4 دقائق قراءة

بعد فوز أردوغان: اللاجئون السوريون في تركيا يعيشون طمأنينة حذرة

بعد تعهد زعيم المعارضة كمال كليجدار أوغلو بترحيل جميع السوريين من تركيا، أعاد فوز أردوغان بدورة انتخابية جديدة شيئاً من الطمأنينة للاجئين السوريين، يشوبها قلق من الخطاب المتصاعد المناه لهم.


30 مايو 2023

أثينا- عند إعلان فوز الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في جولة إعادة الانتخابات الرئاسية، تنفس أحمد محمد الصعداء، بعد شعور الخوف الذي رافقه “منذ اليوم الأول للحملة وحتى يوم الأحد”، كما قال اللاجئ السوري، من محافظة حلب، مضيفاً: “عندما سمعت بفوز أردوغان، انطلقت إلى شوارع الريحانية واحتفلت”. 

بعد إخفاقه في حسم الانتخابات من الجولة الأولى، قبل أسبوعين، عاد أردوغان، الذي يتولى زمام السلطة السياسية منذ عام 2013، بداية في منصب رئاسة الوزراء ومن ثم رئاسة الجمهورية، ليجدد العهد بفترة رئاسية جديدة بعد حصوله على 52.14% من إجمالي الأصوات.   

في المقابل، حصل زعيم المعارضة التركية كمال كليجدار أوغلو على 47.86% من الأصوات، بعد أن جعل ترحيل اللاجئين السوريين محور وعوده الانتخابية، متوعداً بترحيل 10 مليون لاجئ، رغم أنَّ تركيا لا تستضيف سوى  أربعة ملايين، منهم 3.6 مليون سوري. في الأيام التي سبقت جولة الإعادة، أغرق أنصار كليجدار، زعيم حزب الشعب الجمهوي، الشوارع بلافتات كُتِب عليها “سيرحل السوريون”. 

“كنا نشعر أننا على وشك مرحلة يتم فيها تسليمنا للنظام السوري، ولكن بهذه النتيجة، هدأت مخاوفنا”، قال محمد لـ”سوريا على طول”، الذي لجأ إلى تركيا قبل أحد عشر عاماً.

آما بلال*، طبيب سوري، ينحدر من مدينة حماة، لم يشعر بمثل هذا التفاؤل، قائلاً: “رغم فوز أردوغان، ما نزال فزعين قليلاً، لقد تعهَّد بإعادة مليون [لاجئ] إلى سوريا”، في إشارة إلى خطة أردوغان إنشاء “منطقة آمنة” في مناطق نفوذ تركيا شمال سوريا، لذلك “نحن في حالة تأهبٍ دائم، والخوف يلازمنا”، كما أضاف.

ومع ذلك، بين خيارين سيء وأسوأ، أعطت زوجة بلال صوتها، يوم الأحد،  لأردوغان، وهي من بين نحو 200 ألف سوري يحق لهم الانتخاب كونهم حاصلين على الجنسية التركية،. 

وجدت دراسة حديثة للأمم المتحدة، أن 82% من المواطنين الأتراك يرون ضرورة إعادة السوريين إلى بلادهم، وقد دفع الخطاب المتصاعد المناهض للاجئين في تركيا عائلة بلال إلى التفكير بالمغادرة بعد العيش لعقدٍ من الزمن في هذا البلد، بحسب بلال، قائلاً: “لا أرى مستقبلاً آمناً في تركيا، أملنا في الذهاب إلى أوروبا. تحدثنا إلى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بخصوص إعادة التوطين، ولكن من دون أي رد إيجابي إلى الآن”..

انتصار أردوغان خفف شيئاً من كرب عبدو، لاجئ سوري من حلب يعيش في محافظة هاتاي، كما قال لـ”سوريا على طول”، ولكن “في نفس الوقت، كلاجئين سوريين في تركيا، سنبقى نواجه خطر الترحيل الوشيك بأي لحظة”. يعرف عبدو العديد من السوريين الذين تم ترحيلهم في السنوات الأخيرة، وأحدهم “أُعدم في إحدى سجون النظام السوري بعد إعادته قسراً”، وفقاً له.

وثَّقت منظمة “هيومن رايتس ووتش” حالات لمئات السوريين الذين أعادتهم السلطات التركية قسرياً. في نيسان/ أبريل، ذكرت المنظمة أن حرس الحدود التركي كانوا يطلقون الرصاص عشوائياً على المدنيين السوريين عند الحدود، ويستخدمون القوة المفرطة ضد من يحاول العبور إلى داخل الأراضي التركية.

النزعة الوطنية التركية لجعل السوريين كبش فداء، أثرَّت بشدة على عائلة عبدو، قائلاً: “ابني ذو التسعة أعوام يواجه تمييزاً عنصرياً في المدرسة، ويرفض الآن الذهاب إليها”، ما دفع العائلة إلى التفكير في الهجرة إلى بلدٍ ثالث ينعمون فيه “بمستقبلٍ أكثر أماناً وأقل عنصرية”.

يملك عبدو محلاً لبيع السيارات في هاتاي، ولطالما كان يخطط لبناء حياته في تركيا إلى أن عدل عن رأيه هذا منذ عامين. “كنت أشعر بالاستقرار قبل سنتين، ولكن وتيرة العنصرية المتزايدة ضد السوريين ووعيد الترحيل جعلني أشعر أنه لم يعد لي مستقبل هنا”، على حد قوله.

أيضاً، لا تمثل سوريا خياراً لعبدو، إذ “لا أمان في سوريا. فإما أن تواجه فصائل المعارضة أو قوات النظام وميليشياته”، مؤكداً أنْ “لا مستقبل لأطفالي في سوريا”. 

وجاء في دراسة استطلاعية، نشرتها الأمم المتحدة في هذا الشهر، أنَّ “انعدام الأمن وفقدان سبل العيش هما العائقان الرئيسيان اللذان يحولان دون عودة السوريين”. كما وجدت الدراسة، التي أجريت في مصر ولبنان والأردن والعراق ، أن 93.5% من اللاجئين السوريين لا يعتزمون العودة خلال الأشهر الإثني عشر المقبلة، فيما يأمل 25.2% بالعودة في غضون خمس سنوات. وبحسب بيانات الأمم المتحدة، عاد 33,953  سورياً طوعاً من تركيا في عام 2022.

هل ثبتت صحة سياسة أردوغان حيال سوريا؟

بعد تجديد ولايته الرئاسية، وفوزه بأغلبية مقاعد البرلمان، يُتوقع أن يشعر أردوغان بأحقية سياسته حيال سوريا، حيث تسيطر الفصائل السورية المدعومة من أنقرة على مساحات واسعة في شمال غرب البلد.  

من المحتمل أن يستمر الوضع المتجمد على ما هو عليه في شمال شرق سوريا، الواقع تحت سيطرة الأكراد وقوات سوريا الديمقراطية (قسد)، المدعومة من الولايات المتحدة. “سيحاول الأكراد السوريون اللعب على وتر العداوة المتزايدة إزاء أردوغان، ليَروا بما يعود عليهم، ولكن يبدو أنّهم سيبقون عالقين في لعبة توازن ذات حساسية عالية كما هو حالهم على مدى الخمس سنوات الماضية”، كما قال لـ”سوريا على طول” قبيل الانتخابات التركية، نيكولاس دانفورث، زميل غير مقيم في المؤسسة اليونانية للسياسة الأوروبية والخارجية (ELIAMEP).

ضمن خطوات التطبيع الإقليمي مع بشار الأسد، الذي رحبت بعودته جامعة الدول العربية  في هذا الشهر، يُتوقع أن يستمر أردوغان أيضاً بالاستراتيجية التي ينتهجها لرأب العلاقات مع دمشق.   

“من الواضح أن أردوغان هو من كان يدفع  باتجاه استئناف العلاقات”، وفقاً لدانفورث. كما يبدو أن روسيا “تزيد من جهودها قليلاً  لدفع الأسد لتلبية المطالب التركية، ولكن يبدو أن العملية ستبقى ذات أفق مسدود في المستقبل المنظور؛ وذلك ببساطة لأنّ التوقعات التي يتصورها كلا الطرفين للتقارب متباعدة جداً”، بحسب قوله.

كشرطٍ مسبق للحوار، تُطالب دمشق بانسحاب تركي كامل من الشمال السوري. 

*تم استخدام أسماء مستعارة لدواعٍ أمنية

نُشر هذا التقرير أصلاً في الإنجليزية وترجمته إلى العربية فاطمة عاشور

شارك هذا المقال