5 دقائق قراءة

يازي ناحوم: آخر يهود القامشلي تروي حكايتها

بعد مرور 61 عاماً على زواجها، تروي يازي ناحوم، وهي آخر يهودية في القامشلي، قصة زواجها من مسلم، وتعود بذاكرتها إلى أحداث ومعالم تربطها بعائلتها وأبناء ديانتها.


القامشلي- بعد مرور 61 عاماً على زواجها من رجل مسلم، تسترجع يازي ناحوم، آخر سيدة يهودية في مدينة القامشلي، ذكرياتها ومواقف من حياتها الخاصة، وحياة اليهود في شمال شرق سوريا، التي تحولت إلى ذكرى بعد هجرتهم إلى خارج البلاد. 

في عام 1962، تزوجت ناحوم، 78 عاماً، من بهجت درويش، ونظراً لرفض أهلها فكرة زواجها من شاب مسلم، هربت معه إلى قرية اللطيفية قاصدين مختاراً كردياً اسمه سليم، الذي أحضر لهما أحد ملالي (شيخ) القرية، لعقد قرانهما وفق الشريعة الإسلامية، كما قالت السيدة لـ”سوريا على طول”.

في صبيحة اليوم التالي، تقدمت عائلة ناحوم بشكوى إلى قسم الشرطة في القامشلي مفادها: “شاب مسلم بعمر 19 عاماً، اختطف بنتاً يهودية قاصر بعمر 17 عاماً”، وبناء على الشكوى ألقت الشرطة القبض على درويش وأودع في السجن لمدة شهر قبل أن يُخلى سبيله، ويعود إلى زوجته يازي ناحوم.

صورة يازي ناحوم وزوجها بهجت درويش، وهي واحدة من الصور التي تحتفظ بها ناحوم حتى الآن (سلافا يونس/ سوريا على طول)

كان الرفض مقتصراً على حادثة الزواج وما بعدها، ولا ينعكس على طبيعة علاقة اليهود بالمكونات الأخرى، إذ بحسب ناحوم: “لم نعرف التفرقة الطائفية في الحي الذي كنا نعيش فيه بالقامشلي، وكان هناك ودّ بين قاطني الحيّ من مسلمين ويهود ومسيحيين وأكراد وغيرهم”.

ولطالما كانت المناسبات الاجتماعية في الأفراح والأتراح “تجمع الجيران بأطيافهم: السريان والمسيحيين والمسلمين، وكانت النسوة وبناتهن يسهرن مع بعضهنّ كأنهنّ من عائلة واحدة”، بحسب ناحوم. يعود تواجد اليهود في القامشلي إلى بداية القرن العشرين، إذ هاجرت نحو 150 عائلة يهودية من بلدة نصيبين الحدودية مع تركيا إلى القامشلي، التي شرعت فرنسا بإنشائها في منطقة الجزيرة السورية بعد سيطرتها على المنطقة.

من جهته، قال المفكر والكاتب أنيس حنا مديوايه، الذي عاصر يهود القامشلي والمقيم في المدينة إلى الآن،  أن “عدد العائلات اليهودية في مدينة القامشلي، عام 1931، بلغ 250 عائلة، غالبية بيوتهم كانت مبنية من الطين كحال باقي سكان المدينة”، كما قال لـ”سوريا على طول”، “وقد بنوا كنيساً لهم بعد وصولهم، كانوا يقيمون صلواتهم فيه متجهين إلى بيت المقدس”.

وفي عام 1947، أنشئت مدرسة لليهود بعد أن تقدموا بطلب لمديرية المعارف السورية، وكان عدد طلابها 80 طالباً، بحسب مديواية، الذي كان مديراً للمدرسة، مشيراً إلى أن “المدرسة أغلقت بعد عام من إنشائها بسبب حرب عام 1948 في فلسطين وما تبعها من إعلان دولة إسرائيل”.

قبل وصولهم إلى القامشلي، تركز وجود اليهود في الجزيرة السورية، شمال شرقي البلاد، في كل من: قلعة جعبر، الرقة، حران، رأس العين، نصيبين، جزيرة ابن عمر، الميادين، البصيرة، وغيرها، كما جاء في مقال للباحث السوري مهند الكاطع بعنوان “اليهود في القامشلي”، مشيراً إلى أن أعداد اليهود في سوريا لم يتجاوز 4574 نسمة، عام 1970، منهم 414 نسمة في القامشلي.

لم تبدل ناحوم دينها، وعاشت مع زوجها، الذي توفي عام 2013، وعائلته لعقود “كانوا يعتبرونني إحدى بناتهم، ويحترمون طقوسي الدينية وشعائري وعاداتي”، ناهيك عن تعاطفهم معها عندما قاطعها أهلها، الذين رحلوا من القامشلي إلى دمشق بعد ثماني سنوات من زواجها، أي في عام 1970.

يازي ناحوم تتكئ على عكازها أمام منزلها في مدينة القامشلي، 07/ 06/ 2023، (سلافا يونس/ سوريا على طول)

عادة، تصوم السيدة السبعينية شهر رمضان، وهو شهر صوم خاص بالمسلمين، وتستمع لبناتها أثناء تلاوتهم للقرآن في هذا الشهر، قائلة: “أحب كل الأديان، أياً كان دين الإنسان فهو يعبد الله تعالى”.

رُزقت ناحوم بأربعة عشر ابن وابنة، توفي منهم اثنان “ربيتهم جميعاً وفق المنهج الإسلامي بمساعدة عائلة زوجي، وجميعهم يحترمون شعائري كيهودية، مثل: الابتعاد عن فراش الزوجية لمدة ستين يوماً إذا كان المولود أنثى، وخمسون يوماً إذا كان ذكراً، وأداء صلواتي ثلاث مرات في اليوم قبل طلوع الشمس”.

أيضاً، تلتزم ناحوم بطقوس الأعياد الخاصة باليهود، قائلة: “لدينا عيدين، الأول يصادف في نيسان أو أيار، والآخر في تشرين الأول، نحتفل في كل عيد لمدة أسبوع، خلاله لا نأكل إلا اللحم والرز والبيض”.

قبل أن يغادر اليهود مدينة القامشلي، كانت تصل ذبائح خاصة باليهود، من الشام وحلب، يقوم بذبحها حاخام متخصص بذبح الشّاة والدجاج و”يزود يهود القامشلي بها، يوم الثلاثاء، مرة واحدة كل أسبوعين”، ويشترط أن تكون الذبيحة خالية من العيوب، وأن يذكر اسم الله عليها، وأن تمرر السكين على رأس الذبيحة مرة واحدة لا تعاد ولا تكرر، بحسب ناحوم.

وتستذكر ناحوم سوق عزرا أو عزرة في القامشلي، عندما كان يغلق يوم السبت “لأننا في هذا اليوم لا نحمل في جيوبنا نقوداً ولا نبيع أو نشتري، ولا نشعل النيران”. يعود تاريخ سوق عزرا إلى عام 1928، وهو من أقدم أسواق القامشلي، وكان مركزاً تجارياً ليهود القامشلي وغيرهم من المكونات، وبقيت تجارة اليهود فيه حتى عام 1999 وهو تاريخ هجرة اليهود من القامشلي.

وفي حديثها عن سوق عزرا، المعروف باسم “سوق اليهود” أيضاً، استذكرت ناحوم اسم التاجر “عزرا بن ناحوم بن إسحق”، وهو “تاجر معروف شرقاً وغرباً لدى العشائر العربية والكردية، كان صادقاً في تعامله وسلوكه، وسمحاً في البيع، فالكل يستدين منه حتى نهاية الموسم”، قالت السيدة، مشيرة إلى أن “بيته كان مفتوحاً ينام فيه القادمون من المناطق البعيدة من أبناء المقابل والمرضى”.

أشخاص يتجولون وآخرون يقفون أمام محلات تجارية في سوق عزرا بمدينة القامشلي، 07/ 06/ 2023، (سلافا يونس/ سوريا على طول)

غادر عزرا مدينة القامشلي إلى أميركا، في ثمانينات القرن الماضي، و”باع حانوته شريطة أن يبقى اسمه على باب المحل وكان له ما أراد”، بحسب ناحوم. تظهر الصورة التالية اسم “عزرا” على حانوته القديم في “سوق اليهود” بالقامشلي.

يافطة محل “عزرا” في سوق اليهود بالقامشلي، حيث حافظ صاحب المحل الحالي على الاسم القديم، 07/ 06/ 2023، (سلافا يونس/ سوريا على طول)

ذاع صيت يهود القامشلي في التجارة، وفقاً لناحوم، مشيرة إلى أن نشاطهم تركز على “استيراد التمر والدبس والدخان والتوابل من العراق، وشراء أصناف أخرى مع حلب ودشق”، وكان من أشهر التجار عزرا.

“وما زالت حوانيت اليهود ذات الأبواب الخشبية، حتى اليوم، بأسمائهم في المصالح العقارية [التابعة للدولة]”، وبيوتهم ما زالت موجودة على حالها ومغلقة”، بحسب المفكر والكاتب أنيس حنا مديواية.

غادر جميع أفراد عائلة يازي ناحوم، عام 1970، من القامشلي ومن ثم غادروا البلاد، عام 1992، إلى الولايات المتحدة وإسرائيل. ومنذ هجرتهم خارج البلاد “انقطعت أخبارهم نهائياً”، كما قالت ناحوم، لكن ممارسة طقوسها الدينية ووجود شواهد كثيرة على وجود اليهود في المدينة، يربط حاضر السيدة الثمانينية بماضيها.

**

تم إنتاج هذا التقرير كجزء من برنامج مراس، الذي تنفذه “سوريا على طول” لتمكين الصحفيين والصحفيات في شمال شرق سوريا.

شارك هذا المقال