4 دقائق قراءة

عين عيسى: “قسد” بين مواجهة أنقرة عسكرياً والرضوخ لمطالب دمشق

عادة ما تكون دمشق وقواتها خياراً للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا حال وجود أي تهديد تركي للمنطقة. فإبان عملية "نبع السلام" العسكرية، التي أطلقها الجيش الوطني، لجأت "الإدارة" إلى القوات الروسية وقوات النظام لوقف العملية العسكرية. لكن انعدام الثقة بين دمشق والإدارة الذاتية يفشل أي اتفاق بين الجانبين في المنظورين القريب والبعيد.


11 يناير 2021

عمان – وصلت المفاوضات الأخيرة بين الإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا ونظام دمشق إلى طريق مسدودة، نتيجة اشتراط دمشق السيطرة الكاملة على مدينة عين عيسى. وقد جاءت المفاوضات التي تمت برعاية روسية، مع إطلاق الجيش الوطني السوري المعارض المدعوم من تركيا عملية عسكرية، الشهر الماضي، تستهدف السيطرة على المدينة التي تعد العاصمة السياسية للأكراد.

وفي حديثه إلى “سوريا على طول”، اعتبر القيادي في الإدارة الذاتية، عامر مراد ، أن أحد شروط نجاح الحوار مع النظام هو “الاعتراف بخصوصية وضع مناطق الإدارة الذاتية وخصوصية قوات سوريا الديمقراطية [قسد]”، وأن الإدارة الذاتية ترفض بالتالي “أي اتفاق مع روسيا ينتهي بتسليم المنطقة وانتشار دوريات روسية- تركية”. متهماً موسكو وأنقرة بالسعي، عبر هكذا سيناريو، إلى “تسليم المنطقة للنظام السوري الذي يرفض أي شكل من أشكال الحوار لأجل مصلحة السوريين، ويرغب في إخضاع المنطقة لسلطته ويمارس بحق مواطنيها مختلف أنواع الانتهاكات”.

ويندرج في السياق ذاته، بحسب مراد، اتفاق تركي-روسي، تشجع بموجبه الأخيرة تركيا على التصعيد، لكن “من دون منحها الضوء الأخضر للتقدم الفعلي [نحو عين عيسى]، وذلك ضغطاً من الروس على الإدارة الذاتية لتسليم هذه المناطق للنظام السوري”.

فشل مفاوضات الإدارة الذاتية مع دمشق قد ينذر باستئناف العملية العسكرية التي أعلن الجيش الوطني عنها في 20 كانون الأول/ديسمبر 2020 ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في عين عيسى، والتي توقفت خلال الأيام الماضية إلا من عمليات قصف متبادل بين الجانبين.

هذا السيناريو أكده المحلل العسكري العقيد السوري المنشق أحمد حمادة، معتبراً أن “توقف العمليات العسكرية يرتبط بمسار التفاوض مع الإدارة الذاتية بجهود روسية”. إذ “تنتظر تركيا مخرجات المفاوضات الروسية مع “قسد”، وما سيترتب عليها من استكمال للعملية العسكرية أو الوصول إلى حل يرضي الأطراف”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

صراع بين النظام و”قسد”

عادة ما تكون دمشق وقواتها خياراً للإدارة الذاتية في شمال وشرق سوريا حال وجود أي تهديد تركي لمصالح الأخيرة في المنطقة. فإبان عملية “نبع السلام” العسكرية، التي أطلقها الجيش الوطني بدعم تركي في تشرين الأول/أكتوبر 2019، لجأت “الإدارة” إلى القوات الروسية وقوات النظام لوقف العملية العسكرية. لكن انعدام الثقة بين دمشق والإدارة الذاتية يفشل أي اتفاق بين الجانبين في المنظورين القريب والبعيد.

وقد اتهم عضو هيئة المصالحة الوطنية، التابعة للنظام، عمر رحمون، “قسد” بـ”التلاعب على الحكومة السورية وروسيا وخداعمها”، إذ كما قال لـ”سوريا على طول”، “ماطلت “قسد” في تسليم مدينة عين عيسى إلى الحكومة السورية والقوات الروسية مكررةً تجربة عفرين التي انتهت باحتلالها من القوات التركية”.

وكشف رحمون عن انعقاد عدة اجتماعات من جانب موسكو ودمشق مع “قسد”، وكان الطلب واضحاً بـ”تسليم عين عيسى للدولة السورية. لكن “قسد” ناورت واحتالت، كما فعلت في منبج أيضاً، عندما وعدت بتسليمها في حال منع احتلالها من تركيا، لكن بعد توقف العملية التركية لم تسلم “قسد” منبج للجيش العربي السوري”.

من جانبه، أكد القيادي في الإدارة الذاتية عامر مراد أن “أبوابنا مفتوحة للحوار مع أي طرف” شريطة “احترام هذه الجهة للإدارة الذاتية وثوابتها ومصالح شعوب شمال وشرق سوريا”. لافتاً إلى أن “روسيا حتى الآن تعمل على تفضيل وإعلاء كفة النظام السوري، مقابل تخلي الإدارة الذاتية عن ثوابتها. وهذا غير ممكن”.

رداً على ذلك، استبعد رحمون تقديم “الدولة السورية وحليفتها روسيا لأي نوع من أنواع الدعم في حال أصرت “قسد” على عدم تسليم عين عيسى، حتى وإن احتلتها تركيا”. مشيراً إلى أن “الجيش السوري لن يخرج من مدينة عين عيسى، وسيحافظ على تواجده في اللواء 93 حتى مع وجود الأتراك في المدينة”.

مستقبل عين عيسى

بعيداً عن تمسك الإدارة الذاتية بموقفها حيال عاصمتها السياسية، فإن مستقبل مدينة عين عيسى التابعة لمحافظة الرقة شمال شرق سوريا، لن يكون كما كانت عليه قبل تصعيد المعارضة السورية الأخير. وبحسب د. محمد سرميني، مدير مركز جسور للدراسات، ومقره تركيا، فإن ثمة احتمالين لمستقبل المدينة.

الأول، “سيطرة روسية”، كما أوضح سرميني لـ”سوريا على طول”، بحيث “تتولى روسيا عملية السيطرة على عين عيسى وإخراج قوات سوريا الديمقراطية منها”، يفضي إلى “عودة مؤسسات النظام إلى المدينة، من دون أن يشمل ذلك بالضرورة انتشار قواته العسكرية”. لافتاً إلى أن “تركيا لا تمانع هذا الخيار”، على أن يتم “إخراج قوات سوريا الديمقراطية وكل مؤسسات الإدارة الذاتية من المنطقة”.

أما السيناريو الثاني، فيتمثل في “عملية تركية بالتنسيق مع الجانب الروسي، بحيث تضمن موسكو التحكم بحدود التوغل التركي، إلى أن تقدم قوات سوريا الديمقراطية تنازلات لموسكو”. لاحقاً، بحسب سرميني، “يتم تقاسم السيطرة الجغرافية [بين موسكو وأنقرة] وعدم استفراد طرف فيها دون الآخر”.

في هذا السياق، رجح سرميني حصول العملية التركية “بعيد سحب تركيا لآخر نقاطها العسكرية الواقعة ضمن [مناطق] سيطرة النظام السوري في إدلب”.

من جهته، اعتبر القيادي في الإدارة الذاتية عامر مراد أن تركيا والقوات المدعومة منها “فشلت في إحراز تقدم في المنطقة” التي ليس لها “سوى الدفاع عن نفسها بقوّاتها وهمتهم ومواطنيها”، كما أضاف. معتبراً أن “تركيا لن توقف انتهاكاتها ومحاولات الاعتداء على المنطقة مهما كانت الظروف، لأنها لا ترضخ لاتفاقات ولا مواثيق ولا تفي بوعودها”.

عين عيسى التي تقع على طريق حلب- الحسكة الدولي (M4)، تكتسب أهمية باعتبارها عقدة وصل تربط عدة مناطق: مدينة الرقة ومدينتي تل أبيض وعين عيسى التابعتين لمحافظة الرقة، ومدينة منبج التابعة لمحافظة حلب، وبلدة المبروكة في ريف محافظة الحسكة، عدا عن أنها ممر تجاري مهم بين شمال شرق سوريا وشمال غربها وصولاً إلى الساحل السوري.

وسيطرة الجيش الوطني على مدينة عين عيسى وما حولها، كما أوضح سرميني، “يسهم في زيادة تأمين منطقة تل أبيض الواقعة ضمن نطاق عملية نبع السلام، وتحرم قوات سوريا الديمقراطية من مركز متقدم ومنصة لانطلاق الحرب الأمنية التي تخوضها ضد مناطق النفوذ التركي عن طريق العربات المفخخة”.

أيضاً، فإن السيطرة على عين عيسى يعني “عزل كل من منبج وعين العرب [كوباني] بريف حلب عن مناطق سيطرة قسد”، كما أضاف سرميني. ما يؤدي إلى “تقويض الحزام أو الممر الذي حاولت وحدات حماية الشعب [التي تمثل ثقل “قسد”، وهي الجناح العسكري لحزب الاتحاد الديمقراطي] تشكيله على طول الحدود مع تركيا”، والذي تلقى “ضربات قوية سابقاً تمثلت بخسارة الوحدات لمناطق عفرين وتل أبيض ورأس العين”.

شارك هذا المقال