6 دقائق قراءة

بؤر جديدة لـ”كورونا” في حماة ينذر بمستقبل سيء للمحافظة

إن مدراء بعض المؤسسات في حماة يضعون "صبيانهم على أبواب مديرياتهم لبيع الكمامات، ثم يصدرون قراراً بمنع دخول أي مواطن إلى المديرية من دون ارتداء الكمامة وأن تكون جديدة"، بحسب أبو عامر.


4 ديسمبر 2020

حماة- نتيجة اضطرارهم لرحلة بحث يومية عن لقمة العيش، والوقوف في طوابير الخبز والغاز وعلى أبواب المؤسسات الحكومية، يبدو طبيعياً أن يكون “الحظر الصحي” خياراً مرفوضاً من غالبية أهالي سوريا لمواجهة مرض فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19). وهو ما أدى، بالضرورة، إلى ارتفاع الإصابات خلال الأشهر الماضية، كما حوّل بعض المناطق إلى بؤر حقيقية للوباء.

من المناطق التي أصبحت تتصدر مشهد “كورونا” في سوريا محافظة حماة، الخاضعة لسيطرة نظام دمشق. إذ سجلت ارتفاعاً كبيراً في عدد إصابتها مؤخراً، وإرتفاع معدلاتها إلى أكثر من عشرة أضعاف الإصابات المسجلة مع بداية توسع دائرة المرض في البلاد ككل منذ آذار/مارس الماضي. وتركز هذا الارتفاع في مدينة سلمية بريف المحافظة الشرقي، وفي محردة غرباً، بالإضافة إلى تسجيل معدلات مرتفعة نسبياً في مدينة حماة ذاتها.

مركبات تسير في أحد شوارع مدينة حماة، 27 تشرين الثاني/نوفمبر (سوريا على طول)

وبحسب أحد أطباء مشفى سلمية الوطني، تحدث إلى “سوريا على طول” شريطة عدم الكشف عن هويته، تجاوز عدد الإصابات بالفيروس في سلمية “300 إصابة يومياً بين 6 و18 تشرين الثاني الحالي، حتى وصل مستشفى سلمية الوطني إلى حد الامتلاء وعدم قدرته على إستيعاب أعداد أكثر. ما اضطر الطاقم الطبي حينها إلى الاستعانة بمشفى حماة الوطني، من خلال نقل مرضى إليه، لاسيما حالات الاختناق ونقص الأكسجين التي كانت ملحوظة لدى المصابين في تلك الأيام”. لكن حالياً تسجل المدينة “معدلات أقل نسبياً، وصلت إلى ما يقارب 50-75 إصابة مؤكدة في المستشفى، تختلف أعراضها بين المتوسطة وأشد قليلاً”.

صورة تظهر مبنى مشفى حماة الوطني، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 (سوريا على طول) 

ووفقاً لأحد مسؤولي قسم العزل الصحي في مشفى حماة الوطني، يقدر عدد المصابين بفيروس كورونا الذين يتم إدخالهم المشفى بين “25 و30 شخصاً من مدينة حماة، كما محولين من أرياف المدينة، بخاصة من سلمية ومحردة التي بدأت معدلات الإصابة فيهما بالازدياد بشكل مفاجئ أيضاً”.

فشل حكومي

“المسؤولية عن تحوّل سلمية من مدينة كانت تسجل إصابة أو اثنتين في أيار الماضي إلى بؤرة مرضية حقيقية اليوم، تقع على عاتق النظام السوري”، بحسب الطبيب من مشفى سلمية الوطني. إذ أهملت وزارة الصحة “المدينة بشكل كامل، من خلال قلّة النقاط الطبية فيها رغم المناشدات التي تم توجيهها من الطواقم الطبية للوزارة ومديرية صحة حماة، وعدم المتابعة الجدّية، وفقر التجهيزات الكافية في مستشفى سلمية الوطني الذي يعرف ببساطته”. 

يبرز هنا خصوصاً نقص أسطوانات الأوكسجين “التي كانت تُطلب كلّ يوم من مديرية صحة حماة لكن دون جدوى”، كما ذكر الطبيب، كاشفاً عن أنه “حتى اليوم لا يوجد أكثر من 150 إسطوانة أوكسجين”. متضافراً ذلك مع “نقص الكوادر الطبية في مشفى سلمية، وعدم وجود مؤهلات جيدة لإسعاف مرضى الاختناق في قسم العناية المشددة الذي لا يتسع لأكثر من 60 مريضاً فقط. علاوة عن عدم وجود عزل طبي جيد فيه وانعدام التعقيم العالي، ما أدى إلى تزايد الإصابات حتى داخل المشفى ذاته، وإصابة بعض من الطواقم الطبية التي كانت على تماس مباشر مع المرضى”.

الأمر ذاته ينطبق على مشفى حماة الوطني، حيث “الغرف وسخة وغير معقمة”، حسب وصف المسؤول في قسم العزل هناك، مع عدم “وجود الأدوية العلاجية الكافية، حتى بدأت خافضات الحرارة بالنفاد نظراً لإستخدامها بشكل كبير، بالإضافة إلى عدم وجود أسرّة كافية للمرضى وامتلاء قسم العزل الصحي والعناية المشددة”. ويفاقم ذلك “رفض المشافي الخاصة في حماة استقبال المرضى والمصابين، في حين لا نعلم أين تذهب المعونات الطبية الدولية التي تقدم من البلدان الأخرى، ولا نسمع من مديرية الصحة [في المحافظة] سوى أنها تعمل بأقصى طاقاتها التي بالكاد تلبي احتياجات 30% من المرضى”.

وفيما اعتبر الطبيب في سلمية أنّ “المدينة تعيش اليوم حالة ذعر كبيرة خوفاً من الانتشار الأكبر للمرض”، فإنه أنحى باللائمة أيضاً على أهالي المدينة عن “الانتشار الأخير لهذا المرض، نظراً لعدم التزامهم بشروط الوقاية. كما كان لعودة الدوام المدرسي والمقاهي والحفلات المسائية التي تقام بشكل يومي في سلمية الدور الأبرز في توسع دائرة الإصابات وخروج الفيروس عن السيطرة بشكل مفاجئ”. مضيفاً “أن الأرقام المعلنة أو المقدرة بشأن الإصابات لا تشكّل سوى 40% من عدد الإصابات الحقيقية، بسبب عدم إفصاح كثير من المصابين عن إصابتهم بالعدوى، وحجر أنفسهم وتلقي العلاج بشكل ذاتي، وهي غالباً ما تكون إصابات خفيفة”. 

شخصان يستقلان دراجة نارية في أحد شوارع مدينة حماة، 27 تشرين الثاني/نوفمبر 2020 (سوريا على طول)

ووفقاً لحسن، من سلمية، بدأ أهالي المدينة “مع الظروف التي تمر بها مؤخراً، بأخذ الإجراءات المطلوبة وارتداء الكمامات في الأسواق وعدم الخروج من المنازل إلا في الحالات الإضطرارية الشديدة”.

كما طالب الأهالي، وفق ما ذكر الشاب العشريني لـ”سوريا على طول”، “مجلس مدينة سلمية ضرورة وقف الدوام المدرسي فيها، ووقف دوام كليتي العمارة والزراعة [التابعتين لجامعة حماة]، في محاولة لكبح تزايد أعداد الإصابات. لكن وزارتي التربية والتعليم العالي رفضتا المقترح بشكل مطلق، ما يسهم بشكل كبير في تزايد الإصابات رغماً عن ادعاءات النظام” خلاف ذلك.

في مدينة حماة، فإنه “رغم الانتشار الواسع لهذا المرض الخطير، يرفض السكان فرض الحظر في مدينتهم، رفضا تاما”، كما قال أبو عامر، تاجر الألبسة في المدينة. معللاً ذلك بأن “الحكومات عند فرضها الحظر تقوم بتلبية احتياجات مواطنيها حتى أبواب منازلهم، فيما الحكومة [السورية] عاجزة عن تلبية أي شيء حتى في مؤسساتها وفي الأوضاع الطبيعية، فكيف بالحظر!”.

بائع متجول يعرض أصنافاً من الخضار والفواكه في أحد أحياء مدينة حماة،1 كانون الأول/ديسمبر (سوريا على طول)

وبغضب كبير أضاف لـ”سوريا على طول”: “عن أي حظر يتحدثون ونحن نخرج من منازلنا بشكل يومي عند الساعة السادسة صباحاً إلى طوابير الخبز للحصول على ربطة واحدة، وبالكاد تنتهي من هذا الازدحام خلال ساعتين إن كان حظك جيداً، لتنتقل بعدها إلى رحلة طوابير أخرى للحصول على معونتك من الأرز والسكر وأسطوانة الغاز، ومنها إلى الروتين اليومي في مؤسسات الدولة التي لا تعرف أدنى مقومات الوقاية وشروط الصحة والسلامة التي يطالب النظام بها مواطنيه”.

فساد بغطاء الوقاية

فيما بلغ إجمالي عدد الإصابات بفيروس كورونا في مناطق سيطرة النظام، وفق الأرقام الرسمية حتى يوم أمس، 8,059 إصابة منها 426 وفاة، حذر عضو الفريق الاستشاري لمواجهة فيروس كورونا الدكتور نبوغ العوّا مؤخراً من أن سوريا تمضي على “الطريق السريع للذروة الثانية” من الفيروس، والتي “سنصل إليها خلال شهر أو أقل”.

مواطنون يتجمعون أمام مواقف الباصات (الميكروباص) في مدينة حماة، 1 كانون الأول/ديسمبر (سوريا على طول)

لكن إضافة إلى العجز الصحي المرتبط بمحاولة دمشق إنكار تفشي المرض في مناطق سيطرتها، كما اضطرار الناس للعمل في ظل تفشي الفقر والجوع في سوريا ككل، فقد تحولت الإجراءات الوقائية، من قبيل الكمامات وسيلة لتربح مدراء بعض المؤسسات الحكومية التي “لا تعرف أساليب الوقاية وارتداء الكمامات إلا عند أبوابها الخارجية”، بحسب أبو عامر. موضحاً أن مدراء بعض المؤسسات في حماة يضعون “صبيانهم على أبواب مديرياتهم لبيع الكمامات، ثم يصدرون قراراً بمنع دخول أي مواطن إلى المديرية من دون ارتداء الكمامة وأن تكون جديدة”. مشيراً إلى حصول الأمر ذاته في شرطة المرور بحماة وجميع مخافر الشرطة أيضاً، “علماً أن غرف الموظفين تعجّ بالمراجعين، وروائح التدخين تملأ المبنى، ولا يوجد أي موظف يرتدي الكمامة أو يأخذ أبسط أساليب الوقاية”.

ولعل كل ذلك يبرر خشية أحد مسؤولي العزل في مشفى حماة من أن المحافظة “مقبلة على مستقبل سيء”.

شارك هذا المقال