4 دقائق قراءة

تحت الحصار الخانق: شبح الانتحار يتجول بين الأطفال في مضايا

في صباح  12تشرين الثاني، تسلل الفتى محمد، ذو الثانية عشرة […]


13 ديسمبر 2016

في صباح  12تشرين الثاني، تسلل الفتى محمد، ذو الثانية عشرة سنة، خارج منزله وصعد سطح بناء من طابقين ورمي نفسه أرضاً.

وتغيرسلوك الفتى تغيراً كلياَ في الشهور الأخيرة بعد أن كان “شخصية هادئة جداً، مرح وحنون، طموح للمستقبل” وفق ما قال والد محمد لمراسلة سوريا على طول، نورا الحوراني، مضيفا “كنا نلاحظ التغيرات التي تطرأ على شخصيته، ولكن لم يخطر ببالنا أن تؤدي به لمثل هذا الفعل”.

وأضاف والده “الحرمان حوله الى إنسان آخر وضعه سيء جداً”.

محمد هو واحد من عشرات الاطفال واليافعين في مضايا الذين حاولوا الانتحار في هذه السنة، وفق ما جاء تقرير لهيئة إنقاذ الطفولة، في أيلول.

وقالت سونيا خوش، المديرة السورية لهيئة إنقاذ الطفولة، “إن ضغط العيش في ظل ظروف كهذه طيلة أعوام دون توقف أمر أصعب من أن يحتمل خاصة بالنسبة للأطفال.”

ويعزو التقرير ازدياد محاولات الانتحار، والذي لم يكن موجوداً فعلياً قبل الحرب، إلى التأثيرات النفسية السلبية لحصار مضايا الخانق الذي بدأ في تموز 2015.

إلى ذلك، قال أبو محمد، أن هاجسه الآن و كل ما يؤرقه هو أن يحاول ابنه الذي أصبح عنيداً وعنيفاً الانتحار مرة آخرى، “أصبحت مهووساً بمراقبة ابني، أحاول أن لا يغيب عن نظري أبداً، فربما حاول أن ينتحر مرة أخرى”.

“نم في سلام” لـ فرح علي. حقوق نشر الصورة للذاكرة الإبداعية للثورة السورية

  • أبو محمد، من أهالي مضايا. وطفله محمد ذو الثانية عشرة سنة، حاول الانتحار منذ شهر مضى

ما هي اهتمامات طفلك وهواياته؟ صف شخصيته قليلاً؟

كان شخصاً مختلفاً تماماً، يحب التعلم والمدرسة كثيراً واللعب مع أصدقائه، و يحب ممارسة الأنشطة الرياضية في المدرسة.

هو شخصية هادئة جداً، مرح وحنون، طموح للمستقبل، كان طفلا رائعا.

كيف أثرت الحرب و الحصار على تصرفاته وسلوكه؟ كيف تغير (نفسيا، جسديا)؟

تغير بشكل كبير، لقد خسر كل الأشياء التي يحبها، وأهمها المدرسة التي منعه عنها الحصار.

أصبح حلمه كأس حليب أو قطعة بسكويت في الصباح، حرم من كل شيء، أصبح معقد وعصبي وعنيد، لم يعد يسمع كلام أمه في المنزل ولا حتى كلامي.

لديه أختان الكبيرة عمرها  15 عاماً والصغيرة 6 سنوات وتعاني من الحول، كان يلعب معها ويعطف عليها، الآن يضربها بشدة، أصبح عنيفا بشكل جنوني.

الحرمان حوله إلى إنسان آخر وضعه سيء جداً، وأنا أخاف عليه كثيراً.

ماذا حدث في اليوم الذي حاول به الانتحار؟ كيف وأين وجدته؟ ماذا شعرت بتلك اللحظة؟

حادثة الانتحار كانت منذ شهر تقريباً، في ذلك اليوم خرجت باكراً لأحضر بعض الحطب من أجل الطهي، بقي في المنزل مع أمه وإخوته، لم تكن أمه ولا أنا نتوقع أن يخطر بباله فكرة الانتحار فهو صغير السن، كنا نلاحظ التغيرات التي تطرأ على شخصيته ولكن لم يخطر ببالنا أن تودي به لمثل هذا الفعل.

خرج من المنزل، لم تلاحظ أمه خروجه، صعد إلى سطح البناء الذي يرتفع مقدار طابقين تقريباً ورمى بجسده النحيل أرضاً.

أسعفه بعض الجيران الذين شاهدوا الحادثة، أمه التي هلعت عند سماع الصراخ لم تكن تريد أن تصدق أن محمد مرمياً أرضاً، بين خوفها ودموعها وصدمتها.

لم أشاهده، ولكن لمجرد تخيل المشهد ينتابني شعور بالخوف واليأس وقلة الحيلة.

عندما علمت بالأمر، كانت أكبر صدمة تعرضت لها في حياتي، الأمر لم يأت ولا حتى لحظة ببالي، وأهرب من الفكرة كلما تخيلت المشهد، اتمنى من الله ان لا يتكرر.

بقي أسبوعا كاملا لا ينطق حرفاً واحداً، ولا يعرف أحد، فقد ذاكرته.

ما هو وضعه النفسي الآن؟ وهل تدعمه نفسياً؟ هل فعلا تؤمن بذلك رغم الحصار والوضع المأساوي؟

وضعه النفسي يوجع القلب، يريد أن يخرج من مضايا ولا أعرف ماذا أفعل، كلما تكلمت معه هاج غضباً وبدأ بالصراخ لم يعد يتقبل كلامي وكأنه يعلم أنني أكذب على نفسي، ليس لدي حيلة لإخراجه.

أتمنى أن يصل صوتي للمنظمات الإنسانية والدولية لإخراجه، ولا أعرف إذا كان قد سمع أحد يتكلم أمامه عن الانتحار ام لا، (هل تستطيعين يا آنسة مساعدتي؟).

أصبحت مهووساً بمراقبة ابني، أحاول أن لا يغيب عن نظري أبداً، فربما حاول أن ينتحر مرة أخرى.

ما هي الخدمات النفسية المتوفرة في مضايا قبل و بعد الحرب؟ هل يتوفر علاج لإبنك؟

لا يوجد في مضايا طبيب نفسي، هناك طبيب بيطري وطبيب أسنان، ابني يحتاج طبيب نفسي.

هل هناك دعم من المجتمع الذي حولك؟ هل تشعر بانك تستطيع ان تناقش هذا الموضوع مع الأهالي في مضايا دون أن تشعر بالعار؟ هل تشعر أن المجتمع يدعمك؟

الناس أنهكهم الفقر والجوع، لكل شخص همه في تأمين قوته ليضمن يوم حياة جديد، لا يستطيع أصلا أي شخص أن يدعم الآخر.

حتى الأهالي كلهم متعبين نفسياً، لذلك انا لا اشعر بأي دعم من المجتمع.

ما هي نظرة المجتمع عن الاكتئاب؟ هل كان الأهالي يتحدثون عن الاكتئاب قبل الحرب؟ هل تتحدث عنه بشكل حر حاليا؟

قبل الحصار كانت الحياة في مضايا رائعة، كل شيء كان متوفرا، ويمكن الخروج إلى العاصمة ومناطق أخرى وتأمين كل متطلباتنا.

لم تنتشر في مضايا قبل الحرب حالات انتحار، ولم أسمع أنا شخصياً أي حديث يتعلق بهذا الموضوع قبل الحرب، ولكن مع تشديد الحصار وزيادة الضغوط على الناس حدثت حالات انتحار، الأسبوع الماضي توفي شاب بسبب الانتحار.

الآن كل الناس تتكلم عن الجوع والمرض وشبح الموت الذي لا يغادرنا.

ترجمة: فاطمة عاشور

شارك هذا المقال