4 دقائق قراءة

ولادة الخوف: صدمة الزلزال تزيد حالات الولادة المبكرة شمال غرب سوريا

بعد حدوث كارثة الزلزال، التي ضرب تركيا وسوريا، قدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان، في 19 شباط/ فبراير، تضرر حوالي 133 ألف امرأة حامل جراء الزلزال في سوريا، مشيراً إلى أن "ما يقرب من 6600 امرأة سيعانين من مضاعفات الحمل والولادة".


14 مارس 2023

إدلب- مرّ زلزال السادس من شباط/ فبراير، الذي ضرب شمال سوريا وجنوب تركيا، بسلامٍ على جهينة القاسم، 35 عاماً، وعائلتها، باستثناء بعض التصدعات طالت منزلها الواقع بمدينة إدلب، و”لم يتأثر جنيني أو أحداً من عائلتي”، كما قالت السيدة، التي كانت حاملاً في شهرها السادس آنذاك، لـ”سوريا على طول”.

لكن الزلزال الثاني، الذي ضرب المنطقة في 20 شباط/ فبراير الماضي، تسبب بإصابة أكثر من 190 مدنياً “بكسور وجروح متفاوتة وحالات إغماء وانهيار لأبنية متصدعة”، وفقاً للدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء)، وكان جنين القاسم، الذي فارق الحياة بعد عشرة أيام من ولادته، أحد ضحايا الزلزال.

عندما وقع الزلزال الثاني، الذي بلغت قوته 6.4 على مقياس ريختر، “خرجت أنا وأطفالي إلى الشارع، وبعدها شعرت بآلام في ظهري وبطني، ولم أعلم أنها أعراض الولادة”، وفقاً للقاسم، المهجرة من قرية داديخ في ريف سراقب إلى مدينة إدلب، وهي أم لأربعة أطفال.

في 21 شباط/ فبراير، راجعت القاسم مستشفى الزهراوي في مدينة إدلب، لكنه كان مغلقاً للصيانة، فحُولت إلى مستشفى الأمومة، وتم إدخالها فوراً إلى غرفة المخاض لتوليدها، وهي في شهرها السادس، وعزا الأطباء سبب ولادتها المبكرة إلى “الخوف الذي تعرضت له بسبب الزلزال”، كما أوضحت.

إجهاض وولادة مبكرة

بعد حدوث الزلزال المدمر، في السادس من شباط/ فبراير، الذي خلّف 3697 قتيلاً و14814 جريحاً في عموم سوريا، منهم 2277 قتيلاً و12400 جريح في شمال غرب سوريا، شهدت المنطقة مئات الهزات الارتدادية، ما خلق حالة من الذعر والهلع بين سكان المناطق المتضررة، بما في ذلك النساء الحوامل، إذ قدّر صندوق الأمم المتحدة للسكان، في 19 شباط/ فبراير، تضرر حوالي 133 ألف امرأة حامل جراء الزلزال في سوريا، مشيراً إلى أن “ما يقرب من 6600 امرأة سيعانين من مضاعفات الحمل والولادة، في ظل التوقعات بأن تلد حوالي 44 ألف امرأة في الأشهر الثلاثة المقبلة”.

توقفت القاسم عن الحمل لمدة ست سنوات، و”كانت فرحتي كبيرة عندما ظهرت نتيجة حملي إيجابية، لكن سرعان ما تبدلت الأحوال وصار فرحي حزناً شديداً”، قالت السيدة المكلومة بعد تنهيدة طويلة، مشيرة إلى أنها لم تتعرض لأي ولادة مبكرة في ولاداتها السابقة، وكانت حالتها الصحية هي وجنينها جيدة قبل كارثة الزلزال.

بعد ولادتها “تم تحويل طفلي إلى قسم الأطفال الخدّج، ووُضع في الحاضنة”، لأنه كان يعاني من “نقص أكسجين وضعف في رئته، وكان يحتاج إلى تحليل غازات يومياً”، كما قالت القاسم، مشيرة إلى أن طفلها لم يكن يعاني من أي تشوهات خلقية.

وبينما “كنت أعاني من آلام الولادة، كان زوجي يمكث في المستشفى حتى بعد منتصف الليل، لمتابعة حالة ابني، إلى أن توفاه الله بعد عشرة أيام”، قالت الأم بأسى. 

في مناطق سيطرة المعارضة وهيئة تحرير الشام، شمال غرب سوريا، حيث يعيش أكثر من أربعة ملايين نسمة، نصفهم نازحون، “كان هناك حالات ولادة مبكرة قبل الزلزال”، ولكنها شهدت ارتفاعاً “بنسبة 15% عما كانت عليه”، كما أوضحت الدكتورة إكرام حبوش، أخصائية نسائية ومديرة مستشفى الأمومة التابع للجمعية الطبية السورية الأمريكية (سامز)، مشيرة إلى أن الولادة المبكرة هي “كل ولادة تحدث بعد الأسبوع الرابع والعشرين من الحمل وقبل الأسبوع السابع والثلاثين”. 

وأشارت حبوش إلى أن “جميع النساء الحوامل اللواتي يتعرض للخوف والرعب معرضين للولادة المبكرة أو إسقاط الجنين، فكيف إذا كانت الكارثة بحجم الزلزال؟”، مؤكدة “ارتفاع حالات الإجهاض والموت محصول الحمل داخل الرحم”، إذا كان مستشفى الأمومة “يسجل حالة أو حالتي ولادة مبكرة يومياُ قبل الزلزال، ليصل عدد الحالات بعد الزلزال إلى ثلاث أو أربع حالات”.

من جهتها، قالت الدكتورة حسناء حمدان، العاملة في مستشفى الأمومة، أن النساء الحوامل هنّ الأكثر تأثراً من كارثة الزلزال، إذ “أثر الخوف عليهن بشكل كبير، ما أدى إلى ازدياد عدد حالات توقف النبض عند الأجنة، وبعض حالات النزف عند النساء، الذي أدى إلى إسقاط الأجنة، وحالات تمزق ندبة القيصريات”.

وجاءت تصريحات الحبوش وحمدان متسقة مع تقرير مسؤولة الصحة الإنجابية في مديرية صحة إدلب، بتول الخضر، زودت “سوريا على طول” بنسخة منه، يشير إلى أن “نحو 1061 امرأة حامل تضررت من الزلزال في شمال غرب سوريا، وعدد الولادات المبكرة وصل إلى 711 ولادة، فيما بلغ عدد القيصريات الإسعافية حوالي 130 ولادة”.

ووفق الأرقام التي جمعتها الخضر، بلغ عدد حالات النزف الحملية (تهديد ولادة مبكرة- تهديد إسقاط) حوالي 220 حالة في شمال غرب سوريا.

قطاع طبي هش

كشف زلزال السادس من شباط/ فبراير عجز القطاع الطبي في شمال غرب سوريا، بما في ذلك أقسام النسائية والتوليد، ناهيك عن تسبّبه بوقوع أضرار في عدد من المستشفيات والحواضن الخاصة بحديثي الولادة.

وفي هذا السياق، قالت بتول الخضر، أن ثلاثة مستشفيات خرجت عن الخدمة بسبب الزلزال، في شمال غرب سوريا، منهم مستشفى جنديرس والدانا، فيما تسبب الزلزال بتصدع أربعة مستشفيات أخرى “لكنها ما زالت تعمل”، كما أوضحت لـ”سوريا على طول”.

وقالت الخضر: “إن مركز سلقين للتوليد متوقف، ومستشفى الدانا أيضاً، ونحن بحاجة ماسة إلى خيم توليد في المنطقتين”. كذلك، هناك “نقص في كيتات الولادة النظيفة وكيتات العمليات المعقمة حتى في مراكز الرعاية الأولية، وأيضاً نحن بحاجة أدوية من خارج الكيتات، مثل: أدوية تخدير، صادات، مسكنات، مثبطات مخاض، مضادات تشنج”، على حد قولها.

وشددت الخضر على ضرورة “تأمين دعم لإنشاء عيادات متنقلة في المناطق المتضررة من الزلزال، وتأمين دعم المولدات الكهربائية بمادة الفيول”، إضافة إلى “تأمين دعم مولدة أوكسجين، بعد أن تم إيقاف دعمها من قبل منظمة هيومان أبيل [البريطانية]، وتبقى الدعم لواحدة فقط في مدينة إدلب”.

اقرأ أيضاً: نساء شمال غرب سوريا الأشد تأثراً بنقص التمويل وتراجع اهتمام المانحين

أما فيما يخص أزمة الولادات المبكرة بعد الزلزال، قالت الدكتورة حبوش أن “الحاضنات ممتلئة بعشرات الأطفال، الذين ولدوا قبل موعدهم”، مشيرة إلى وجود “أطفال لا نستطيع أن نؤمن لهم حواضن. عدد الحواضن في مستشفى الأمومة 14 حاضنة، وقد يحتاج الطفل إلى البقاء في الحاضنة لفترة تصل إلى شهرين”، كما أوضحت.

وناشدت الدكتورة حبوش بضرورة “إعادة تفعيل المستشفيات والحواضن التي تضررت في المناطق التي شملها الزلزال خارج إدلب المدينة بالسرعة الممكنة”، إذ ربما يولد طفل في تلك المناطق المتضررة “وإلى حين وصوله إلى مستشفى الأمومة بإدلب يكون قد فارق الحياة”.

شارك هذا المقال