4 دقائق قراءة

قصف إدلب: هل يبحث النظام وحليفه الروسي عن مكاسب عسكرية أو تفاوضية؟

عادة ما ينحو نظام الأسد وحليفه الروسي عشية أي مباحثات دولية متعلقة بالشأن السوري إلى التصعيد عسكرياً بهدف الضغط وتحصيل مكاسب تفاوضية، وهو ما قد يبدو الهدف من التصعيد الأخير على إدلب.


15 يونيو 2021

إدلب – للأسبوع الثاني على التوالي، تتعرض قرى وبلدات جبل الزاوية بالريف الجنوبي لمحافظة إدلب شمال غرب سوريا، والتي تمثل آخر مناطق المعارضة، لقصف مصدره قوات نظام الأسد والطيران الروسي، ما أدى إلى موجة نزوح جديدة من المنطقة التي كان عدد من سكانها قد عادوا إليها، بعد هدوء نسبي، على مدار الأشهر الماضية.

ومنذ مطلع الأسبوع الحالي، بلغ عدد النازحين من جبل الزاوية، 1867 شخصاً، بحسب ما ذكر مدير فريق “منسقو الاستجابة”، محمد حلاج. مضيفاً في حديثه لـ”سوريا على طول” أن التصعيد الذي بدأ في 8 حزيران/ يونيو الحالي “أدى إلى مقتل 24 شخصاً، من بينهم 13 عسكرياً من فصائل المعارضة، وإصابة 33 شخصاً بجروح”.

ووثق “منسقو الاستجابة”، بحسب حلاج، “نحو 100 عملية قصف مدفعي وجوي، منذ بدء التصعيد الأخير، مصدرها قوات النظام والطيران الروسي”. كان أبرزها القصف الذي طال بلدة إبلين في جبل الزاوية، في 10 حزيران/ يونيو الحالي، وأدى إلى مقتل المتحدث العسكري باسم هيئة تحرير الشام، أبو خالد الشامي، رفقة مسؤول العلاقات العامة الإعلامية في الهيئة، أبو مصعب الحمصي، ومنسق الوفود الإعلامية، أبو تامر الحمصي، إضافة إلى 9 مدنيين.

مناورة أم عمل عسكري؟

سبق التصعيد الأخير على إدلب حركة نشطة لفرق الاستطلاع الأرضي التابعة لقوات النظام، منها “عدة محاولات استطلاع بالقوة، أي عمليات تسلل ليلية لاختبار جاهزية العدو وقوة تحصيناته”، كما ذكر مصدر قيادي عسكري من “الهيئة” في محور جبل الزاوية، لـ”سوريا على طول”. تزامن ذلك مع “انتشار مجموعة قناصين من القوات الخاصة الروسية، ونشر قواعد مضادات دروع حرارية بهدف قطع طرق الإمداد”.

أيضاً، لوحظ تكثيف طيران النظام وروسيا للطلعات الاستطلاعية، بحسب المصدر القيادي ذاته، متوقعاً أن تكون الغاية من ذلك “جمع بنك أهداف للتعامل معها بحسب الأولوية”، بدءاً من “قصف نقاط الرباط ومقرات الإسناد ومقرات العمليات، ونقاط انطلاق وتوزيع الوقود والطعام والإخلاء”، هذا “من دون إغفال التعامل المباشر مع أي هدف يرصده طيران الاستطلاع”.

وتميزت الضربات الأخيرة على جبل الزاوية “بدقة إصابتها”، كما أوضح القيادي في الهيئة. موضحاً أن “القذائف المستخدمة من نوع كراسنبول عيار 152 مم. وهي قذائف موجهة بالليزر من خلال ربطها بطائرة الاستطلاع والتحكم بها بعد إطلاقها”، وأن هذا النوع “تم استخدامه سابقاً ضد المنطقة، كما في القصف الذي استهدف في آذار الماضي سوق المحروقات جنوب مدينة سرمدا”.

هذه التطورات، برأي قيادي عسكري في الجبهة الوطنية للتحرير، تشير إلى “أن احتمالية شن عملية عسكرية على إدلب ممكنة”، مع أن ذلك “لم يكن مستبعداً طيلة الفترة الماضية”، كما أضاف. موضحاً لـ”سوريا على طول” أن “محاور قوات النظام معززة مسبقاً وجاهزة لشن هجمات عسكرية، لكن من كل محور على حده”، مستبعداً “استخدام النظام لاستراتيجية جلب الأرتال والتعزيزات من عمق مناطقه”.

لكن الباحث في مركز جسور للدراسات بتركيا، عبد الوهاب عاصي، استبعد أي عملية عسكرية برية جديدة “سواء واسعة أو جزئية”. معتبراً أن “التكلفة المحتملة لاستئناف العمليات القتالية ستكون عالية مقارنة مع عمليات شباط/فبراير 2020″، ما يعني “صعوبة تحقيق إنجاز عسكري ومن ثم تحويله لمكسب سياسي”. 

هذا فيما لم تتمكن روسيا حتى الآن، كما أضاف عاصي لـ”سوريا على طول”، “من تحويل التقدم العسكري في إدلب منذ العام 2018 إلى مكسب سياسي أو اقتصادي أو أمني”.

مكاسب تفاوضية

عادة ما ينحو نظام الأسد وحليفه الروسي عشية أي مباحثات دولية متعلقة بالشأن السوري إلى التصعيد عسكرياً بهدف الضغط وتحصيل مكاسب تفاوضية، وهو ما قد يبدو الهدف من التصعيد الأخير على إدلب.

إذ لا يمكن أن يُنظر إلى التصعيد العسكري بمعزل عن الاجتماع المرتقب بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي جو بايدن، وبين الأخير ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، كما رأى الباحث عاصي. لافتاً أيضاً إلى أن “قرب انتهاء تفويض القرار 2253 للعام 2020، الخاص بآلية نقل المساعدات الإنسانية عبر الحدود، وانعقاد مجلس الأمن في 10 تموز/ يوليو المقبل بشأن تجديد [القرار]، مرتبط بما يحدث في إدلب”.

واستدل عاصي على ذلك بأن الجانبين التركي والروسي لم يتوصلا إلى نتائج مرضية للطرفين في المباحثات التي جرت على مستوى الخبراء في 8 حزيران/ يونيو الحالي، وهو يوم بدء التصعيد العسكري من قبل دمشق وموسكو.

وتعمل روسيا، من أجل إغلاق معبر باب الهوى شمال غرب سوريا، وهو المعبر الوحيد لإدخال المساعدات الأممية استناداً إلى القرار 2253، أو تقليص مدة التفويض إلى ستة أشهر بدلاً من سنة، إضافة إلى سعيها لتفعيل ثلاثة معابر داخلية في حلب وإدلب بين مناطق النظام والمعارضة. وهو ما طالبت به في لقاء الدوحة [الذي جمع وزراء خارجية قطر وتركيا وروسيا] منتصف آذار/ مارس الماضي”. أما تركيا فتحاول “إقناع روسيا بتجنب استخدام حق النقض (الفيتو) في اجتماع مجلس الأمن المقبل”، وفق عاصي.

 مواجهة مع تركيا؟

تنتشر نقاط المراقبة التركية على خطوط التماس مع مناطق النظام في محافظة إدلب شمال غرب سوريا، ما يعني أن أي عمل عسكري بري للنظام في إدلب يعني الاصطدام بالجيش التركي الموجود في تلك النقاط.

لذلك، بحسب عاصي، فإن أي عملية عسكرية تهدف دمشق عبرها إلى السيطرة على مزيد من الأراضي في شمال غرب سوريا، قد يؤدي إلى “تكرار سيناريو 2020 الذي استنزف قدرة النظام، بعد الرد التركي، ودفع بموسكو للتدخل وتوقيع اتفاق وقف إطلاق نار مع أنقرة”.

في هذا السياق، تبرز مسألة أن الوجود التركي في شمال غرب سوريا إبان العملية العسكرية التي شنها النظام أواخر العام 2020، كان مختلفاً عما هو عليه الآن. إذ كان “عدد النقاط التركية آنذاك 12 نقطة مراقبة، وقد حوصر العديد منها من قبل قوات النظام. أما اليوم، فيبلغ عدد النقاط التركية، بحسب إحصاءات مركز جسور، 58 نقطة، “منتشرة في نقاط متقدمة، وتبعد كل نقطة عن الأخرى سبعة كيلومترات”، بحسب الباحث عاصي.

وفيما يتطلع نحو أربعة ملايين شخص في شمال غرب سوريا، نصفهم نازحون، إلى وقف للعمليات العسكرية والحد من خروقات وقف وإطلاق النار، يبدو أن أنقرة وموسكو “بعيدتان عن التوصل إلى اتفاق مستدام وشامل لإطلاق النار”، ذهب عاصي، “في ظل غياب التفاهم على القضايا الخلافية، من قبيل: مكافحة الإرهاب، والانتشار العسكري التركي، ومصير حركة التجارة والنقل، وحدود المنطقة الآمنة”.

شارك هذا المقال