ  :

طالت الحملة “نحو 64 منزلاً” حتى الآن، “35 منها دُمّر كلياً وسويت بالأرض، فيما تعرض الباقي لأضرار جزئية”. وتتراوح خسائر المتضررين، بحسب تقديرات أحد المهندسين في الرقة ومتضررين، بين 500 دولار أميركي للمنزل الواحد في عمليات الهدم الجزئي، أو ما تعرف محلياً بـ”التنقير”، و5000 دولار. ناهيك عن الخسائر في قيمة الأرض التي بُنيَ عليها العقار. 

تهم فساد

عملية هدم منازل المدنيين في حي الأندلس هي الثانية خلال كانون الثاني/ يناير الحالي. إذ نفذت البلدية مطلع الشهر الحالي عمليات مشابهة بحق المخالفين في محيط دوار حزيمة بالرقة. وكانت البلدية أعلنت في حزيران/يونيو 2020 عن إجراء مخطط توسعي تنظيمي لحي البعث، أوالمعروف بالمنطقة (أ) الممتدة بين دوار الصوامع شرقاً ودوار حزيمة غرباً، معطية مهلة 30 يوماً لاستقبال الاعتراضات من سكان المنطقة. 

أما حي الأندلس الممتد من دوار حزيمة وحتى دوار الفروسية، والذي طالته عمليات الهدم الأخيرة، فقد “صدر مخططه التنظيمي منذ شهرين”، كما قال الرئيس المشترك لبلدية الشعب في الرقة، أحمد الإبراهيم، وأن “الإعلان عنه تأخر من أجل الوقوف على بعض الاعتراضات”. مضيفاً لـ”سوريا على طول” أن البلدية “أعطت مهلة للأهالي قبل إصدار المخطط، للاطلاع وتسجيل الاعتراضات بهدف التعديل على المخطط التنظيمي بصورته النهائية”، وأن عمليات الهدم كانت “في إطار إزالة المخالفات” كون “بعض البيوت التي تم هدمها بُنيَت بعد صدور المخطط التنظيمي”. 

وفيما أقرّ متضررون تحدثوا إلى “سوريا على طول” باطّلاعهم على المخططات التنظيمية، إلا أنهم تساءلوا أين كانت البلدية عندما كانت هذه المخالفات في مرحلة البناء؟

في هذا السياق، اتهم عبد الرحمن الحامد (اسم مستعار) “مراقبين فنيين من البلدية كانوا مكلفين بجولات ميدانية في مناطق المخالفات بتقاضي رشاوى من الأهالي والمقاولين مقابل غضّ النظر عن هذه المخالفات، بدلاً من وقف بنائها”. مستدلاً على ذلك بحملة اعتقالات شهدتها الرقة على مستوى “موظفي البلدية بسبب قضايا فساد”، كما أضاف لـ”سوريا على طول”، من قبيل اعتقال “كادر” في بلدية الشعب. والكادر هو الشخص الذي يعينه حزب الاتحاد الديمقراطي (الكردستاني) في كل مديرية أو مجلس أو مؤسسة تابعة له، وظيفته تلقي التعليمات من الحزب ونقلها لتلك المؤسسات.

ضحايا فقر واستغلال

في بلد يعاني من أزمات اقتصادية مستمرة وتدني مستوى الأجور، كما هي حال سوريا، تعدّ المساكن العشوائية وعمليات البناء خارج المخططات التنظيمية أحد الحلول المناسبة لمحدوديّ الدخل في سبيل امتلاك منازل بأسعار معقولة مقارنة بأسعار الوحدات السكنية المنظمّة.

لكن ما حدث في مدينة الرقة، وخصوصاً في حي الأندلس، هو أن “عدداً من مقاولي البناء والمكاتب العقارية عمدوا إلى بيع منازل وأراض في المنطقة رغم معرفتهم بصدور المخطط التنظيمي بشأنها، كما اطلاعهم عليه”، كما قال الرئيس المشترك لبلدية الشعب أحمد الإبراهيم، متهماً المقاولين بأنهم “تقصدوا الإضرار بالأهالي في سبيل تحقيق أرباح مالية”.

وتخضع العقارات الواقعة خارج المخطط التنظيمي في الرقة، ومنها العقارات في حي الأندلس، لنظام خاص في البيع والشراء، يسمى محلياً “كفالة العرب”، أي إن ملكية العقار يُعترف بها بين سكان المنطقة، لكنها لا تعفي صاحبها من مساءلة السلطات. ويتجه السكان المحليون إلى شرائها بسبب رخص أسعارها. إذ يتراوح سعر المتر المربع في مناطق المخالفات بحي الأندلس، بحسب مصادر متقاطعة، بين 25,000 و150,000 ليرة سورية، (أي ما يعادل من 8.35 إلى 50 دولار بحسب سعر الصرف في السوق السوداء البالغ نحو 3,000 ليرة للدولار الواحد)، فيما يتراوح السعر في المناطق داخل المخططات التنظيمية بين 150,000 و1,500,000 ليرة، (أو ما يعادل بين 50 و500 دولار).

وعليه، شعر أهالي الرقة المتضررون من عمليات الهدم، كما عبّر الجاسم، بأنهم وقعوا ضحية طرفين “الأول، الفقر الذي دفعنا إلى الشراء أو البناء في مناطق المخالفات. والثاني، حالة التشرد التي نعيشها، ولم تراع البلدية في إجراءاتها الأخيرة الظروف الراهنة التي نمرّ بها”. مضيفاً أن “بعض من هُدمت منازلهم انتقلوا إلى أبنية على العظم [غير مكسوة]، ومنهم من فضّل البقاء على أنقاض منازلهم”، فيما البعض “نزح عن الحي”، كما في حالة الجاسم الذي غادر “إلى منطقة أخرى في المدينة حيث يعيش والديّ”.

الرقة والمخطط التنظيمي

في العام 1962، وضعت شركة هندسية إيطالية أول مخطط تنظيمي لمدينة الرقة، أطلق عليه اسم “مخطط كواس” نسبة لاسم الشركة. لكن المخطط اعتُبر وقتها توجيهياً فقط ولم ينفذ. وفي العام 1983، وضعت الوحدة الهندسية في جامعة دمشق مخططاً تنظيمياً جديداً، قسمت بموجبه المدينة إلى ثلاثة قطاعات (أ، ب، ج)، وكان بمثابة حجر أساس للتخطيط التنظيمي في الرقة.

واستجابة للتوسع العمراني التي تشهده المدينة بين فترة وأخرى، تُضمّ مناطق جديدة لمخطط العام 1983، فيما اعتُبرت كل المناطق خارج المخطط التنظيمي مخالفات لا يسمح بالبناء فيها، وفق قوانين وزارة الإدارة المحلية.

 عمليات توسعة المخطط التنظيمي في الرقة وضمّ أراض جديدة له ليست جديدة. لكن هذه هي الأولى منذ أن صارت المدينة تحت حكم الإدارة الذاتية عقب طرد تنظيم “داعش” مما كان يعتبرها “عاصمة الخلافة” على يد “قسد” بدعم من التحالف الدولي، في تشرين الأول/أكتوبر 2017.

إذ سبق أن شهد العام 2004 عملية توسعة للمخطط ليشمل حيّ السباهيّة والجزرة غربي مدينة الرقة، وقبل ذلك عمليات توسعة استهدفت مناطق أخرى من قبيل حي تشرين (رميلة)، وحي المأمون (المشلب) شرقي الرقة العام 1988. ومن قبلها ضم منطقة بين الجسرين (حي الفرات) وصراه عجاج (حي التصحيح) للمخطط التنظيمي.

في هذا السياق، قال عدد من المهندسين والفنيين العاملين في الرقة إن معظم عمليات التوسعة على المخططات التنظيمية في الرقة، والتي أفرزت أعداداً كبيرة من المخالفات والتجاوزات، لم تنته بعمليات هدم كما حدث في حي الأندلس مؤخراً. وحتى إن حدث تشديد من الجهات المختصة للحد من المخالفات فإنها تقتصر على إلحاق أضرار بسيطة.

إضافة إلى ذلك، فإن عمليات التوسعة السابقة “كانت تراعي الأوضاع المادية لأهالي المنطقة المراد تضمينها بالمخطط، وتسعى إلى التوصل لحلول مع غالبية الأهالي بهدف الحدّ من الإشكاليات والتصادم مع السكان”، بحسب ما ذكر المهندس من الرقة، وكذلك “توضيح فوائد التنظيم للأهالي، وتعويضهم من خلال طرح أسعار منافسة تتناسب مع قدرة من خسروا ممتلكاتهم في التوسعة”. 

وتعد عملية تعويض الأهالي في حي رميلة بمساكن أخرى في منطقة التل الأسود شمال حي المشلب، وتعويض أهالي صراه عجاج بشقق سكنية مساحتها 100 متر مربع، من أشهر عمليات التعويض. ورغم أنه “لا يمكن اعتبار عمليات التعويض منصفة للأهالي”، بحسب المهندس، “إلا أنها كانت حلولاً وسطاً خففت على الأهالي”. متسائلاً: “من يعوض المتضررين حاليا؟”.

وكان وفدّ من المتضررين قد زار مجلس الرقة المدني وبلدية الشعب “أملاً في الوصول إلى حلّ يجبر خاطرنا”، على حد تعبير سليم الجاسم، فيما اتجه بعض الأهالي “إلى شخصيات عشائرية قد تجد مخرجاً وتوقف عمليات إزالة المخالفات”. لكن “لا أمل بحلول ولا حتى تعويضات حتى الآن” كما أضاف.

شارك هذا المقال