7 دقائق قراءة

“القرار شتت شملنا”: تداعيات وقف أربيل منح التأشيرات للسوريين

كان قرار أربيل وقف منح التأشيرات للسوريين، الذي صدر في الرابع من نيسان/ أبريل الحالي، كارثياً على الأشخاص، الذين وجدوا في كردستان العراق ملاذاً آمناً من التجنيد الإجباري، أو ملتقى للعائلة بعد أن تفرق شملها.


20 أبريل 2024

الحسكة- بعد حصوله على تأشيرة دخول إلى إقليم كردستان العراق، في السابع والعشرين من آذار/ مارس الماضي، شعر إيفان حسن، 31 عاماً، من سكان مدينة القامشلي شمال شرق سوريا، بسعادة غامرة، لأنه سيتمكن من “لقاء زوجتي وطفلتيّ المُقيمين في أربيل”، وربما يجد سبيلاً لتحسين وضعه المعيشي هناك.

بينما كان يتجهز حسن للسفر، أصدرت وزارة الداخلية في حكومة إقليم كردستان العراق، في الرابع من نيسان/ أبريل الجاري، قراراً علقت بموجبه إصدار تأشيرات الدخول لحاملي جوازات السفر السورية اعتباراً من 29 آذار/ مارس 2024، باستثناء حاملي الإقامات الأميركية والكندية والأوروبية، الذين يمكنهم الحصول على تأشيرة لمدة 30 يوماً.

لم يشر نص القرار إلى مصير الذين حصلوا على التأشيرة قبل صدوره ولكنهم لم يدخلوا الإقليم، إلا أن العديد من المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”، بما فيها حسن، أشاروا إلى أنهم لم يتمكنوا من دخول كردستان العراق، رغم حيازتهم على التأشيرة ووجود تذكرة الطيران، وهو ما خلق فوضى في أوساط السوريين المتأثرين بالقرار، وسط غياب توضيح رسمي.

نسخة عن القرار باللغة الكردية وترجمة ما جاء فيه للغة العربية

قبل عام، دخلت زوجة حسن وطفلتيه، الأولى تبلغ من العمر سبعة أعوام، والثانية عامين، إلى أربيل عبر معبر سيمالكا (معبر حدودي نهري يربط مناطق الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا بإقليم كردستان العراق) في سبيل إجراء عملية زراعة قرنية عين للزوجة، لكن قرروا البقاء “بسبب الوضع المعيشي المتردي في شمال شرق سوريا واستمرار القصف التركي”، كما قال حسن لـ”سوريا على طول” في محادثة عبر تطبيق واتساب، على أن يلتحق بهم فيما بعد.

منذ اتخاذ العائلة قرار الإقامة في أربيل، قدم حسن خمسة طلبات من أجل الدخول إلى أربيل عبر معبر سيمالكا، لكن “جميعها قوبلت بالرفض”، بحسب حسن.

في الثاني عشر من آذار/ مارس الماضي، سافر حسن إلى لبنان، بطريقة غير شرعية، كونه مطلوب للخدمة العسكرية، وفي بيروت حصل على جواز سفر من السفارة السورية وتأشيرة إلى أربيل، ومن ثم حجز تذكرة طيران، وكان من المفترض أن يوصل في الرابع من الشهر الحالي، لكن في المطار “منعوني من الصعود إلى الطائرة كوني سوري”، على حد قوله.

تواصلت “سوريا على طول” عدة مرات مع مدير ديوان وزارة الداخلية في إقليم كردستان العراق، هيمن ميراني، الذي وقع على القرار الصادر بخصوص التأشيرات، للحصول على توضيح بخصوص القرار، وسبب عدم السماح للحاصلين على التأشيرة قبل صدوره بالدخول، لكنها لم تتلق أي رد حتى لحظة نشر التقرير.

في السادس من نيسان/ أبريل الحالي، صرّح مدير ديوان وزارة الداخلية لشبكة 964+ (منصة رقمية عراقية) أن قرار عدم منح الفيزا للسوريين يشمل الجميع (عزاب وعوائل)، مشيراً إلى أن القرار صدر لخلق فرص عمل لشباب الإقليم”. 

وجاء قرار حكومة الإقليم بعد أشهر من إيقاف حكومة بغداد إيقاف منح تأشيرات عمل للسوريين والبدء بحملة ترحيل اللاجئين السوريين المخالفين لشروط الإقامة في بغداد. وتداولت وسائل إعلام عربية أن قرار إدارة الإقليم جاء بطلب من الحكومة المركزية في بغداد.

تواصلت “سوريا على طول” مع المتحدث الرسمي باسم وزارة الهجرة والمهجرين العراقية، علي عباس جهانكير، للحصول على تعليق حول القرارات المتعلقة بتأشيرات السوريين، لكنها لم تتلق رداً أيضاً.

وفي هذا الإطار، وصلت أول مجموعة من السوريين المرحلين من العراق إلى مناطق شمال شرق سوريا، عبر معبر سيمالكا الحدودي، على أن يذهبوا فيما بعد “إلى مناطقهم التي كانوا قد هاجروا منها”، كما جاء في بيان الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، مشيرة إلى أن المرحلين ينحدرون من مناطق سيطرة النظام.

تثير عمليات الترحيل من العراق مخاوف اللاجئين السوريين، لا سيما المطلوبين للنظام، إذ سبق أن اعتقلت الأجهزة الأمنية التابعة للنظام مطلع آب/ أغسطس عام 2023 أربعة أشخاص فور وصولهم إلى مطار دمشق الدولي بعد ترحيلهم من العراق.

ويبلغ عدد اللاجئين السوريين المسجلين في إقليم كردستان العراق أكثر من 254 ألف لاجئ، بحسب إحصائيات مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لشهر كانون الثاني/ يناير 2024. العديد من طالبي اللجوء في أربيل ينتظرون فرصة إعادة التوطين في بلد ثالث.

“تفريق شمل العائلات”

في إطار استعداده للسفر إلى أربيل، باع إيفان حسن أثاث منزله، واستدان فوق ذلك مبلغاً من المال من أجل تمويل رحلته، التي كلفته حتى الآن حوالي ألفي دولار أميركي “وهي مصاريف السفر عبر التهريب، ورسوم الفيزا، وثمن تذكرة الطيران”، بحسب حسن.

“القرار شتت شملنا”، قال حسن بنبرة حزينة، متسائلاً باستنكار “أليس هذا ظلماً؟. هذا دمار بالنسبة لي”.

كان حسن رافضاً مغادرة موطنه، لأن “الخروج من الوطن أمر صعب للغاية، لكن عندما تصل إلى مرحلة لا تستطيع تأمين لقمة العيش لأطفالك، لا يبقى أمامك خيار إلا الهجرة”، على حد قوله، مضيفاً: “لم يعد بمقدورنا العيش في بلدنا، وكردستان بلدنا الثاني أغلق أبوابه بوجوهنا!”.

وفي وقت أغلقت دول الجوار حدودها أمام السوريين، تحولت أربيل طيلة السنوات الماضية إلى ملتقى العائلات السورية، إذ جمعت على أرضها العديد من السوريين المقيمين في الدول الأوروبية، غير القادرين على زيارة بلادهم لأسباب أمنية، مع عائلاتهم، نظراً لسهولة الحصول على التأشيرة.

كان دلشاد عمر (اسم مستعار)، 36 عاماً، على وشك لقاء والديه في أربيل بعد فراق تسع سنوات، ولأجل ذلك حجز الشاب، الذي يقيم في ألمانيا وينحدر من مدينة حلب، تذاكر سفر له ولزوجته وطفليه بمبلغ ألفي يورو (2133 دولاراً).

في المقابل، حصل والداه وشقيقه على تأشيرة لأربيل، مقابل 125 دولار لكل شخص، وكان من المفترض أن يلتقيا في 25 نيسان/ أبريل الحالي، إلا أن صدور القرار أفسد عليهم لقاءهم العائلي، كما قال عمر لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى أن “المكتب ألغى حجز عائلتي في حلب بعد صدور القرار، وأخبرهم بعدم إمكانية سفرهم”.

“كنت متلهفاً للقاء أبي وأمي، لدي طفلين لم يراهما والديّ حتى الآن”، أضاف عمر، معبراً عن صدمته من القرار، ومتأملاً تعديل القرار حتى يتمكن من لقاء عائلته.

لقطة شاشة: شخص مقيم في ألمانيا يسأل عمّا إذا هناك تدابير جديدة بخصوص التأشيرة

لقطة شاشة: شخص مقيم في ألمانيا يسأل عمّا إذا هناك تدابير جديدة بخصوص التأشيرة

خسارة الملاذ الآمن

كان قرار أربيل وقف منح التأشيرات للسوريين كارثياً على كريم علي (اسم مستعار)، 23 عاماً، الذي حصل على تأشيرة دخول في آذار/ مارس الماضي، للسفر إلى كردستان العراق والاستقرار فيها “هرباً من التجنيد الإجباري وبحثاً عن فرصة عمل”، كما قال الشاب، الذي ينحدر من مدينة حماة لـ”سوريا على طول” عبر تطبيق “ماسنجر فيسبوك”.

“بقي على تأجيلي شهرين فقط، وإذا لم أسافر خلال هذه المدة سيتم سوقي إلى الجيش ويضيع مستقبلي كله”، قال علي، مشيراً إلى أنه كان يتعمّد الرسوب في امتحانات الشهادة الثانوية لـ”الاستفادة من التأجيل الدراسي”. 

عدا عن الخوف من التجنيد، يعاني علي من “تردي الوضع المعيشي”، قائلاً: “أنا شخص لم يترك شيئاً إلا وعمل به من أجل تأمين لقمة العيش، وكل طموحاتي التي أرسمها لا يمكن تحقيقها، لأن ما أحصل عليه من أجر لا يكفي للأكل والشرب فقط”.

استدان علي 7.5 مليون ليرة سورية (506 دولارات، بحسب سعر الصرف الحالي في السوق السوداء، البالغ 14800 ليرة للدولار)، من أجل تأمين تكاليف السفر، لكنه لم يتمكن من السفر، حاله حال المصادر التي تحدثت لـ”سوريا على طول”، رغم أن القرار لم يشملهم بشكل صريح.

كانت أربيل من الأبواب الأخيرة المفتوحة أمام السوريين الفارّين من الخدمة العسكرية، كما هو حال علي، وبوقف منح التأشيرات، قد يُجبر هؤلاء على الالتحاق بالعسكرية، ما قد يُهدد حياتهم إذا أرسلوا إلى الجبهات. بحسرة قال علي: “إذا لم أسافر سوف يضيع مستقبلي”.

أمام صدمة القرار وضبابيته، انتشرت العديد من المنشورات والتعليقات والرسائل على وسائل التواصل الاجتماعي ومجموعات “واتساب”، يبحث أصحابها عن تفسير لقرار أربيل، ويتساءلون إذا كان هناك احتمالية تعديله أو إلغائه.

“لماذا يعطوننا الفيزا ويحصلون على رسومها إذا لن يسمحوا لنا بالدخول”، تساءل سامر الأحمد (اسم مستعار)، 21 عاماً، وهو أحد السوريين الذين حصلوا على التأشيرة قبل صدور القرار، لكنه لم يتمكن من دخول أربيل.

الأحمد، طالب جامعي في قسم إدارة الأعمال بجامعة حلب، وهو على وشك التخرج، كان ينوي السفر إلى أربيل في سبيل “تأمين مستقبلي” قبل أن يتم سوقه إلى الخدمة العسكرية، كما قال لـ”سوريا على طول”.

تعليقاً على ذلك، توقع المحامي دارا باسل، وهو سوري مقيم في أربيل، أن “تعدل حكومة الإقليم عن قرارها”، خاصة أن التأشيرات ترفد خزينة الحكومة، كما قال لـ”سوريا على طول”، مشيراً إلى وجود من 35 إلى 40 شركة سياحية، مختصة باستخراج تأشيرات الدخول لأربيل وتجديد الإقامات، وكل شركة من هؤلاء “يسمح لها استخراج 400 فيزا شهرياً”، كما أوضح المحامي الذي يعمل في إحدى هذه الشركات.

وتتراوح تكاليف التأشيرة بين 125 و150 دولار لكل شخص “منها 75 دولار تذهب لحكومة أربيل”، بحسب باسل، بينما تبلغ تكاليف استخراج الإقامة أو تجديدها 400 دولار تقريباً “منها 350 دولاراً تذهب إلى حكومة الإقليم”.

على عكس توقعات باسل بإمكانية تعديل القرار أو إلغائه، قال الأحمد أنه “غير متفائل بتعديل القرار”، لا سيما مع بدء ترحيل السوريين المخالفين من العراق. بقي على تأجيل الأحمد عام دراسي واحد، وبعد انتهائه “لا أدري إلى أين أذهب”، واصفاً قرار أربيل بـ”الظالم”.

في الوقت الذي فقد البعض الأمل بتراجع أربيل عن قرارها، يترقب إيفان حسن أي تصريحات حكومية، قد تزف له بشارة تجمعه بعائلته في أربيل، قائلاً: “أتمنى أن تعيد حكومة أربيل النظر بالقرار الذي ضيّع مستقبلي”.

شارك هذا المقال