5 دقائق قراءة

مع غلاء الأعلاف في دمشق وريفها: أصحاب المواشي أمام “البيع بخسارة” أو العزوف عن تربيتها

مع ارتفاع أسعار العلف وقلة توفر المدعوم حكومياً، 1100 ليرة (0.24 دولاراً) للكيلو الواحد، يلجأ عدد من مربي المواشي في دمشق وريفها إلى "الخبز اليابس" كبديل للعلف المحلي


18 أغسطس 2022

دمشق- على مدار عامين، حاول خالد رحال، 44 عاماً، الاحتفاظ بقطيع الأبقار، الذي يشكل مصدر دخله الأساسي لسنوات، لكن استمرار تدهور الأوضاع الاقتصادية، وارتفاع تكاليف تربية المواشي في مناطق سيطرة النظام بدمشق وريفها دفعه إلى بيعها واحدة تلو الأخرى.

تأثر قطاع الثروة الحيوانية بفعل الحرب، ما أدى إلى خسارة مربي المواشي لقطعانهم جراء نقص الأعلاف وارتفاع أسعارها، وعمّق الغزو الروسي لأوكرانيا الأزمة التي تضرب هذا القطاع، إذ كان بمثابة ضربة قاضية بالنسبة لرحال، الذي ينحدر من إحدى قرى جبل الشيخ في ريف دمشق الغربي، دفعته إلى الاستغناء عن قطيعه كاملاً، قبل شهرين، إلا واحدة احتفظ بها لتأمين احتياجات أسرته.

كان قطيع رحال مؤلفاً من 15 بقرة، ويتراوح سعر الواحدة منها بين 4.5 و 5 مليون ليرة سورية (1000 و1200 دولاراً أميركياً بحسب سعر الصرف الحالي في السوق الموازية البالغ 4465 ليرة للدولار)، لكنه اضطر إلى بيعها بسعر أقل من قيمتها بنسبة 20% “لأن السوق واقف”، كما قال لـ”سوريا على طول”، موضحاً أن ارتفاع أسعار الأعلاف وعدم توفرها أصاب سوق المواشي بـ”الجمود”.

خسر قطاع الثروة الحيوانية في سوريا 173 ألف بقرة، إذ انخفض العدد من 830 ألف رأس في عام 2011 إلى 693 رأس في عام 2020، بحسب أرقام أدلى بها معاون وزير الزراعة رامي العلي لموقع محلي، في 9 نيسان/ أبريل الماضي، فيما انخفض قطيع الأغنام إلى 16 مليون رأس بخسارة تزيد عن 2 مليون رأس مقارنة بعام 2010.

وبدوره، قدّر مدير الإنتاج الحيواني في وزارة الزراعة التابعة للنظام، أسامة حمود، في شباط/ فبراير الماضي، فقدان سوريا قرابة 40 إلى 50% من ثروتها الحيوانية.

ورغم تأثر الثروة الحيوانية في عموم سوريا بفعل المتغيرات الاقتصادية والمناخية والحرب الأوكرانية، إلا أنها أشدّ تأثراً في دمشق وريفها، نظراً لـ”نقص المراعي، وقلة الأمطار”، ما أدى إلى “نفوق المواليد الجديدة”، قال أبو عبدو لـ”سوريا على طول”، وهو مربي أبقار في مدينة حرستا بريف دمشق.

وعليه، اضطر أبو عبدو، 56 عاماً، لاستئجار بعض الأراضي المزروعة بالقمح بعد حصادها لتوفير مرعى لأبقاره، وعددها 12 بقرة، بأجرة بلغت “200 ألف ليرة سورية للدونم الواحد لمدة شهرين”، بحسب قوله.

على صعيد الاستجابة الحكومية، تسعى دمشق إلى التوسع في زراعة الذرة الصفراء، واستمرار استيراد “البكاكير” من الأبقار (الرضيعة)، كما جاء في تصريح معاون وزير الزراعة رامي العلي، مؤكداً نية وزارته “استيراد 1000 رأس بقر سيتم توزيعها على محافظتي دير الزور وحلب”، إضافة إلى محاولاتهم “تحقيق توازن بين وجود رؤوس الأبقار والأعلاف المتوفرة لها”.

البحث عن بدائل

مع ارتفاع أسعار العلف وقلة توفر المدعوم حكومياً، 1100 ليرة (0.24 دولاراً) للكيلو الواحد، يلجأ عدد من مربي المواشي في دمشق وريفها إلى “الخبز اليابس” كبديل للعلف المحلي، كما في حالة فهد، وهو أحد مربي الأغنام في مدينة معضمية الشام بريف دمشق الغربي.

بلغ سعر طن الشعير مليوناً ونصف مليون ليرة (336 دولاراً) بعد أن كان سعره 800 ألف ليرة (179 دولاراً) في عام 2021، فيما ارتفع سعر طن العلف المحلي إلى مليون ومئتي ألف ليرة (268 دولاراً) بعد أن كان (112 دولاراً)، كما قال فهد لـ”سوريا على طول”.

وفيما كان سعر الكيلو غرام من العلف المستورد 1500 ليرة (0.33 دولاراً)، في عام 2021، ارتفع سعره أكثر من الضعف، بحسب خالد رحال، إذ يتراوح سعره اليوم في السوق السوداء بين 3500 و 4000 ليرة (0.87 و0.89 دولاراً).

أسعار الخبز اليابس شهدت ارتفاعاً أيضاً، نتيجة زيادة الطلب عليها، و”منع الحكومة تخزين الخبز والاتجار به”، وفق فهد، مشيراً إلى أن سعر الكيلو غرام ارتفع إلى 900 ليرة (0.20 دولاراً) بعد أن كان سعره 200 ليرة (0.04 دولاراً)، ما يعني أن سعره صار قريباً من أسعار العلف.

ناهيك عن رفع أسعار الأعلاف عدة مرات بذريعة العقوبات المفروضة على سوريا، ومن ثم تأثر استيراده بالحرب الروسية- الأوكرانية، اتجهت دمشق إلى تقنين مخصصات المربّين عبر ما يعرف بـ”المقنن العلفي”.

أمام هذا الواقع، اضطر مربو المواشي إلى استخدام بدائل علفية أخرى، من قبيل “الشعير والذرة الصفراء والتبن”، كما قال عدد منهم لـ”سوريا على طول”. هذه البدائل شهدت أيضاً ارتفاعاً في الأسعار، إذ سجلت الذرة الصفراء ارتفاعاً بنسبة 30%، ليصل سعر الطن إلى 1.65 مليون ليرة في المرفأ و1.7 مليون ليرة في السوق، فيما ارتفع سعر كسبة فول الصويا (منتج ثانوي لاستخراج الزيت) بحدود 25%، ليصل سعر الطن في المرفأ إلى 2.95 مليون ليرة وفي السوق بحدود ثلاثة ملايين ليرة، وفقاً لحكمت حداد، عضو لجنة مربي الدواجن التابعة للنظام.

ومن البدائل أيضاً، اعتمد مربو المواشي على بعض الحبوب “ذات الجودة السيئة”، كعلف للحيوانات، من قبيل: العدس الأسود، الحمص، والأرز الطويل، “نشتريها من العائلات المستفيدة من مساعدات الجمعيات الخيرية، كون هذه الأصناف غير صالحة للاستخدام البشري”، وفق فهد، مشيراً إلى أن استخدام العلف المستورد يفوق قدرته، لذلك يستخدمه “بكميات قليلة إلى جانب البدائل الأخرى”.

وتكشف صور الأغنام في حظيرة فهد بمعضمية الشام واقع أزمة الثروة الحيوانية في دمشق وريفها، إذ تبدو الأغنام بأجسام هزيلة.

يربط النظام ارتفاع أسعار العلف بالحرب الروسية-الأوكرانية، باعتبار هاتين الدولتين المورّد الرئيس لسوريا من المواد العلفية، كما قال مدير مؤسسة الأعلاف التابعة للنظام، عبد الكريم شباط، في آذار/ مارس الماضي، موضحاً أن المؤسسة كانت “تستورد الذرة من روسيا، بينما تجار القطاع الخاص كانوا يستوردون من أوكرانيا وبلدان أخرى”.

لكن، تبدوالمشكلة أبعد من الغزو الروسي، ولا يمكن حصرها أيضاً بارتفاع تكاليف الإنتاج وعجز النظام عن استيراد احتياجات السوق من مصادر أخرى، إذ كشف موقع محلي في عام 2021 عن وجود نقص كبير في مستودع أعلاف الفرقلس بريف حمص الشرقي، وسوء تخزين الأعلاف، إلى جانب تصريف المواد الجديدة والإبقاء على القديمة ضمن صفقة اختلاس مواد علفية بقيمة 2 مليار ليرة (478 ألف دولار). 

تجارة خاسرة!

تنتج البقرة الواحدة من أبقار أبو عبدو في حرستا 30 كيلوغرام من الحليب يومياً، يبلغ إجمالي سعرها 48 ألف ليرة سورية (10.75 دولاراً)، مقابل ذلك “تحتاج البقرة يومياً 10 كيلوغرام من العلف واثنان كيلو من التبن”، بقيمة 40 ألف ليرة، و مع سوء نوعية العلف أو عدم قدرته تأمين العلف المغذي ينخفض إنتاج البقرة إلى 20 كيلوغراماً، ما يعني أننا “نبيع بخسارة”، كما قال.

ويعدّ سعر كيلو الحليب “قليلاً جداً” مقارنة بتكاليف الإنتاج وأسعار مشتقات الحليب، بحسب أبو عبدو، مشيراً إلى أن سعر الكيلوغرام من اللبنة يصل إلى 16 ألف ليرة. مع ذلك يُجبر على بيع الحليب للتجار بهذه الأسعار، لعدم إمكانية تصنيعه أو بيعه للمستهلك بأسعار أفضل “نظراً لارتفاع تكاليف النقل”.

من جهته، قدّر خالد رحال تكاليف رعاية البقرة الواحدة شهرياً (علف وأدوية) بحوالي 1.2 مليون ليرة (268 دولاراً)، فيما يبلغ مردودها من الحليب حوالي 1.8 مليون ليرة شهرياً (403 دولارات)، “هذا المردود غير ثابت، ويتوقف على توفر العلف المستورد المغذّي للمواشي”، أما في حالة استخدام العلف المحلي أو الخبز اليابس “ينخفض إنتاج البقرة إلى النصف”، بحسب قوله.

قبل دمشق وريفها، سجلت محافظتا القنيطرة والسويداء نفوق قطعان من الأغنام، كما نشرت وسائل إعلام مقربة من النظام السوري، في آذار/ مارس الماضي، نتيجة الجوع ونقص الأدوية البيطرية وغلاء الأعلاف في ظل قلة “المقنن العلفي”.

وفي سياق حديثه عن الثروة الحيوانية هناك، أكد نقيب الأطباء البيطريين في القنيطرة، رشدي بهاء الدين، أنَّ الوضع الاقتصادي انعكس سلباً على قطاع الثروة الحيوانية، ومن ذلك “ظهور أمراض (انتهازية) وانخفاض المناعة ما انعكس سلباً على صحة القطعان وإنتاجيتها”.

نظراً لأن “تربية المواشي صارت عبئاً على أصحابها مقارنة بمردودها المادي المنخفض وتكاليف الانتاج المرتفعة”، قرر رحال بيع قطيعه و”التوجه إلى الزراعة”، كما قال.ش

شارك هذا المقال