5 دقائق قراءة

2020: عام صناعة الأزمات الاقتصادية ومواصلة النهب في سوريا

واصلت البلاد في العام 2020 معاناتها مع أزمات اقتصادية متلاحقة، بدءاً من انهيارات مستمرة بين الحين والآخر لقيمة الليرة، وارتفاع الأسعار ونقص السلع، وصولاً إلى قانون "قيصر"


31 ديسمبر 2020

عمّان – فيما كان العام 2019 يوشك على نهايته، كانت دمشق تلقي باللوم على “الأزمة الاقتصادية اللبنانية” التي انعكست بدورها على الاقتصاد السوري. وهو ما جدد بشار الأسد التأكيد عليه في تشرين الثاني/نوفمبر الماضي، عبر الحديث عن مليارات الدولارات لمواطنين سورييين عالقة في البنوك اللبنانية.

إذ قال الأسد أثناء جولته وزوجته في معرض بدمشق للمشاريع الصغيرة في حلب، إن “المشكلة الاقتصادية لها سبب آخر [غير الحصار والعقوبات] ما حدا بحكي فيه، وهو الأموال التي أخذها السوريون إلى لبنان، وحطوها في لنبان وتسكرت مصارف لبنان فدفعنا الثمن، هذا هو جوهر المشكلة يلي ما حدا بحكي فيه”.

وأضاف الأسد: “بقولوا الحد الأدنى أقل شي هو 20 مليار دولار، والحد الأعلى البعض بقول هو 42 مليار دولار، ما بنعرف شو الرقم الحقيقي، لكن هذا الرقم بالنسبة لاقتصاد مثل اقتصاد سوريا هو رقم مخيف”.

لكن بصرف النظر عن تحميل الأسد الأزمة اللبنانية وحدها المسؤولية عما يمر به الاقتصاد السوري المتهالك، فقد واصلت البلاد في العام 2020 معاناتها مع أزمات اقتصادية متلاحقة، بدءاً من انهيار ات مستمرة بين الحين والآخر لقيمة الليرة السورية، وارتفاع الأسعار ونقص السلع، لاسيما المحروقات والخبز، والخلاف مع رامي مخلوف، ومن ثم تفشي وباء فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) وتبعاته الاقتصادية على البلاد، إضافة إلى قانون العقوبات الأميركية المعروف باسم “قيصر”.

الليرة الهزيلة

مع دخول العام 2020، عاصرت الليرة السورية انهيارات متسارعة أمام الدولار الأميركي. إذ بلغ سعر صرفها في 17 كانون الثاني/يناير الماضي حوالي 1,230 ليرة للدولار، وصولاً إلى أدنى سعر صرف في تاريخ البلاد في 8 حزيران/يونيو الماضي، حول 3,175 ليرة للدولار الواحد، فيما تجاوز في بعض المحافظات عتبة 3,500 ليرة، 

ورغم تحسن سعر الصرف منذئذ، إذ يبلغ حالياً 2,755 ليرة للدولار، كشفت القفزات المتسارعة في سعر الصرف حالة التخبط في سياسة دمشق للتعامل مع “الكارثة” التي تعيشها البلاد، وهو ما لخصه تصريح المستشارة السياسية والإعلامية لبشار الأسد بثينة شعبان، بأن “الاقتصاد السوري اليوم أفضل بـ50 مرة مما كان عليه في العام 2011 [الذي شهد اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا]”.

وعدا عن السخرية والانتقاد الذي تلقته شعبان كرد فعل على تصريحاتها، فإن ذلك تعارض مع قرارات مصرف سورية المركزي (البنك المركزي) “طرح سندات خزينة الدولة”، لأجل وقف انهيار الليرة.

الخلاف على المنهوب 

“رأس المال الأجنبي جبان، أما رأس المال الوطني فلا يجوز أن يكون جبان”، عبارة أطلقها بشار الأسد أمام مجلس الشعب السوري في آب/أغسطس الماضي، لتشجيع المستثمرين والتجار وأمراء الحرب على ضخ أموالهم في اقتصاد البلاد.

لكنها عبارة لا يبدو أنها تنطبق على الأموال الوطنية المنهوبة من قبل رامي مخلوف واجهة نظام الأسد المالية حتى وقت قريب، عندما ظهر للعلن الصراع بين الأسد وابن خاله مخلوف المودعة أمواله خارج البلاد. إذ في أواخر  نيسان/أبريل الماضي، خرج مخلوف على غير العادة بتسجيل مصور نشره على صفحته على “فيسبوك” تحدث فيه عن خلافه مع الحكومة السورية بشأن مطالبات مالية تتعلق بعمل شركته “سيرتيل” للاتصالات ومناشداً بشار الأسد التدخل.

تالياً، اتضحت ملامح الصراع بشكل جلي مع  إصدار حكومة دمشق قراراً بالحجز الاحتياطي على الأموال المنقولة وغير المنقولة لرامي مخلوف وزوجته وأولاده، وتعيين حارس قضائي على شركة سيريتل للاتصالات التي يملك مخلوف الحصة الأكبر فيها. وحتى اليوم، ما يزال مخلوف يحاول استعادة حصته من الأموال التي سرقها وابن عمته. إذ نشر في 14 كانون الأول/ديسمبر الحالي رسالة مطولة على صفحته على “فيسبوك”، بعنوان “من خادم العباد إلى رئيس البلاد”، حملت رسائل استجداء كما تهديد وتحد في الوقت ذاته.

ولم يفوت مخلوف هذه المرة فرصة مهاجمة “أثرياء الحرب” الذين تقودهم أسماء الأسد زوجة بشار الأسد، والذين أصبحوا منافساً شرساً لعائلة مخلوف، بل وبدلاء يديرو عملية نهب الاقتصاد السوري. ولعل أبرز أعضاء هذا التيار، شقيق زوجة الأسد فراس فواز الأخرس، وابن خالتها مهند الدباغ، إضافة إلى مجموعة كبيرة من “رجال الأعمال” الجدد وأمراء الحرب الذين طالت غالبيتهم العقوبات الدولية.

الخبز: لقمة القهر

قضى السوريون hgعام 2020 في طوابير طويلة على أبواب المخابز أو عند المراكز المعتمد لتوزيع الخبز عبر “البطاقة الذكية”، إذ لم تفلح كل قرارات حكومة دمشق في التغلب على أزمة الخبز التي اجتاحت مناطق النظام كافة، بدءاً من توزيع الخبز عبر “البطاقة الذكية”، أو تالياً من خلال تحديد الكمية المخصصة لكل فرد.

وقد اضطرت صحيفة الوطن الموالية أمام هذه الحالة إلى الإقرار بصعوبة “الحصول على ربطة خبز في مدينة جرمانا” بريف دمشق، من “دون معرفة أو واسطة أو دفع زيادة في السعر”.

إضافة إلى ما سبق، يشكو المواطنون تردي نوعية الخبز بشكل كبير، وبحسب ما قال أبو محمد الحمد، من بلدة أم المياذن بريف درعا، لـ”سوريا على طول” في نيسان/أبريل الماضي، فإن الخبز الذي ينتجه مخبز بلدته “سيء جداً” إلى حد أن “الحيوانات لا تقبل أكله”.

فنون النهب

رغم كل المعاناة السابقة للمواطنين، تميز العام 2020 بابتكارات حكومة الأسد لأساليب مواصلة نهب الاقتصاد السوري، وصناعة الأزمات،

فرغم إعلان دمشق المستمر عن آليات وإجراءات داعمة للسوريين، فإن تلك الاجراءات والآليات تبدو ذاتها وسيلة لتعزيز “السوق الحر” (غير المدعومة سلعها)، وأسوأ من ذلك فتح المجال أمام متنفذين في النظام ومقربين منه للتربح غير المشروع على حساب قوت السوريين.

ففي أيار/مايو الماضي، تساءل بشار الأسد، أثناء اجتماعه بـ“المجموعة الحكومية المعنية بمواجهة جائحة كورونا وتداعياتها”: “لماذا هناك فرق كبير بين سعر الأرض أو المزارع وسعر السوق؟”. وعقب إجابته هو نفسه عن السؤال، قال أنه وحكومته منحا “المؤسسة السورية للتجارة” صلاحية أوسع لتلعب “دور التاجر الشاطر“، بحيث “تتحكم بالسوق وتقطع الطريق على المحتكرين (..) ويجب أن تصبح التاجر الأكبر والمحدد للأسعار”.

وعلى الرغم من الصلاحيات الواسعة التي منحت لـ”السورية للتجارة”، إلا أن المشكلة تبدو في آلية عمل المؤسسة وعلاقتها بالتجار والمستوردين والمنتجين. وبحسب صحيفة قاسيون التابعة لـ”حزب الإرادة الشعبية” الذي يرأسه نائب رئيس الوزراء الأسبق للشؤون الاقتصادية والمقيم حالياً في روسيا، قدري جميل، فإن “المستفيد من وجود المؤسسة وتوسع انتشارها هم شريحة التجار المتعاملين معها باختلاف توصيفاتهم”.

مع ذلك، فإن الحلول الإدارية والاقتصادية المتبعة من قبل الحكومة، لا تكاد تعدو كونها محض “حلول ترقيعية، لا تعالج جذر المشكلة الكامل في الفساد المتأصل في مؤسسات الدولة”، بحسب ما قال في تصريح سابق لـ”سوريا على طول”، الباحث الاقتصادي السوري كرم شعار.

يضاف إلى ما سبق اعتماد دمشق مؤخراً بشكل أكبر على سياسة “تحرير الاقتصاد”، عبر السماح للتجار والصناعيين المقربين من النظام باستيراد السلع والمواد الأساسية وتوفيرها في السوق، نظراً لـعجز الدولة عن النهوض بهذه المسؤولية.

مع ذلك، فإن سياسة “تحرير الاستيراد” لا تعد حلاً في الحالة السورية، برأي الباحث في الاقتصاد السياسي بجامعة لوزان في سويسرا، جوزيف ضاهر، “لأن التجار يفكرون في مصلحتهم”. بل إن “النظام والتجار المقربون منه يقومون باستغلال الأزمات الحالية لتعميق هذه السياسات البديلة التي تعزز نفوذهم وتجارتهم”. عدا عن كون سياسة “تحرير الاستيراد” تحرم القطاعات السورية المنتجة من دورها في النهوض بالاقتصاد.

وإضافة إلى ما سبق اتخذت حكومة دمشق العديد من القرارات التي تخفي في باطنها عمليات مواصلة نهب الاقتصاد وجيب المواطن: من قبيل، فرض دمشق في تموز/يوليو الماضي، تصريف 100 دولار على كل مواطن يريد العودة إلى سوريا، بحسب السعر الرسمي المحدد بـ1,256 ليرة للدولار.

شارك هذا المقال