6 دقائق قراءة

هل تنسحب هيئة تحرير الشام من ريف حلب أم تبقى “في الظل” عبر الجهاز الأمني؟

اتخذت هيئة ثائرون للتحرير موقف الحياد وكانت "قوات فصل وملء الفراغ" أثناء هجوم هيئة تحرير الشام، لكن استراتيجياً إذا تعزز سيناريو تمدد تحرير الشام في حلب، سيكون مصير "ثائرون" كباقي التحالفات العسكرية السابقة مع الهيئة بمعنى استخدام الأطراف ومن ثم التخلي عنها


21 أكتوبر 2022

باريس- أمهلت تركيا هيئة تحرير الشام، حتى مساء اليوم الجمعة، لسحب قواتها الأمنية والعسكرية بالكامل من المناطق التي دخلتها في عفرين وريفها بريف حلب الشمالي، وأجرت القوات التركية جولات على حواجز عدة في منطقة عفرين لإجبار عناصر الهيئة على المغادرة إلى إدلب.

من جانبه، نفى مصدر عسكري في هيئة تحرير الشام ما تداولته وسائل إعلام محلية معارضة عن المهلة التركية، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول” إلى أن الهيئة سحبت جزء كبير من قواتها، “وما زالت تقوم بسحب عناصر جديدة”، من الذين شاركوا في العملية بريف حلب، بحسب قوله.

تدخلت “تحرير الشام” عسكرياً، في 11 تشرين الأول/ أكتوبر الحالي، إلى جانب فرقة السلطان سليمان شاه (العمشات) وفرقة الحمزة (الحمزات)، التابعين للجيش الوطني السوري المعارض، ضد الفيلق الثالث التابع لـ”الوطني” أيضاً، على خلفية تورط “الحمزات” بتدبير وتنفيذ عملية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف أبو غنوم وزوجته وجنينهما بمدينة الباب. 

بعد دخولها إلى المنطقة، التي تقع ضمن النفوذ التركي والمدعومة خدمياً من أنقرة، روجّت هيئة تحرير الشام إلى أنها بدأت تدير الخدمات في المنطقة التي دخلتها، لا سيما عفرين، إذ نشرت الهيئة صوراً من جولة مشتركة لـ”مديرية الشؤون الإنسانية” في حكومة الإنقاذ التابعة لـ”تحرير الشام”، إلى عدة قرى ومخيمات بريف عفرين، تخللها لقاءات شخصيات من الإنقاذ مع مدنيين.

في المقابل، حاولت الحكومة السورية المؤقتة (المعارضة) إثبات العكس، وأنها ما تزال موجودة في المدينة، عبر نشر صور لرئيسها عبد الرحمن مصطفى، رفقة مجموعة من الوزراء ومسؤولين في المجلس المحلي لمدينة عفرين.

التواجد في الظل

في 18 تشرين الأول/ أكتوبر، تداول ناشطون تسجيلات مصورة تظهر انسحاب أرتال عسكرية لهيئة تحرير الشام من عفرين إلى إدلب، استجابة للضغوطات التركية، لكن ثلاثة مصادر، بينهم مصدران يقيمان في مدينة عفرين، قالت لـ”سوريا على طول” أن الهيئة ما تزال تحتفظ بقوات أمنية وعسكرية وموظفين مدنيين في المدينة.

وفي ذلك، قال محمد خلدون (اسم مستعار)، يقيم في مدينة عفرين، أن “تحرير الشام ما تزال موجودة في عفرين”، لكن “تحت غطاء الحمزات والعمشات والشرطة العسكرية”، مشيراً إلى أن “تحرير الشام بدأت تنتشر أمنياً بشكل أكبر”، كما أوضح لـ”سوريا على طول” أول أمس الأربعاء. 

يشير الانتشار الأمني وما رافقه من “زخم في الحركة الأمنية والإدارية للهيئة” إلى أن الانسحاب الذي جاء بعد التدخل التركي “هو انسحاب شكلي أكثر من كونه انسحاب كامل”، بحسب معن طلاع، الباحث في مركز عمران للدراسات الاستراتيجية، موضحاً أن “تحرير الشام” كانت تستهدف شمال حلب “عبر اختراقها أمنياً، لكنها اليوم حوّلت الاختراق لنفوذ أمني واضح في المنطقة التي دخلتها”. 

لكن، يبدو أن المهم بالنسبة للأتراك والفصائل والمجالس المحلية المدعومة منها “إعلان انسحاب تحرير الشام حتى لو أنها لم تنسحب فعلياً على أرض الواقع”، كما قال صحفي مقيم في ريف عفرين لـ”سوريا على طول”، طالباً عدم الكشف عن اسمه لأسباب أمنية.

مكاسب “تحرير الشام”

تسعى هيئة تحرير الشام من دخولها إلى منطقة جغرافية جديدة إلى تحقيق مكاسب اقتصادية “من خلال التدخل في موارد المنطقة ومعابرها التجارية”، كما قال فراس فحام، الباحث في مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا لـ”سوريا على طول”.

وتتطلع الهيئة للتمدد في منطقة عفرين، باعتبارها “خاصرة مناطق نفوذها في إدلب”، كما ترغب في “فرض رؤيتها على الفاعلين المحليين في الجيش الوطني بما يسهم في خلق رؤية ضبابية في التعاطي الدولي مع تحرير الشام”، بحسب معن طلاع، إذ في الوقت الذي يتعامل المجتمع الدولي من “الهيئة” في إدلب على أنها “قوة إرهابية”، تتوقع الأخيرة أن “دخولها في ديناميات الجيش الوطني قد يساهم في تحسين مناخ تفاعل المجتمع الدولي معها”.

ورغم أن الاتفاق بين هيئة تحرير الشام والفيلق الثالث لم يتضمن بنوداً تتعلق بالمعابر، إلا أن الطلاع يتفق مع فحام في أن “السبب الاقتصادي”، أحد أهم أهداف “تحرير الشام”، التي تطمح إلى “السيطرة على المعابر والموارد في مناطق الجيش الوطني، والتحكم في الطرق، لاسيما الطرق التي تربط تركيا بمناطق النظام”، مشيراً إلى هذا التحكم “سوف يجعل من تحرير الشام طرفاً رئيسياً في المفاوضات بين النظام وتركيا”، لاسيما “إن أخذنا بعين الاعتبار أن سيناريو تجميد العمليات العسكرية أسهم في تعزيز ظروف التبادل التجاري بين أطراف الصراع، وأعاد فكرة المعابر الداخلية إلى الواجهة”.

إن سيطرة تحرير الشام على كافة المعابر في شمال غرب سوريا “سيجعلها قوة مفاوضة بشكل رئيسي”، وفق طلاع، مشيراً إلى أن الهيئة “لم تنجح في تحقيق ذلك بشكل كامل، لكنها حققته جزئياً، من خلال وجود نفوذ أمني لها في مناطق الجيش الوطني”.

تعليقاً على ذلك، قال المصدر العسكري من “تحرير الشام” أن “التعاون في الملفات الأمنية مع بعض فصائل الجيش الوطني موجود قبل العملية العسكرية الأخيرة”، وذلك انطلاقاً من “واجبنا في عدم ترك هامش للمجرمين يتيح لهم التنقل بين المنطقتين، لكن ذلك لا يرقى حتى الآن للمستوى المطلوب”.

وأضاف: “نسعى إلى تطوير هذا التنسيق، إذ بزيادة التنسيق يضيق الخناق على المجرمين وأعداء الثورة أكثر”، على حد قوله.

صورة معقدة

أظهرت سرعة دخول مؤسسات مدنية تابعة لـ”تحرير الشام” في اليوم التالي لتواجد عناصر الهيئة في عفرين، نية “الهيئة” المسبقة في التمدد بمناطق الجيش الوطني.

تأكيداً على ذلك، قال الصحفي المقيم في ريف عفرين أن إدارة معبر باب الهوى في مناطق نفوذ تحرير الشام، عبّدت طريق باب الهوى-جنديرس، في آب/ أغسطس الماضي، حتى “الجزء الخاضع لسيطرة الجيش الوطني آنذاك”.

حتى الآن، ما يزال شكل تواجد هيئة تحرير الشام في مناطق نفوذ الجيش الوطني المدعوم من أنقرة غير واضح، لكن هناك “نقاشات كبيرة تجري على المستوى الاقتصادي والإداري بين تحرير الشام والفيلق الثالث والحكومة المؤقتة والجانب التركي”، بحسب الطلاع، معتبراً أن تواجد “الهيئة” في شمال حلب “سوف دور الحكومة المؤقتة شكلياً، بينما العصب والتحكم بيد الهيئة”.

من جانبه، قال مصدر من المجلس المحلي في مدينة عفرين، التابع للحكومة المؤقتة المدعومة من أنقرة، يوم الأربعاء، أن “المجلس المحلي يمارس عمله كما كان في السابق، رغم وجود الهيئة في المدينة”، كاشفاً لـ”سوريا على طول” عن “وجود عناصر من الهيئة على باب مكتبي، وأنا أتحدث الآن، لكنهم لم يتدخلوا حتى الآن بعملنا”، بحسب قوله.

وفي الوقت الذي انتشرت فيه صور المؤسسات الخدمية التابعة للإنقاذ في شوارع عفرين “كنّا نحن موجودون أيضاً ونعمل في عفرين”، كما أوضح المصدر، لكن “شكل تواجدهم المستقبلي غير واضح. قد يكون لهم تواجد أمني عبر جهاز الأمن العام، لكن تحت اسم الشرطة العسكرية في عفرين، إلى جانب دورهم في المؤسسات الإدارية لكن بشكل غير معلن”.

وقال المصدر من المجلس الوطني أن رئيس الحكومة المؤقتة، عبد الرحمن مصطفى، أخبرهم أن حكومته “ستدير مدينة عفرين، لكن أتوقع أن يتم إدارة بعض الملفات بالتشارك بين الحكومتين الإنقاذ [التابعة للهيئة] والمؤقتة”.

أياً كان شكل الإدارة في ريف حلب الشمالي “سوف يعود سلباً على المشهد السوري في حال كانت هيئة تحرير الشام جزء منه”، وفقاً للباحث طلاع، لأن “إخراج المعارضة عملياً وتنفيذياً يسهم في تراجع تأثيرها”. وتالياً يصبح المشهد العام “نظام وأطراف إرهابية بلبوس قومي متمثلة في قسد، وأخرى بلبوس ديني متمثلة بهيئة تحرير الشام، مقابل غياب [المعارضة السورية] عن التأثير من الناحية الجيوستراتيجية والسياسية”، ما يعني أن المنطقة “تدخل في مرحلة جديدة من السيناريوهات التي لا تنذر بالإيجاب”.

المستقبل لمن؟

اتخذت هيئة ثائرون للتحرير، التي تتكون من مجموعة فصائل مقربة من تركيا أكثر من غيرها، موقف الحياد، وأصبحت إلى حدّ ما “قوات فصل وملء فراغ”، بعد هجوم هيئة تحرير الشام على الفيلق الثالث.

وبذلك “أوصلت ثائرون رسالة قوية إلى جميع أطراف الجيش الوطني، أن أي عملية اجتثاث لمكونات ثائرون سوف يلقى رفضاً تركياُ، وبالتالي ضمنت وجودها وتعزيز تحالفها مع الجانب التركي”. كما قال الباحث طلاع.

الدور الذي لعبته “ثائرون” كقوات فصل وملء فراغ حقق لها “استحواذاً أمنيا في عفرين وما حولها”، بحسب طلاع، لكن “على المستوى الاستراتيجي، إذا تعزز سيناريو تمدد تحرير الشام الأمني سيكون مصير ثائرون كباقي التحالفات العسكرية السابقة مع الهيئة، التي تستخدم الأطراف لتعزيز قوتها، ومن ثم تتخلى عنهم”، وهناك أمثلة كثيرة “من قبيل: حركة نور الدين الزنكي، وأحرار الشام وغيرهما”.

من جهته، قال الباحث فراس فحام أن “هيئة ثائرون للتحرير كانت تعوّل على استفادتها من إضعاف الفيلق الثالث، وهو أبرز المنافسين لها، لكن من الواضح أن تحرير الشام تحولت إلى منافس أكبر”، مشيراً إلى أن “الهيئة لن تترك الموارد المالية لأي فصيل، وسوف تتدخل في شؤون كل الفصائل في حال أحكمت سيطرتها”.

منذ بدء هجوم هيئة تحرير الشام ضد الفيلق الثالث حتى مساء أمس الخميس، اكتفى الأتراك في “مراقبة التصعيد دون التدخل الحاسم، لأن الفاعل التركي رأى أن ما قام به الفيلق الثالث يهدف إلى خلط الأوراق ومعادلات التوازن العسكري في الشمال السوري”، كما قال طلاع، لذلك “فضلت أنقرة “ترك التصعيد العسكري يأخذ مداه ليصار إلى تصحيح هذا التوازن بشكل تلقائي، وعندما تعثر تصحيحه تلقائياً تدخلت”.

وفسّر طلاع تدخل الأتراك على مستويين، “الأول، يعكس التوازنات داخل الإدارة التركية وتباين وجهات النظر بين الفاعل الأمني والفاعل السياسي؛ فالأخير يرى أن تغلغل تحرير الشام سوف يعود بنتائج سلبية على المستوى السياسي، لكونها مناطق تحت الإشراف التركي”، بينما يرى الفاعل الأمني “ضرورة أن يكون هناك قوة أمنية منضبطة تسهم في توقف التدهور الأمني”.

أما المستوى الثاني للتدخل التركي، يتمحور في أن “الصيغ البديلة [ثائرون] تحقق الشرط الأمني والسياسي معاً، حيث أن استلام ثائرون أماكن الفيلق الثالث، من شأنه إعادة التوازن من جهة، ويسهم في إبقاء الحالة السياسية والإدارية على ما هي عليه، إضافة إلى أنه يسهم في امتصاص الاحتقان”.

شارك هذا المقال