7 دقائق قراءة

مدنيون ومراقبون: قوات التحالف “تستهتر” بحياة المدنيين خلال حملتها ضد تنظيم الدولة

  الدخان يرتفع فوق هجين خلال الاشتباكات. تصوير: قوات سوريا […]


 

الدخان يرتفع فوق هجين خلال الاشتباكات. تصوير: قوات سوريا الديمقراطية.

 

وضعت الغارات الجوية لقوات التحالف، بقيادة الولايات المتحدة، على شرقي دير الزور آلاف المدنيين في خط المواجهة بشكل مباشر، وفقاً لمدنيين نازحين ومراقبي النزاع، وذلك بعد ثلاثة أشهر من الهجوم المدعوم من الولايات المتحدة ضد آخر معقل لتنظيم الدولة في سوريا.

وحتى الآن، خلال شهر تشرين الثاني، شن التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة، ما لا يقل عن ٣٨٠ ضربة، بما في ذلك الغارات الجوية والقصف المدفعي، داخل هجين وما حولها، وهي منطقة مكتظة بالسكان في دير الزور، بين نهر الفرات إلى الغرب والحدود السورية العراقية إلى الجنوب والشرق، وتخضع لسيطرة التنظيم منذ سنوات.

ومع استمرار المواجهات لطرد التنظيم من آخر موطئ قدم له في سوريا، تعرض التحالف لضغوط متزايدة، حيث وردت أنباء تفيد بأن الغارات الجوية لم تستهدف المنشآت العسكرية فحسب، بل استهدفت البنية التحتية المدنية أيضاً، بما في ذلك الأحياء السكنية والمحلات التجارية والمساجد، ويُقدّر عدد القتلى من المدنيين منذ بداية الهجوم ضد التنظيم في أيلول بالمئات.

وتمت مقارنة الخسائر البشرية في الهجوم الحالي بعددها أثناء هجوم قسد المدعومة من قوات التحالف على الرقة في العام الماضي، حيث توفي أكثر من ألف مدني، وسط موجة مدمرة من الغارات الجوية والقصف المدفعي الذي ترك أجزاء واسعة من المدينة في حالة خراب.

وفي آخر حادثة تم تداول الأنباء عنها في هجين، قتل ما لا يقل عن ٤٠ مدنياً بغارات قوات التحالف في منطقة بقعان في ١٧ تشرين الثاني، وفقاً للمرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره المملكة المتحدة، بالإضافة إلى تقارير صادرة عن وسائل إعلام حكومية.

وبحسب المرصد، قتل ٤٣ شخصاً في الهجوم، بما في ذلك ٣٦ فرداً من عائلات مقاتلي تنظيم الدولة، من بينهم ١٧ طفلاً.

ونفى التحالف الأنباء الواردة بشكل صريح، وفي بيان رسمي صدر في نفس اليوم، أقرّ التحالف بأنه نفذ ١٩ ضربة في المنطقة، لكنه أضاف أنه “تحقق من صحة هذه الأهداف باعتبارها مشروعة” و”قيمها على أنها خالية من المدنيين”.

كما قام مبعوث واشنطن الخاص للتحالف، بريت مكجورك، بالتغريد على تويتر بأن الضربات المعنية قد تمت “بعد مراجعة دقيقة لضمان عدم وجود مدنيين في المنطقة”، لكن قوة أخرى “عبر نهر الفرات” نفذت ١٠ ضربات دون تنسيق.

ولم يقدم مكجورك مزيداً من التفاصيل، رغم أن الحكومة السورية ومجموعة كبيرة من الميليشيات الحليفة التي تدعمها إيران تتواجد غرب الفرات في محافظة دير الزور.

“لم يقوموا بفعل أي شيء لحماية المدنيين”

تعتبر هجين آخر موطئ قدم لتنظيم الدولة في سوريا، بعد عمليات عسكرية متزامنة قامت بها قوات المعارضة المدعومة من تركيا، وقوات الغالبية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، بالإضافة إلى الحكومة السورية وحلفائها، حيث طردت التنظيم بشكل ممنهج من مناطق سيطرته في جميع أنحاء البلاد منذ عام ٢٠١٥.

وشنت قسد، مدعومة بالطائرات الحربية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، هجوماً على مواقع التنظيم في هجين وحولها في ١٠ أيلول، معلنة الحملة بشكل رسمي في اليوم التالي.

ومنذ ذلك الحين، قصفت الغارات الجوية المنطقة التي يديرها تنظيم الدولة بشكل منتظم، بينما قصفت قوات سوريا الديمقراطية بقيادة الأكراد مقاتلي التنظيم على الأرض.

لكن الهجوم الذي استمر شهوراً مرّ بعدة انتكاسات، ولم يساعده سوء الأحوال الجوية، بما في ذلك العواصف الرملية، وشبكات أنفاق تنظيم الدولة التي ساعدت الجماعة المتشددة على شن عدة هجمات مضادة شرسة.

وفي أواخر الشهر الماضي، أي بعد أيام من استعادة التنظيم لمكاسب قسد الكبيرة، والتوجه عبر خطوط القتال إلى الحدود السورية – العراقية، أوقفت قسد رسمياً هجومها البري، حيث وجهت اللوم إلى تركيا لمهاجمتها القوات التي يقودها الأكراد في شمال سوريا، في حين كانت قسد تقاتل التنظيم جنوباً.

واستأنفت قسد عملياتها بعد أكثر من ١٠ أيام، في ١١ تشرين الثاني.

وحتى مع توقف العمليات البرية، استمرت طائرات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في ضرب المنطقة بشكل يومي، بمعدل ٢٣ ضربة في اليوم ولغاية الآن في تشرين الثاني، حيث كانت ١٦ ضربة في تشرين الأول و ١٠ ضربات في أيلول، وفقاً للأرقام الرسمية التي نشرها التحالف في ملخصات الضربات الأسبوعية.

وتشير الملخصات إلى أن الضربات الجوية التي تقودها الولايات المتحدة قد استهدفت ودمرت مجموعة من البنى التحتية للتنظيم في هجين، بما في ذلك مراكز القيادة والأنفاق وطرق الإمداد وأماكن صنع القنابل.

Embed from Getty Images


 

القوات المدعومة من الولايات المتحدة بالقرب من بلدة السوسة في هجين ١٣ أيلول. تصوير: دليل سليمان/ AFP

وفي الوقت ذاته، تواردت الأنباء عن وقوع عدد كبير من الضحايا، بما في ذلك ٤٠ قتيلاً يوم السبت الماضي، بالإضافة إلى ضربة تشرين الأول على مسجد في بلدة السوسة، مما أسفر عن مقتل ما يصل إلى ٦٠ مدنيا.

وقالت القوات التي تقودها الولايات المتحدة إنها توجه ضربات صارمة ودقيقة بشكل يحدّ من تأثير الضربات على المدنيين والبنية التحتية، وقال المتحدث باسم التحالف الكولونيل شون ريان، لسوريا على طول، إن تجنب الخسائر في صفوف المدنيين هو “أولوية قصوى” للتحالف.

ومع ذلك، وبحسب كندة حداد، باحثة بمرصد Airwars ومقره المملكة المتحدة، والذي يوثق العمليات العسكرية للتحالف ضد التنظيم في العراق وسوريا، فإن زيادة الضربات على مدار الشهر الماضي صاحبها زيادة كبيرة في الأنباء التي تفيد بوفاة المدنيين.

وفي الفترة مابين ١٨ تشرين الأول و ١١ تشرين الثاني، أحدث فترة تم تقييمها، تعقب مرصد Airwars ما لا يقل عن ٢١٦ ادعاء بوفاة مدنيين، وبلغ الحد الأقصى ٥٠٠، بزيادة عن العدد السابق والذي بلغ تقريباً من ٥٣ إلى ٩٨، في الفترة التي امتدت بين ٥ أيلول – ١٧ تشرين الأول.

وقالت حداد لسوريا على طول عبر البريد الإلكتروني في نهاية الأسبوع الماضي “بحسب ما تبين لنا، فإنهم لايقومون بفعل شيء على الأرض لحماية المدنيين”.

وأضافت “تشعر أحياناً بأن هذه القرى تُعامل كأهداف عسكرية في مجملها”.

المدنيون في هجين “تركنا لنواجه مصيرنا”

وقالت الأمم المتحدة – التي أعربت أيضاً عن قلقها الأسبوع الماضي في أعقاب التقارير الأخيرة عن مقتل وإصابة مدنيين في هجين – أن ما لا يقل عن 10,000 مدني من بين ما يقدر بـ 15,000شخص محاصرين في هجين.

ومن الصعب جمع معلومات دقيقة على الأرض في هجين، حيث خدمات الكهرباء والإنترنت شحيحة، في حين أن السكان والنازحين داخل هجين غالباً ما يخافون من التحدث بسبب وجود تنظيم الدولة.

ووصف أبو جاسم، أحد سكان هجين، الذي نزح من الجيب في أوائل تشرين الأول، وضع المدنيين هناك بأنه شبيه “بالمعاناة الحقيقية”، وطلب حجب اسمه الحقيقي في هذا التقرير لأسباب أمنية.

وقال لسوريا على طول من خيمته بالقرب من بلدة البصيرة، الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، على بعد نحو 60 كيلومتراً شمالي هجين، يوم الأحد “فرض علينا الحصار، لم يكن لدينا شيء نأكله أو نشربه”.

وقال “عندما كان التحالف يبدأ القصف، كنا نُترك لنواجه مصيرنا، لم يكن هناك ملاجئ، وعندما تقصف الطائرة من المحتمل أن يهدم البيت فوقك دون أن يدري بك أحد”.

من جهته، وصف بديع محمد، ناشط إعلامي يدير شبكة مراسلين محليين على الأرض في شرق دير الزور، حملة القصف على أنها “حملة مكثفة” تهدف إلى تدمير كل ما يمكن للتنظيم أن يتحصن به من منازل ومحال تجارية و دوائر حكومية سابقة”.

وقال ” يمكن للتحالف الدولي أو قسد أن تستهداف جبهات القتال وليس المناطق السكنية، [لكن] هناك تجاهل متعمّد لقتل المدنيين”.

وعلى الرغم من هذه التأكيدات، قال المتحدث باسم التحالف الكولونيل ريان لسوريا على طول أن “غالبية المزاعم لم تكن حتى الآن إلا مطالبات غامضة دون تفاصيل محددة وضرورية لإجراء تقييم كامل”.

وأضاف “إن مثل هذه الادعاءات عادة ما تكون غير موثوقة”.

واعترفت الحداد، الباحثة في Airwars، بأن التقارير الإخبارية “غامضة بعض الشيء ومربكة في بعض الأحيان” ، مشيرة إلى أن مزاعم وقوع إصابات غالباً ماتعود إلى وكالة الأنباء “أعماق” التابعة لتنظيم الدولة، والتي غالباً ما تستخدم للإعلان عن مسؤولية الجماعة عن القيام بفعل ما.

وأضافت الحداد أن العديد من وسائل الإعلام المحلية الأخرى أصدرت تقارير تؤكد وقوع خسائر بشرية في صفوف المدنيين.

وصرحت الباحثة في Airwars، أن هذا النمط من التقارير، الذي أعقبه إنكار التحالف، شُوهد سابقاً في معركة الرقة، حيث زعم أن التحالف أطلق أكثر من 21 ألف صاروخ، بما في ذلك الغارات الجوية ونيران المدفعية على المدينة خلال فترة حوالي أربعة أشهر.

وقالت “إن حجم الوفيات بين المدنيين في هجين قريب جداً لما رأيناه في الرقة، عندما يتم تكثيف القصف، يرتفع عدد الضحايا في صفوف المدنيين وفقاً لذلك “.

وخلال هجوم الرقة، الذي انتهى في تشرين الأول من العام الماضي، نفى التحالف معظم المزاعم حول مسؤوليته عن مقتل آلاف المدنيين،  وألقت جماعات حقوق الانسان ووسائل الإعلام المحلية باللوم على القوات التي تقودها الولايات المتحدة.

وصرحت Airwars عن مقتل 1400 شخص من المدنيين في الرقة، كما تتوقع أن يستمر العدد في الارتفاع مع استمرار التحقيقات والتقارير التي تفيد بأن أكثر من 2600 جثة تم انتشالها من بين الأنقاض، ولا يزال معظمها بحاجة إلى تحديد الهوية.

وفي الوقت نفسه، اعترف التحالف حتى الآن بمسؤوليته عن مقتل 104 ضحية من المدنيين فقط في الرقة.

مخيم للنازحين في شمال هجين في 18 تشرين الثاني. فيديو حصري لسوريا على طول من بديع محمد.

“لا تذهب إلى أرض الكفار”

ويجد آلاف المدنيين الذين لا يزالون في هجين أنفسهم عالقين بين قصف قوات التحالف والاشتباكات على الخطوط الأمامية والألغام المزروعة من قبل تنظيم الدولة، كما أن الطرق المؤدية إلى بر الأمان محدودة للغاية وخطيرة.

وخلال الأسابيع الأولى التي تلت الهجوم الذي بدأ في أيلول، نزح حوالي 7000 مدني من هجين، وفقاً للأمم المتحدة.

ولكن بحلول تشرين الأول، قالت الأمم المتحدة إن عدد الأشخاص الذين فروا “كان  قليلاً”.

وقال أبو جاسم، أحد سكان هجين سابقاً، والذي تمكن من الفرار في وقت سابق من هذا العام، إن عدداً قليلاً من السكان تمكنوا من الفرار، ولكن بعد تكرار عدة محاولات فاشلة.

وأضاف لسوريا على طول “حاولنا الفرار من القصف والحصار أكثر من مرة، ولكن كان التنظيم يمسكنا دائماً ويعيدنا، ويقول لا تذهبوا إلى أرض الكفار”.

وأخيرًا، وجد الأمان نسبياً ووصل إلى معسكر هجين، وهو واحد من مخيمات النزوح المؤقتة القليلة داخل أراضي قوات سوريا الديمقراطية، بالقرب من الخطوط الأمامية، ولكن حركة التنقل هناك محدودة أيضاً، والمخاوف الأمنية لا تزال موجودة والظروف المعيشية فظيعة.

وفي أحد مخيمات النزوح هذه، التي تم تقييمها من قبل الأمم المتحدة في أيلول، قالت المنظمة أن “الحفر المنتشرة” كانت تستخدم كمراحيض، في حين أن الوجبات التي يقدمها مديرو المخيمات كانت تتألف من بضع قطع من الخبز فقط، وكانوا يحصلون على مياه الشرب من نهر الفرات القريب.

وذكر أبو جاسم “الحياة كانت معدومة” مضيفًا أنه دفع  رشوة في النهاية إلى حارس في أحد المخيمات من أجل السفر إلى الشمال.

بعد ذلك بفترة وجيزة، في 11 تشرين الأول، اخترق تنظيم الدولة خطوط المواجهة الأمامية، وتسلل بعنف إلى معسكر هجين، وقيل أنه أعاد أكثر من 100 نازح إلى الأراضي الخاضعة لسيطرته كرهائن، ولم يعرف مكان تواجدهم إلى الآن.

ولا يزال المخيم خالياً حتى يومنا هذا.

شارك هذا المقال