6 دقائق قراءة

“داعش” إلى الواجهة: هل تبعث العملية التركية شمال سوريا التنظيم من جديد؟

إن استغلال تنظيم داعش للعملية التركية ضد قوات سوريا الديمقراطية، وتنفيذ هجمات على سجون "قسد" التي تحتجز نحو 12 ألف عنصر، والمخيمات التي تحتجز نحو 70 ألف امرأة وطفل، وتمكنه من تحريرهم أو جزء منهم، يعني أن للتنظيم عودة ثانية، وأنه سوف يبعث من جديد".


17 يونيو 2022

باريس- رداً على التصريحات الرسمية التركية بخصوص عمليتها العسكرية ضد قوات سوريا الديمقراطية (قسد) شمال شرق سوريا، عبر القائد العام للأخيرة، في 2 حزيران/ يونيو الحالي، عن قلقه إزاء العملية التركية، معتبراً أنها “تشكل خطراً كبيراً على استقرار شمال سوريا”، وأن التصعيد من شأنه “أن يؤثر سلباً على الحرب ضد تنظيم الدولة”.

وتأتي التحركات التركية، بحسب تنويه لـ”قسد”، نشر في 23 أيار/ مايو الماضي، في “سياق محاولات ضرب الاستقرار والاستجابة الطبيعية من قبل قوات الاحتلال لمحاولات إعادة تنشيط فلول داعش”.

وفي بيان آخر لـ”مسد”، اتهم فيه حزب العدالة والتنمية، وهو الحزب الحاكم في تركيا، بمحاولة “إقامة إمارة جهادية تحتضن المتطرفين وزعمائهم”، وقال المجلس أن “المنطقة الآمنة” التي تعتزم تركيا إنشاءها بعمق 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، تحوي سجون عناصر “داعش” وعائلاتهم.

واتهم الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي التابعة لـ”قسد”، محمود حبيب، أنقرة بمحاولة “تشتيت قواتنا على جبهتين خطرتين، الأولى ضد عمليتها المرتقبة، والأخرى ضد تنظيم الدولة”، مشيراً في حديثه لـ”سوريا على طول”، أن ذلك يستدعي “استقدام مزيد من القوات لدعم الجبهات على حساب تأمين سجون داعش”، حيث تحتجز “قسد” أكثر من 12 ألف مقاتل داعشي، كما قال.

ورغم مرور أسابيع على التصريحات التركية عزم أنقرة إطلاق عملية عسكرية على حدودها الجنوبية، والتحذيرات منها على الجانب الآخر من الحدود، لم تشهد المنطقة تغيراً واضحاً بنشاط “داعش” شمال شرق سوريا، لكن هذا لا ينفي احتمالية أن يستغل التنظيم انشغال الأطراف بالعملية، ومن ناحية أخرى استخدام “قسد” ورقة “داعش” للضغط على التحالف الدولي ضد تنظيم “داعش” بقيادة الولايات المتحدة، لوقف العملية التركية أو الحدّ من تأثيرها.

ورقة “داعش”

تستند “قسد” في تحذيراتها من عودة تنظيم “داعش” إلى شمال شرق سوريا، إلى نشاط الأخير المستمر في مناطق سيطرتها، رغم مرور أكثر من ثلاث سنوات على إعلان هزيمته بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة، لدرجة خروج بعض المناطق النائية شمال شرق سوريا عن سيطرة “قسد” ليلاً لصالح التنظيم.

وتعيد حادثة سجن غويران في مدينة الحسكة، التي حاول فيها “داعش” السيطرة على السجن الخاضع لسيطر “قسد” وتهريب المعتقلين من داخله، خطر التنظيم إلى الواجهة وتنذر بتزايد نشاطه، إذ إن أي عملية من شأنها “تقسيم سوريا إلى أجزاء صغيرة، تؤدي إلى ضعف الجهات الفاعلة الرئيسية، ويصعب معها منع الجماعات مثل تنظيم الدولة من بسط نفوذها”، كما قال أرون لوند، الباحث في وكالة أبحاث الدفاع السويدية (FOI) ومؤسسة “سينتوري” الأميركية لـ”سوريا على طول”.

من جانبه، اتهم الفاروق أبو بكر، عضو مجلس قيادة هيئة ثائرون للتحرير، التابعة للجيش الوطني (المعارض)، المدعوم من تركيا والمشارك في العملية التركية المرتقبة، “قسد” باستخدام التنظيم كـ”شماعة للبقاء وضمان استمرار وصول الدعم الدولي لها لتنفيذ مشروعها الانفصالي”، بحسب وصفه لـ”سوريا على طول”.

وتحاول “قسد”، وفقاً لأبو بكر، “تخويف المجتمع الدولي من أن عمليتنا العسكرية ستقوض جهودها في محاربة الإرهاب”، معتبراً أن “داعش أفلت إلى غير رجعة، بغض النظر عن بعض الحركات الإعلامية التي تقوم بها في البادية السورية”. 

وقال أبو بكر أن “الجيش الحر والجيش الوطني هو أول من حارب التنظيم في معركة درع الفرات شمال حلب”، في الوقت الذي “وقفت قسد مع داعش أثناء تلك المعركة”. 

رداً على ذلك، قال محمود حبيب، أن “هناك جانب تعاوني بين داعش وتركيا”، مستشهداً “بعملية سجن الحسكة، وقد تأكدنا من ذلك”.

أثر العملية على “عودة داعش”

حذّر الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي، محمود حبيب، من أن أي “هجوم تركي سوف يضعف الرقابة الأمنية، وقد يتسبب بحدوث استعصاء داخل السجون أو هروب سجناء”، ومع انشغال “قسد” في المواجهة الجديدة مع تركيا “ستضعف عمليات الملاحقة والضبط لأي خلية داعشية على امتداد شرق الفرات”، بحسب قوله.

ومع تأكيده على إمكانية استغلال تنظيم “داعش” للظروف العسكرية، “وإعادة تنظيم خلاياه المتبقية”، ما قد ينبئ “بعواقب فورية للعملية”، إلا أن تهديد “قسد” بأنها قد تضطر إلى سحب عناصرها من محيط السجون لصد العملية التركية يأتي في سياق “دعايتها لحشد الدعم ضد تركيا”، وفق أرون لاند.

من جانبه، قال الخبير في شؤون الجماعات الإسلامية، حسن أبو هنية، أن تأثير العملية التركية على نشاط “داعش” يعتمد على “حجم ومدى توسع أنقرة في عمليتها وتعامل قوات قسد معها”، وعلى أية حال، فإطلاق العملية يعني أن “قسد ستستزف”، كما أوضح لـ”سوريا على طول”.

واستشهد أبو هنية بحادثة “سجن غويران”، مشيراً إلى أن التنظيم شن هجوماً بمجموعة تتراوح بين 13 و30 مقاتلاً، بحسب إعلان التنظيم، ولم تتمكن قسد من جانبها “صد العملية إلا بعد تدخل أميركي أرضاً وجواً”، لذا فإن هجوم غويران “كشف حقيقة قسد رغم تعداد قواتها الكبير، الذي يصل إلى 120 ألفاً”، ما يعني بحسب أبو هنية أن نتائج العملية المرتقبة “محسومة، وثمة تكاليف لها”.

من جهته، استبعد الفاروق أبو بكر، القيادي في الجيش الوطني، تأثير العملية التركية على مناطق سيطرة “قسد”، مستدلاً على ذلك بأن “التنظيم لا يملك نفوذاً إلا في بعض المناطق في البادية”، ما يعني أن أي نشاط خارج هذه المناطق ضد “قسد” قد يكون “مفتعلاً، من أجل خدمة مصالح قسد”. 

الأماكن الأكثر عرضة لنشاط “داعش”

تستهدف أنقرة في عمليتها العسكرية، بحسب تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مدينتي تل رفعت ومنبج في ريف حلب، التابعتين لسيطرة “قسد”، إلا أن المؤشرات العسكرية المرتبطة بتحركات الجيش الوطني، وإعادة انتشار القوات الأميركية والروسية في المنطقة، تشير إلى أن مناطق أخرى ستكون ضمن بنك أهداف أنقرة.

من المرجح أن “تعتمد تركيا على فصائل الجيش الوطني لفرض سيطرتها على تل رفعت ومنبج”، ومع أن هاتين المنطقتين قد تكونان خارج حسابات التنظيم، وفقاً للباحث لوند، فإن الأخير “قد يستفيد من العملية في مناطق أخرى”. إذ قد يؤدي ضعف “قسد” أو ارتفاع مستوى الصراع إلى “توترات في أماكن بعيدة مثل دير الزور، وهذا يساعد في تخفيف الضغط على خلايا التنظيم هناك”، بحسب قوله.

وفي خضّم الحديث عن عودة “داعش”، ما تزال “القوة الحقيقية للتنظيم في سوريا غير مؤكدة”، بحسب لوند، مشيراً إلى أن “نشاطه في موطنه الأصلي، العراق، حيث ينحدر معظم قادتها، قد تراجع وأصبح محصوراً في الأرياف والمناطق النائية، وهذا مشابه للوضع في سوريا”.

بدوره، اعتبر الناطق باسم قوات الشمال الديمقراطي، محمود حبيب، كل مناطق شمال وشرق سوريا مهددة بعمليات “داعش” “بدءاً من مراكز المدن والبلدات والطرق الدولية وانتهاء بالسجون والمخيمات”، وهو ما يعني أن “المنطقة تحت خطر حقيقي”، وتبقى “سجون عناصر التنظيم هي الأهداف الأكثر احتمالية للهجمات”.

وكذلك، قد ينشط التنظيم “في الأماكن البعيدة عن الرقابة الاستخباراتية والعسكرية لإعادة تشكيل خلايا نشطة مهمتها السيطرة على بعض المناطق البعيدة”، بحسب حبيب.

وفي هذا السياق، قال حسن أبو هنية “تعودنا منذ أيام العراق أن التنظيم لا يتحرك عشوائياً، وكل تحركاته مخططة، كما في حصاد الأجناد وغيرها”، ومع ذلك “ربما يستثمر بعض الأحداث، لكنه يلتزم بالخطط المرسومة مسبقاً”.

وعليه، “لن يشن التنظيم هجوما كبيراً، وإنما بعض الهجمات الاختبارية، كما حصل في سجن غويران”، بحسب أبو هنية، بمعنى “قد يستغل الفوضى لإخراج عناصره من السجون، إلى جانب استغلال عشرات آلاف النساء والأطفال الذين كبروا في السجون والمخيمات”.

“بعث التنظيم”

بغض النظر عن استثماره أي حدث آني، إلا أن تنظيم “داعش” يمضي “وفق خطة كبيرة، وعنده استراتيجية صبورة ومتدرجة تتعامل مع المتغيرات”، وفق أبو هنية، معتبراً أن الخطة الاستراتيجة “تتمثل في الحفاظ على الهيكلة في الوقت الراهن، ومن ثم التمدد تبعاً لتغير الصراعات الجيوسياسية بين الدول الإقليمية”.

وأوضح أبو هنية أن “التنظيم يراهن على انسحاب الأميركان من سوريا في نهاية المطاف، كما حصل في العراق”، إذ لم يمرّ أكثر من عام “حتى سيطر تنظيم داعش على مناطق في العراق وسوريا”، معتبراً أن “سياسة التنظيم العامة تتمثل في التموضع بين الخلافات والتنافس الحاصل بين الدول”.

ومع التطورات الإقليمية والدولية، من قبيل “اشتداد التنافس بين أميركا والصين، وتوجه الاهتمام الأميركي نحو بحر الصين الجنوبي وآسيا، مقابل انشغال روسيا في أوكرانيا”، فإن “الانسحاب الأميركي من شمال شرق سوريا، وهو قد يحصل إذا دخلت تركيا للمنطقة، يجعل كل الأمور في مهب الريح”، وفقاً لأبو هنية، وعليه “سيعيد التنظيم نفسه، وستشتعل المنطقة مرة أخرى بكافة القوى، من بينها تنظيم داعش، الذي يعدّ أحد الفاعلين ولديه خبرة ومعرفة دقيقة بالمنطقة”.

وذهب أرون لوند، في أن “هناك شكوكاً بأن التنظيم يخفي بعض نشاطه، من خلال عدم تبني جميع الهجمات”، بهدف “إعادة بناء هادئة لخلاياه أملاً بانخفاض الدعم الأميركي لقوات قسد”، معتبراً أن إضعاف “قسد” وقوى الأمن الداخلي (الأسايش) مقابل اندلاع فوضى عامة، سيخلق على المدى الطويل “مساحة أكبر يعمل فيها تنظيم داعش”.

وشدد لوند على ضرورة “أن يكون جميع الفاعلين المهتمين بمنع عودة التنظيم على دراية بالمخاطر طويلة المدى والاستعداد لها”، وهذا لا يعني بحسب قوله “الوقوف مع أو ضد أي طرف” في إشارة إلى الطرفين تركيا و”قسد”. 

وختم أبو هنية قوله، بأن هجوم التنظيم على سجون “قسد” التي تحتجز نحو 12 ألف عنصر، والمخيمات التي تحتجز نحو 70 ألف امرأة وطفل، “وتمكنه من تحريرهم أو جزء منهم، يعني أن للتنظيم عودة ثانية، وأنه سوف يبعث من جديد”.

شارك هذا المقال