8 دقائق قراءة

مع اقتراب معركة محتملة للحكومة السورية في إدلب: ما مصير الوجود التركي في شمال سوريا

سيبدأ الأطفال الذين تربوا على اللغة العربية والكردية، في ريف […]


7 أغسطس 2018

سيبدأ الأطفال الذين تربوا على اللغة العربية والكردية، في ريف حلب الشمالي، بدراسة اللغة التركية هذا الخريف، وفي الوقت ذاته، تضع مكاتب المجالس المحلية لافتات باللغتين العربية والتركية، ويظهر العلم التركي بشكل بارز – جنباً إلى جنب مع علم الثورة السورية ذو النجمات الثلاث – عندما يغطي المصورون الاجتماعات الرسمية في المنطقة.

في تلك الزاوية من شمال سوريا، يوجد الكثير من علامات تزايد النفوذ التركي، وتظهر إحدى الصور التي نشرت على الفيسبوك الشهر الماضي الآليات التي تمد الإسفلت في مدينة بزاعة شمال حلب، وتقول العبارة المرفقة مع الصورة “البدء بتزفيت شارع غصن الزيتون”، ومن الواضح أن تلك التسمية أطلقت على الشارع بعد حملة عسكرية بقيادة تركيا في شمال سوريا في وقت سابق من هذا العام، وفي خلفية الصورة، توجد لوحة جدارية تصور جندياً تركياً وتطل على الشارع المرصوف حديثاً.

وشهدت عملية “غصن الزيتون”، التي بدأت في كانون الثاني، سيطرة أنقرة وفصائل المعارضة السورية المدعومة من جانب تركيا على حوالي ٤٠ كيلومترا من المناطق الحدودية من القوات ذات الغالبية الكردية، وجاءت حملة هذا العام بعد أن استولت القوات التركية وقوات المعارضة على مناطق مجاورة كانت خاضعة لسيطرة تنظيم الدولة في عام ٢٠١٦.

والنتيجة هي: منطقة حكم تركي في ريف حلب تمتد من عفرين ذات الغالبية الكردية في أقصى شمال غرب سوريا، إلى مدينة جرابلس التي كانت خاضعة لسيطرة التنظيم في وقت ما، على بعد ١٣٠ كم إلى الشرق.

ولم تمر سيطرة تركيا للمنطقة دون إلحاق الضرر، حيث انتقدت منظمة العفو الدولية ومقرها لندن معاملة المعارضة المدعومة من جانب تركيا لمواطني عفرين في تقرير إدانة، الأسبوع الماضي، في حين يشكو النازحون السوريون من نقص الخدمات الأساسية في مجموعة من المخيمات التي تديرها تركيا والتي تنتشر في المنطقة الحدودية، ولا يزال سكان الباب ومدن حلب الشمالية الأخرى يعيدون إعمار مناطقهم بعد سنوات من حكم تنظيم الدولة.

ومع ذلك، فإن أنقرة تتعمق في المدن والقرى الشمالية التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، ولا تخطط للانسحاب في وقت قريب، بحسب ما يقوله جوشوا لانديز، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما.

يقول لانديز لمراسلة سوريا على طول، مادلين إدواردز “أعتقد أن تركيا مستعدة، نوعا ما، لضم هذه المنطقة”.

ووراء ما يصفه بعض السكان المحليين بـ”التتريك”، هناك سلسلة من العلاقات الدبلوماسية المعقدة والمتناقضة، والتي يمكن أن تنهار مع تلاقي الأطراف المتنازعة في سوريا في حملة عسكرية أخرى وشيكة: معركة إدلب.

في الأشهر الأخيرة، رأينا السلطات التركية تعزز وجودها في شمال سوريا: يضيف مدراء المدارس مناهج باللغة التركية للمدارس، والمجالس المحلية ترفع الأعلام التركية والبروباغندا التركية أصبحت واضحة بشكل متزايد في الأماكن العامة، وهناك كلمة واحدة يستخدمها بعض السكان لوصف هذه الظاهرة: “التتريك”، كيف ترى أولويات تركيا في الحفاظ على وجودها في شمال حلب على المدى الطويل؟

أعتقد أن تركيا مستعدة، نوعا ما، لضم هذه المنطقة، هذا هو الشيء الوحيد المنطقي، لأنه إن لم يفعلوا ذلك، سوف يهاجمهم نظام الأسد ويعيدهم إلى سوريا.

إن المشكلة طويلة الأمد بالنسبة لتركيا هي معرفة ما إذا كان بوسعها القيام بهذا النوع من التحركات، وهل يتقبله المجتمع الدولي، وحتى الآن، إنها تعمل لصالح ذلك.

وأود أن أقارن المنطقة بلواء اسكندرون، الذي كان وحدة إدارية منفصلة في سوريا تحت الانتداب الفرنسي إلى حين ضمته تركيا في عام ١٩٣٩، وفر ما يزيد عن ٤٠ ألف أو ٥٠ ألف لاجئ من المنطقة إلى سوريا في ذلك الوقت، بقي السُنة وأصبحوا أتراكاً، الخطوط بين تركيا والعرب يمكن أن تكون قابلة للاستبدال والتغير.

لكن هل ترى أن ديناميكية – المشاعر المؤيدة لتركيا بين السوريين في الشمال – تلعب دورا الآن؟

نعم تماماً، أعتقد أن العديد من السنّة يعتقدون أنهم سيكونون أفضل حالاً مع تركيا، وبدا ذلك واضحاً في حقيقة أن معظم ميليشيات المعارضة التي تستخدم تركيا كملاذ لها تعتبر تركيا أيضاً أمّاً راعية تمدهم بالدعم الدبلوماسي والسياسي والعسكري والاقتصادي، وكل شيء، وهم يرون الأتراك كأبطال لهويتهم الإسلامية.

وبمعنى أوضح، من خلال كونهم أتراك، ومن خلال كونهم تحت مظلة الحكم التركي، فإنهم مسلمون أكثر أصالة، وهذا يؤكد الالتباس – تماماً كما حدث في الثلاثينيات – بين الهوية الإسلامية والعرقية، التي نراها في الحرب اليوم وفي الثورة ضد الأسد.

ماذا ستستفيد أنقرة من احتمال ضم شمال حلب، أو على الأقل الحفاظ على وجودها هناك؟

تركيا لديها عدد من الأسباب، أولاً: على المستوى العملي، تكتسب تركيا النفوذ للتأثير على المفاوضات المستقبلية مع الأسد.

ثانياً: تركيا تخشى أن يخرج الأسد جميع مقاتلي المعارضة وعائلاتهم [الموجودين حالياً في شمال حلب وإدلب] إلى تركيا، لينتشروا عبر الأناضول، وعددهم يقدر بعشرات الآلاف أو مئات الآلاف من الناس.

مسؤولو التعليم في جرابلس مجتمعون في شهر أيار. تصوير: مكتب التربية والتعليم في جرابلس وريفها.

لذا فإن لتركيا مصلحة كبيرة في عدم السماح للأسد بإخراج الآلاف من مقاتلي المعارضة، إنهم لا يريدون اللاجئين، فلديهم ما يكفي، مليونين تقريباً.

بالنسبة للأسد فإنه سيفضل إخراج كل تلك الجماعات المعارضة الموجودة في إدلب وفي شمال سوريا إلى تركيا ويقول، “هؤلاء هم شعبك، يجب أن يعيشوا في تركيا، لقد مولتهم، ويجب أن تتحمل مسؤوليتهم”، لذلك من مصلحة تركيا التأكد من أن هذا السيناريو لن يحدث.

ما هو نوع النفوذ الذي يشكله التواجد التركي في شمال حلب على الحكومة السورية؟

إن العملية [المحتملة] التي تدور هناك، وتنتظر التنفيذ، هي أنه إذا سيطرت الحكومة السورية على الأكراد، فسوف تنسحب تركيا من الأراضي في [شمال] سوريا.

[تعمل السلطات ذات الغالبية الكردية المدعومة من الولايات المتحدة، في منطقة تتمتع بالحكم الذاتي الفعلي في شمال شرق سوريا، على التفاوض مع دمشق من أجل “نظام ديمقراطي لا مركزي” في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وفق ما ذكرته سوريا على طول في أواخر الشهر الماضي، وكان “مجلس سوريا الديمقراطية”، الجناح السياسي لقوات سوريا الديمقراطية المدعومة من جانب الولايات المتحدة، قد أعلن في تموز الماضي أنه دخل في محادثات مع الحكومة السورية من أجل “خارطة طريق تقود إلى سوريا ديمقراطية ولا مركزية”].

الصفقة التي يمكن أن تتم هي أن تتخلى تركيا عن المعارضة إلى حد ما وتعطي سوريا قسماً كبيراً من محافظة إدلب مقابل استعادة الحكومة السورية قسماً كبيراً من المنطقة الكردية، ومغادرة أمريكا، وهذا يعني أنه لا مزيد من التسليح للأكراد، ولا مزيد من الأسلحة التي تذهب إلى الأكراد، وبحسب ما أفترض، على المخابرات السورية أن تعمل بشكل وثيق مع الاستخبارات التركية، للتأكد من أن الأكراد لا يقومون بتهريب السلاح إلى حزب العمال الكردستاني، وأن الجيش التركي سيدمر حزب العمال الكردستاني داخل الأناضول ويقمع الأكراد.

لكن تركيا لا تثق في الأسد، ويعتقدون أنه تعاون مع حزب العمال الكردستاني في الماضي، لذا تخشى تركيا أن تلجأ سوريا إلى مساعدة حزب العمال الكردستاني لتقسيم تركيا بنفس الطريقة التي ساعدت بها تركيا المعارضة في تقسيم سوريا.

وبمجرد أن تتخلى [تركيا] عن تلك المنطقة، لن يكون لها أي تأثير في سوريا.

ذكرت سابقاً أن أنقرة لا تريد أن يتدفق مقاتلو المعارضة في إدلب إلى تركيا إذا تعرضوا لهزيمة محتملة هناك، هل يمكنك التحدث أكثر عن المخاطر في إدلب من منظور عسكري؟ هل ترى أن أنقرة مستعدة لدعم المعارضة هناك في معركة مقبلة، إلى الحد الذي شهدناه في شمال حلب؟

لدى تركيا ١٢ نقطة مراقبة أنشأتها في إدلب، والتي يدعمها جنود أتراك بأسلحة ثقيلة ودبابات، لذا، إذا قام الأسد بقصفهم، فسيقوم بقصف تركيا وهذا سيكون بمثابة سبب لنشوب الحرب من الناحية النظرية، لذا على الأسد أن يتحرك بحذر شديد حول نقاط المراقبة هذه.

كتبت في وقت سابق من هذا العام في مدونة Syria Comment الخاصة بك أن سياسة الولايات المتحدة بدعم الجماعات ذات الغالبية الكردية في شمال سوريا “دفعت تركيا إلى مجال النفوذ الروسي” كيف تلعب هذه الديناميكية دورها اليوم فيما يتعلق بالاستعدادات لمعركة إدلب؟ هل ترى أي تناقضات كبيرة؟

روسيا حريصة جداً على محاولة عقد صفقة بين تركيا والأكراد وسوريا، إنهم يحاولون التفاوض على طريقة لتجنب الحرب، بالطريقة نفسها التي فعلوها في جنوب سوريا، حيث تمكن الجيش السوري من استعادة كل تلك المنطقة في غضون شهر واحد فقط، ووافقت إسرائيل والأردن والولايات المتحدة على ذلك ولم تتدخل في الحرب لوقف الجيش السوري، وأجبرت المعارضة على إبرام اتفاقات مع الجيش أو الانسحاب إلى محافظة إدلب.

المجلس المحلي في جرابلس في كانون الثاني. تصوير: المجلس المحلي لمدينة جرابلس وريفها.

المشكلة هي أن الوضع في شمال سوريا أكثر صعوبة، المنطقة مليئة بكل هذه الجماعات الإسلامية المتطرفة، مباشرة على الحدود التركية، وتركيا قوة كبرى – فهي ليست مثل الأردن –  وقد استثمرت روسيا الكثير في تركيا، لذا هي لا تريد الدخول في حرب ضد تركيا.

وهذا سيكلف الدبلوماسية الروسية الكثير، لا أحد يعلم ما يجب فعله حيال ذلك، بمعنى آخر إنها نقطة تجمع كل المشكلات في سوريا.

حذّر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نظيره الروسي بوتين الشهر الماضي من أن معركة في إدلب ستدمر فعلياً اتفاق أستانا الذي وضع المحافظة ضمن واحدة من أربع مناطق تسمى “مناطق خفض التصعيد”، هل هذا مجرد كلام فقط أم أن هناك قلق حقيقي من انهيار دبلوماسي؟

سؤال جيد، يمثل اتفاق أستانا اتفاقية بين روسيا وتركيا وإيران وغيرها من القوى الإقليمية لاستخدام الدبلوماسية وعدم الدخول في الحرب، إذا انهار الاتفاق، فهذا يعني أن الحوار ينهار، وستحدث التداعيات.

أعتقد أن كلاً من روسيا وتركيا لا تريدان خوض الحرب، وكلاهما تعتقد أنه يمكن تسوية الوضع وتهدئته.

لذا، سيكون هناك الكثير من الدفع والسحب، ولسنا متأكدين كيف سينتهي ذلك، أو أين سيتم رسم الخطوط بالضبط، لكنني أعتقد أن الأسد ملتزم باستعادة [المحافظة] بأكملها.

هناك حديث مفاده أن أستانا لا قيمة لها، وأن أيّاً من مناطق خفض التصعيد التي أقامتها في سوريا لم تفعل الكثير لوقف القتال على الإطلاق، باستثناء أجزاء من محافظتي درعا والقنيطرة لفترة من الزمن.

لم يكن هذا هدفهم، كان هدفهم الفعلي هو تزويد الولايات المتحدة بطريقة معينة للتخلي عن المعارضة السورية، قرر الرئيس أوباما “لن أخوض حرباً ضد روسيا من أجل سوريا”، هذه هي السياسة الخارجية الأمريكية منذ ذلك الحين، سلموا سوريا لروسيا.

وهذا يعني أن عليهم إيجاد طريقة تسمح للأسد وروسيا بتدمير المعارضة، لكن بالطبع، التزمت الولايات المتحدة بالمعارضة، لذا من المحرج جداً أن تضطر أميركا إلى القيام بذلك، وواصلت أمريكا آمالها في أن تتمكن من الحصول على النفوذ، وأن تجبر الأسد على التنحي، وبأنه يمكن أن تحفظ ماء الوجه عن طريق التوصل إلى حل تفاوضي، لكن لم يحدث شيء من ذلك.

المسألة الآن هي ما إذا كانت تركيا ستخوض حرباً مع سوريا من أجل جماعات المعارضة، ولدي إحساس بأن تركيا لا تريد ذلك.

ماذا عن مصلحة تركيا في عودة اللاجئين؟ لقد رأينا لبنان والأردن يحثان اللاجئين على العودة إلى سوريا، هل الشيء ذاته سيحدث في تركيا؟ أم أنها ديناميكية مختلفة هناك لأنها كانت ملاذا سياسيا آمنا للمعارضة السورية؟

أعتقد أن تركيا ستكون أفضل بكثير (مع الاحتفاظ بسكانها اللاجئين السوريين) من الأردن أو لبنان. الاقتصاد الأردني واللبناني في وضع سيئ للغاية.

لكن تركيا في وضع مختلف لأنها أكثر ثراء، إنها بلد أكبر بكثير، أظن أن المزيد من اللاجئين سيصبحون أتراكاً، وأن أبناءهم سيبقون في البلاد ويصبحون أتراكا.

نعم، لقد عاد السوريون في تركيا إلى شمال سوريا، لكنهم لا يبقون هناك، يعودون لقضاء العيد، على سبيل المثال، لكنهم لا يبقون في شمال سوريا، حتى في المناطق التي تسيطر عليها تركيا، هناك العديد من العصابات، ورغم تزايد النفوذ التركي هناك، إلا أنه لا يزال مكاناً خارجاً عن القانون، لذا لن ترغب العائلات في الانتقال والعيش هناك. يوجد قدر بسيط من الأمان، وهناك أوضاع اقتصادية سيئة للغاية.

 

هذه المقابلة هي جزء من تغطية سوريا على طول الإخبارية، لمدة شهر كامل، للأراضي التي كانت تحت سيطرة التنظيم في سوريا مع مؤسسة كونراد أديناور والمراسلين على الأرض في سوريا. اقرأ تقريرنا التمهيدي هنا.

 

ترجمة: سما محمد.

شارك هذا المقال