5 دقائق قراءة

حماة: الأجواء الأمنية تعري وهم المنافسة في الانتخابات الرئاسية السورية

انطلقت الحملات الانتخابية للمترشحين في 16 أيار/مايو الحالي، على أن تستمر حتى 24 من الشهر ذاته، في تجربة نادرة منذ تولي حافظ الأسد السلطة في سوريا العام 1970، يفترض أن تكون تجربة ديمقراطية، كما يروج نظام الأسد. لكنها "ديمقراطية هزلية"


24 مايو 2021

حماة- فيما يبدو تنافساً ديمقراطياً على منصب رئاسة الجمهورية في سوريا، أطلق المترشحون الثلاثة للانتخابات المزمع إجراؤها يوم الأربعاء المقبل حملاتهم الانتخابية، لتعمّ صورهم شوارع المدن وساحاتها الرئيسة، كما في مدينة حماة الواقعة تحت سيطرة نظام بشار الأسد، والذي يخوض الانتخابات للاستمرار حتماً لفترة رئاسية رابعة على أطلال بلد دمرتها آلته العسكرية.

انطلقت الحملات الانتخابية للمترشحين في 16 أيار/مايو الحالي، على أن تستمر حتى 24 من الشهر ذاته، في تجربة نادرة منذ تولي حافظ الأسد السلطة في سوريا العام 1970، يفترض أن تكون تجربة ديمقراطية، كما يروج نظام الأسد. لكنها “ديمقراطية هزلية”، أو “فيلم هندي”، كما عبّر بسخرية مواطنون سوريون على وسائل التواصل الاجتماعي.

إذ اعتبر الشاب محمد، 30 عاماً، الموظف في إحدى المؤسسات الحكومية بمدينة حماة، الانتخابات الحالية “مسلسلاً مبتذلاً يهدف إلى إيهام السوريين بأن لهم حق الاختيار، وأن أصواتهم ستوصل الرئيس الذي يختاره الشعب إلى سدة الحكم”، كما قال لـ”سوريا على طول”، وهو “السيناريو ذاته الذي تم استخدامه في الانتخابات الرئاسية السابقة [2014]”.

وفيما تسببت الحرب بتشريد نحو 13 مليون سوري، بحسب تقرير للشبكة السورية لحقوق الإنسان، صدر في الذكرى السنوية العاشرة للثورة السورية، كما تدهورت قيمة الليرة على نحو غير مسبوق، مسجلة 3,145 ليرة للدولار الأميركي الواحد بحسب سعر الصرف في السوق الموازية، عنون بشار الأسد حملته الانتخابية بـ”الأمل بالعمل”.

مظاهر لا تعكس الحقيقة

انطلقت حملة بشار الأسد بدعم من المؤسسات الحكومية والنقابات المهنية في مناطق سيطرته، مترافقاً ذلك مع ضغط من أجهزته الأمنية على المواطنين في حماة لإجبارهم على تأييد حملته “بالدم”، كما جاء في لافتات علقت على جدران المؤسسات الحكومية وفي “الخيم الانتخابية” الخاصة بحملته.

في المقابل، انتشرت في شوارع حماة وساحاتها صور المرشحين الاثنين الآخرين وشعاراتهما: عبد الله سلوم عبد الله، صاحب حملة “قوتنا وحدتنا”، والذي شغل عدة مناصب في حزب الوحدويين الاشتراكيين، الحليف لحزب البعث العربي الاشتراكي، ضمن ما يعرف بـ”الجبهة الوطنية التقدمية”، والمرشح محمود أحمد مرعي المحسوب على معارضة الداخل، والذي رفع شعار “معاً”.  

لكن لا يمكن بحال من الأحوال مقارنة الحملتين الانتخابيتين للمترشحين المنافسين للأسد مع حملته التي “تساندها الأفرع الأمنية الأربعة في حماة، بالإضافة إلى عناصر حزب البعث والمليشيات المساندة له”، برأي الشاب محمد، لدرجة “أننا توقعنا أن يتم تعليق صورة له على باب كل منزل”.

وتتسابق الشركات الخاصة، إلى جانب شخصيات أمنية تابعة للنظام ووجهاء عشائر، على “رفع صور ولافتات بشار الأسد”. كما يشاركون “في إطلاق مسيرات تجوب أحياء المدينة تأييداً لبشار الأسد وتمجيداً للانتصارات”، كما أضاف محمد.

بشار الأسد الميليشيات

صورة لبشار الأسد مثبتة في حي الصابونية بمدينة حماة، تقدمة أحد قادة المليشيات التابعة للنظام، 20/ 5/ 2021 (سوريا على طول)

وفيما يفترض أن تكون المؤسسات الحكومية على مسافة واحدة من جميع المرشحين، فإنها صارت أشبه بالمقرات الانتخابية للأسد، حيث “صوره وشعارات حملته مرفوعة على طول مباني المؤسسات وداخلها”، بحسب محمد، حتى إن “الساعة الأثرية في ساحة العاصي غطّتها صورة للأسد، قدمتها غرفة تجارة وصناعة حماة.

وعلى الهامش “في الأحياء الثانوية بمدينة حماة، كحي البعث، وجنوب الملعب، والصابونية، علقت صور المرشحين الآخرين”، في تأكيد على أن مظاهر “العرس الديمقراطي” الذي يسوقه الأسد “لا يعكس حقيقة الواقع”.

وحتى على وسائل التواصل الاجتماعي، لم يحظ منافسا الأسد “بتأييد المواطنين داخل سوريا، حتى  لو بكلمة واحدة”، كما قالت لـ”سوريا على طول”، الشابة لين، 20 عاماً. معبرة أن أمنيتها “رؤية شخص واحد يؤيد مرشحاً آخر غير بشار الأسد”.

انتخاب بالوكالة!

في إطار عمل الأجهزة الأمنية على الانتخابات الرئاسية، يجري مندوبو أفرع الأمن في مدينة حماة “جولات ميدانية على المحال التجارية، مطالبين أصحابها بتأمين قوائم أسماء المتعاملين معها مع صور عن هوياتهم الشخصية أو أرقامهم الوطنية”، بحسب ما ذكر الناشط السياسي نضال الأشقر لـ”سوريا على طول”.

وأضاف الأشقر أن المدرجين في تلك “القوائم غير ملزمين بالتصويت شخصياً يوم الانتخابات، إذ سيتم التنسيق مع فرعي الأمن السياسي وأمن الدولة للانتخاب نيابة عنهم”.

كذلك، أوعزت الأجهزة الأمنية “إلى لجان الأحياء والمخاتير بضرورة جمع الهويات الشخصية للعائلات التي تقع ضمن نطاق مسؤوليتهم، مع إمكانية عدم ضرورة تواجدهم بشكل شخصي حال تعذر ذلك”، وفق الأشقر. مضيفاً أيضاً أنه طُلب من المؤسسات الاستهلاكية التابعة لوزارة التجارة المحلية والتموين “عدم تسليم المواد التموينية من الأرز والسكر عبر لجان الأحيان إلى مستحقيها ما لم يتم جمع معلوماتهم الشخصية، بهدف إجبارهم على المشاركة في الانتخابات”.

وفي القطاع الحكومي، أوعزت الأجهزة الأمنية “لجميع الموظفين والعاملين في المؤسسات الحكومية، بضرورة اصطحاب البطاقات الشخصية لأفراد عائلاتهم”، ما يفسّر “تخوّف النظام من عدم المشاركة في الانتخابات الرئاسية”، بحسب الأشقر.

لوحة طرقية حماة

لوحة طرقية تدعو المواطنين إلى المشاركة في الانتخابات الرئاسية، مثبتة على جدار مسجد في مدينة حماة، 20/ 5/ 2021 (سوريا على طول)

أجواء أمنية

نقيضاً لما يحاول نظام الأسد إظهاره من أجواء ديمقراطية انتخابية، بدأ “عناصر الأمن السياسي وأمن الدولة ينتشرون في أزقة حماة وشوارعها، بالتزامن مع بدء الحملات الانتخابية، لخلق جو أمني مرعب، هدفه التأثير على المدنيين و[ممارسة] مزيدمن الضغط عليهم”، وفق الأشقر. كما أعاد النظام “تفعيل دور المخبرين للوشاية عن المخالفين للموقف الرسمي السوري”.

لذلك، فإن كل مظاهر التنافس على كرسي الرئاسة لا تعدو أكثر من “هالة إعلامية كاذبة للإيهام بجو ديمقراطي يسود البلاد”، من وجهة نظر الأشقر، فيما الحقيقة “مئات التقارير ترفع يومياً للأفرع الأمنية عن جميع المؤسسات الحكومية وموظفيها، والشركات الخاصة، والمحال التجارية، عمن قام بدعم حملة بشار الأسد أو تعليق صور لحملته الإنتخابية و أو تخلف عن ذلك”.

من حهته، يعمل حزب البعث بالمشاركة مع المنظمات والجمعيات المحلية في حماة، من قبيل اتحاد طلبة سوريا، واتحاد شبيبة الثورة، على إقامة ندوات تدعو إلى انتخاب الأسد. إضافة إلى تنظيم حفلات داعمة للأسد في مقر حزب البعث- فرع حماة، ومقر جامعة حماة.

ووجه أمين فرع حماة لحزب البعث، أشرف باشوري، “رسائل إلى المنظمات والجمعيات بضرورة إقامة نشاطات داعمة ومؤيدة لبشار الأسد حتى انتهاء موعد الحملة الانتخابية في 24 الشهر الحالي، تحت طائلة المساءلة الأمنية لغير الملتزمين”، كما قال مصدر من مدينة حماة لـ”سوريا على طول”، طلب عدم الكشف عن اسمه لدواع أمنية.

من جهتها، أوعزت الأجهزة الأمنية في المدينة إلى المؤسسات الحكومية والشركات العامة والخاصة “منح إجازات للموظفين والعمال في يوم الاستحقاق، الموافق لـ26 أيار/مايو”، وطلبت من تلك المؤسسات “تأمين حافلات لنقل الموظفين إلى أقرب مركز اقتراع في حال عدم وجود صندوق ضمن المؤسسة أو المنشأة التي يعمل بها”، بحسب المصدر ذاته، مع ضرورة “رفع قوائم بأسماء العاملين في كل مؤسسة، وتقديم أسماء الرافضين للانتخابات إلى فرع أمن الدولة ليصار إلى محاسبتهم أمنياً”.

وسط هذه الظروف، تجد الشابة لين نفسها مجبرة على “المشاركة في الانتخابات، خوفاً من الاعتقال”، كما قالت، خاصة مع “الانتشار الكبير للمخبرين بين الأهالي والمدنيين”. إذ فيما “لن تغير مشاركتي في نتيجة الانتخابات المحسومة مسبقاً”، فإن عدم المشاركة “سيعرضني للملاحقة الأمنية”. لذلك “كحال غالبية أهالي حماة  سنبصم بالدم لقائد البلاد ليبقى في حكمه ويمارس مزيداً من القتل والاعتقال”.

شارك هذا المقال